هآرتس: وقف القتال في غزة هو شرط ضروري لكنه لم يعد كافيا
هآرتس 28/10/2024، تسفي برئيل: وقف القتال في غزة هو شرط ضروري لكنه لم يعد كافيا
“صفر نتائج”، هذه كانت روحية العناوين في الصحف اللبنانية بعد انتهاء زيارة المبعوث الامريكي الخاص، عاموس هوخشتاين، في بيروت في يوم الجمعة الماضي. هذه الزيارة لم تستهدف اظهار التفاجؤ أو خيبة الأمل، بل تثبيت حقيقة. لا أحد ينتظر معجزة امريكية ستحدث عند زيارة هوخشتاين، ولا حتى المبعوث نفسه الذي سمع للمرة الـ 12 على الاقل المواقف الثابتة والمعروفة لحكومة لبنان، وبالاساس رئيس البرلمان نبيه بري الذي فوضه حزب الله لادارة المفاوضات باسمه حول التسوية والاتفاق والترتيبات أو أي مصطلح آخر سيؤدي الى وقف اطلاق النار بين اسرائيل ولبنان.
من ناحية لبنان فان أسس هذا الاتفاق لم تتغير، وهي تشمل تطبيق قرار مجلس الامن رقم 1701 بدون تغيير صياغته، وانتشار الجيش اللبناني في جنوب لبنان الى جانب قوة اليونفيل، التي لن تتغير صلاحياتها، وبالاساس الحفاظ على الصيغة التي تربط بين وقف الحرب في قطاع غزة وبين وقف النار في لبنان وفي اعقاب ذلك الاتفاق. لا يوجد الآن في لبنان أي جهة لها مكانة وصلاحيات – حكومية، برلمانية، وبالاخرى من قبل حزب الله – مستعدة للاعلان عن فصل العلاقة بين الجبهات. هكذا، حتى بعد غياب الامين العام لحزب الله عن الساحة فان ارثه يواصل املاء مصير لبنان، ويحول أي نقاش حول الاتفاق الى مناورة عقلية، نظرية، وكل زيارة لوسيط الى عرض متكرر لعدم الجدوى والفائدة. كل ذلك في الوقت الذي فيه في بيروت وفي مدن اخرى تستمر جثث القتلى في التراكم، التي وصل عددها الى اكثر من ثلاثة آلاف، وحيث آلاف المصابين لا يحصلون على العلاج في المستشفيات، وحوالي اكثر من 1.3 مليون شخص، بينهم نصف مليون طفل تقريبا، اصبحوا لاجئين في بلادهم أو هربوا الى سوريا.
يبدو أن اسرائيل لا تقوم بتخريب البنى التحتية المدنية بشكل متعمد، لكن يبدو أنه لا حاجة الى ذلك – حركة المهاجرين الجماعية التي تلقي بعبء كبير وغير محتمل على البنى التحتية القائمة، شبكة المياه وشبكة الكهرباء والخدمات الصحية، تقوم بهذا العمل بنفسها. المرضى والجرحى الذين يصلون الى المستشفيات لا يوجد سرير فارغ، وابناء عائلاتهم يكتشفون أنه لا يوجد موظف تسجيل يمكنه العثور على أبناء عائلاتهم في الغرف أو في الممرات. هؤلاء يجب عليهم ايضا شراء الدواء بأنفسهم، في حين أن الممرضين والممرضات الذين لم يغادروا اماكن العمل حتى الآن لا يمكنهم تحمل الضغط. لبنان تحتاج ضخ فوري لملايين الدولارات فقط من اجل تمويل النشاطات الحيوية الجارية حتى قبل النقاش حول اعادة اعمار الدولة، أو حول تسديد اقساط دينها الذي يقدر بـ 100 مليار دولار.
في يوم الخميس الماضي عقد في باريس مؤتمر الدول المانحة الذي دعا اليه الرئيس الفرنسي عمانويل ميكرون. حوالي 70 دولة ومؤسسة دولية شاركت في المؤتمر الذي انتهى بنجاح كبير. مقابل تقدير مسبق بأنه سيتم جمع في هذا المؤتمر حوالي 500 مليون دولار، تعهد المانحون بتحويل مبلغ مليار دولار، 800 مليون للمساعدات الانسانية و200 مليون لتعزيز وتقوية الجيش اللبناني، الذي منذ سنتين يعيش على المنح من الولايات المتحدة وقطر. فقط في الاسبوع الماضي اضافت قطر 10 ملايين دولار اخرى لرواتب جنود الجيش اللبناني.
لبنان يتذكر ايام افضل من هذه، عندما في العام 2018 تعهدت الدول المانحة بتحويل 11 مليار دولار اذا اجرت فقط اصلاحات اقتصادية، التي لم تنفذ حتى الآن. اذا تم التوصل الى اتفاق حول وقف اطلاق النار فان لبنان سيحتاج الى اكثر بكثير من مليار دولار، والـ 200 مليون دولار التي تم تخصيصها للجيش اللبناني يجب أن تتم مضاعفتها خمس أو ست مرات من اجل أداء مهمة الدفاع عن جنوب الدولة. في هذه المرحلة الحديث يدور عن تجنيد 6 آلاف جندي آخر سينضمون الى القوة التي يبلغ عددها 8 آلاف جندي الذين سيتم انتشارهم في جنوب لبنان. هؤلاء الجنود يجب عليهم المرور بالاعداد والتدريب والتزود بأسلحة ثقيلة وسيارات مصفحة والاستعانة بطائرات مروحية واقامة شبكات اتصال متقدمة وبناء قواعد، في حين أنه حتى الآن من غير الواضح حجم التفويض لنشاطاتهم، وما هو المجال الجغرافي الذين سيعملون فيه وماذا ستكون صلاحياتهم في العمل أمام قوات حزب الله، التي ستحاول العودة الى المناطق التي ستقوم اسرائيل باخلائها، هذا اذا قامت باخلائها، وماذا ستكون مكانتهم امام تفويض قوة اليونفيل التي تعد الآن اكثر من 10 آلاف جندي.
على كل هذه القضايا يتعين على الاتفاق النهائي اعطاء رد، الذي ما زال رغم الكثير من النقاشات حوله، بعيد حتى عن مسودة متفق عليها. المصطلح الرئيسي “القرار 1701″، الذي يقدم ظاهريا رد رسمي على نشاطات قوة اليونفيل وانتشار الجيش اللبناني، هو بحد ذاته مختلف عليه. موقف حكومة لبنان وموقف حزب الله وموقف نبيه بري هو أنه يجب تطبيق الاتفاق بصياغته الحالية، بدون أي تغيير أو تعديل أو توسيع صلاحيات قوة اليونفيل، وبدون تطبيق القرار 1559 من العام 2004 الذي ينص على حل جميع المليشيات المسلحة.
هذا الموقف يستند، ضمن امور اخرى، الى حقيقة أنه رغم الضربات الشديدة لاسرائيل ضد حزب الله إلا أن الحزب ما زال يمتلك قوة سياسية مهمة، وممثلوه اعضاء في الحكومة وفي البرلمان، وهو لديه سلاح يهدد به الساحة الداخلية في لبنان، وموافقته على أي اتفاق هي ضرورية لمنع مواجهات داخلية عنيفة تصل الى الحرب الاهلية.
هذا الموقف يتصادم مع معارضة اسرائيل وامريكا، التي تطالب بتوسيع كبير لبنود القرار بحيث يعطي اسرائيل صلاحية المتابعة الجوية لتنفيذ القرار، وعند الحاجة السماح بتنفيذ رقابة برية، أي القيام بـ “مطاردة ساخنة” داخل لبنان في كل حالة خرق، وتوسيع صلاحية عمل قوة اليونفيل. حسب مصادر اسرائيلية فان اسرائيل ستطلب ايضا السماح في التواجد في جنوب لبنان لـ “فترة انتقالية” سيتم فيها فحص الترتيبات العسكرية التي ستقوم بها حكومة لبنان واليونفيل، لكن مشكوك فيه اذا كان سيتم الرد بالايجاب على هذا الطلب. رسميا تغيير صيغة القرار 1701 سيحتاج الى اصدار قرار جديد من مجلس الامن، وهو اجراء يمكن أن يشكل بحد ذاته عائق صعب، حيث أنه يمكن أن يصطدم بالفيتو الروسي. ولكن بدون قرار كهذا فان قوة اليونفيل لا يمكنها العمل.



