هآرتس: هل لا يريد نفتالي بينيت الفوز؟

هآرتس 24/12/2025، ديمتري شومسكي: هل لا يريد نفتالي بينيت الفوز؟
هل من المعقول ان نفتالي بينيت لا يهتم بهزيمة نتنياهو في الانتخابات، والعودة الى منصب رئيس الوزراء وقيادة عملية إعادة بناء إسرائيل التي طال انتظارها بعد الكارثة غير المسبوقة التي حلت بها في مذبحة 7 أكتوبر؟. الحقيقة هي انه في حين انه من الواضح ان معسكر معارضة نتنياهو عاجز عن تشكيل حكومة بدون دعم الأحزاب العربية، فان بينيت وكل المعارضة (باستثناء التلميحات الغامضة لغادي ايزنكوت) لا يكتفون بعدم اظهار أي رغبة في تشكيل تحالف مدني ديمقراطي مع ممثلي المواطنين العرب، بل بالعكس، يتهربون مرارا وتكرارا من هذا السيناريو.
في الواقع، ليس من غير المعقول افتراض ان بينيت متردد في مواجهة نتنياهو. فهو بصفته يميني متطرف يتبنى معظم مواقفه الأيديولوجية. لذلك، امام معضلة الاختيار بين “خيانة” قيم اليمين واقصاء نتنياهو سياسيا مع الاعتماد على أصوات العرب، أو الخسارة بشرف ومحاولة الانضمام لحكومة نتنياهو رغبة في “اصلاح الوضع من الداخل”، من المحتمل أيضا ان يختار بينيت الخيار الثاني.
ولكن هنا بالضبط يكمن التحدي الأيديولوجي السياسي الكبير الذي وصل الآن الى عتبة بينيت. بالفعل، لا يوجد أي شيء “يميني” في التطلع العنصري والمشين لمنع المواطنين العرب في إسرائيل من المشاركة في تحديد مستقبل دولتهم من خلال ممثليهم في الكنيست، وهو المعنى الحقيقي الوحيد لشعار “التحالف الصهيوني” الذي تتجمع حوله أحزاب المعارضة الآن. واذا كان بينيت ينوي بالفعل صياغة بديل يميني مناهض للكهانية فانه من الواضح ان احد المباديء الأساسية له يجب ان يكون المصادقة على المساواة المدنية الكاملة للمواطنين العرب في إسرائيل، والرفض القاطع لاستبعادهم من الائتلاف الحاكم.
صحيح انه لا يجب الاستخفاف بحقيقة ان حرمان الشعب الفلسطيني من حقه بدولة خاصة به بين البحر والنهر، الرأي اليميني بامتياز – قد يرتبط بموقف ضد المساواة المدنية الكاملة للمواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل. مع ذلك، يشير استعراض تاريخ اليمين الصهيوني الى ان هذا الربط غير ضروري، اذ برزت شخصيات محورية وبارزة قبل إقامة الدولة وبعدها، التي دافعت وبحزم عن فكرة ارض إسرائيل الكاملة، ودعمت في نفس الوقت المساواة المطلقة في الحقوق بين اليهود والعرب.
هكذا، انجاز زئيف جابوتنسكي باستمرار الى نماذج مستوعبة في الدولة اليهودية، تجمع بين المساواة في الحقوق الفردية والاعتراف بالحقوق الجماعية للاقلية العربية. كما عارض مناحيم بيغن الحكم العسكري في بداية قيام الدولة. واقترح موشيه آرنس ضم أراضي يهودا والسامرة مع إعطاء الجنسية الإسرائيلية للفلسطينيين. في ضوء كل ذلك اذا قرر بينيت دعم فكرة اشراك الأحزاب العربية في الائتلاف علنا وبصراحة فان ذلك لن يكون تحول “يساري”، بل عودة الى نهج اليمين الإسرائيلي الليبرالي القديم – وهكذا سيتعين عليه تقديم هذه الخطوة.
الصعوبة الثانية التي يجب عدم تجاهلها، التي تقف في طريق بينيت اذا أراد تسويق للجمهور اليهودي التعاون الائتلافي مع ممثلي الجمهور العربي، ترتبط بزيادة مشاعر العداء تجاه العرب في أوساط اليهود الإسرائيليين على خلفية مذبحة 7 أكتوبر. مع ذلك، رغم غرابة الامر، يمكن بالتأكيد إعادة النظر في المذبحة بطريقة تتيح فرصة غير متوقعة لبناء رواية إسرائيلية – عربية مشتركة. في الواقع لم يميز قتلة حماس بين اليهود والعرب في المذبحة، ولسبب وجيه – بالنسبة اليهم يعتبر المواطنون العرب في إسرائيل الذين يرغبون في معظهم في التعايش بسلام ومساواة مع الجمهور اليهودي الإسرائيلي، متعاونون مع الكيان الصهيوني. في الحقيقة لم يكن الهجوم القومي الإسلامي الدموي موجهة لليهود الإسرائيليين فقط، بل للهوية الإسرائيلية مع كل مركباتها المختلفة، وبالتالي، فان الاستجابة المناسبة من حيث الهوية التي يجب صياغتها بعد المذبحة هي تعزيز الروابط المدنية التي تجمعهم.
لا احد يتوقع ان يتنازل بينيت عن موقف الأيديولوجي الأساسي الذي يدعو الى فكرة ارض إسرائيل الكاملة، بل العكس، ومثلما قال يئير اسولين مؤخرا (“هآرتس”، 28/11)، فانه من الأفضل ان يتميز البديل للبيبية في المقام الأول بالاصالة، ولا شك ان بينيت هو شخص اصيل، حيث انه يميني قومي ومتدين، يؤمن بالحق القومي الحصري لليهود في ارض إسرائيل.
مع ذلك، اذا اعرب بينيت في نفس الوقت وبصدق عن دعمه الصريح للتعاون السياسي مع ممثلي العرب في الكنيست فلن تتاثر مصداقية موقفه قيد انملة. بل على العكس، يتذكر الجميع استعداده لتاسيس حكومة التغيير على دعم الحركة القومية العربية، ويتذكر أيضا بان هذه لم تكن خطوة انتهازية من جانبه، بل رغبة صادقة في الحفاظ على حوار سياسي مدني مع حزب عربي معتدل.
في ضوء ذلك فان تردده الحالي في السماح لحزب عربي بالمشاركة في الائتلاف في المستقبل، هو الذي يضر بمصداقيته. ففي الوعي العام في إسرائيل ينظر الى بينيت بوضوح على انه اول يميني سمح لممثلي الشعب العربي ان يكونوا احد قادة ائتلافه، والان بقدر ما يشير الى انه لا ينوي إعادة هذا التحالف، بدأ ينظر اليه على انه شخص يخشى اتخاذ هذه الخطوة المدنية الشجاعة والاصيلة مرة أخرى خشية من اليمين الكهاني. مع ذلك يجب على من يريد الفوز ان لا يظهر علامات الخوف، وهذا سبب آخر، وربما الأهم، يدفع بينيت الى السعي بشجاعة الى تأسيس تحالف صهيوني مدني يشمل أيضا المكون العربي.



