هآرتس: نتنياهو اضطر الى التساوق مع خطة ترامب ولا يزال يأمل في احباطها

هآرتس 1/10/2025، عاموس هرئيل: نتنياهو اضطر الى التساوق مع خطة ترامب ولا يزال يأمل في احباطها
لو انه تم عرض هذا الفيلم قبل عقد تقريبا لكنا بالتاكيد سنعتبره مدحوض من اساسه. عجوز، احد ارباب العقارات في نيويورك، مشكوك فيه، غريب في تاريخه، يقف في البيت الابيض ويطلق جبال من الكلمات التي تم القاءها على المشاهدين والمستمعين، من اعماق تيار لانهائي للوعي. الموضوع الرئيسي شبه الوحيد له هو نفسه: عظمته، حكمته الكبيرة، المحبة التي يحظى بها من الزعماء ومن المواطن العادي، الظلم المثير لغضب وسائل الاعلام والاعتراف الذي سيحصل عليه ذات يوم من المؤسسات الدولية.
مشكلات الاشخاص العاديين، الاسرائيليين والفلسطينيين الذين يوجدون في مكان ما في الشرق الاوسط، لا تعنيه حقا، باستثناء امكانية ظهوره كمخلص لهم. ولولا الفرص الاقتصادية التي تنتظره في المنطقة، لو استطاع فقط فرض اتفاق لانهاء القتال في غزة، لكان مشكوك فيه أن يكلف نفسه عناء الانشغال بها. كنا سنكون مثل الجراد بالنسبة له. أما تجاربه الشخصية فهي اكثر اهمية بكثير – مثلا، قام بتعطيل الدرج الكهربائي في مبنى الامم المتحدة.
لكن هذا هو العالم الذي اوجده الرئيس الامريكي دونالد ترامب، وهذا هو الواقع الذي نعيش فيه، مع بعض الاستراحات، منذ العام 2017. في المؤتمر الصحفي المطول والمشوش الذي فرضه ترامب على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مساء أول أمس، تم توضيح بشكل نهائي ما بدأ يظهر منذ كانون الثاني الماضي: فقط ترامب يستطيع. هذه هي المرة الاولى منذ عودته الى البيت الابيض التي فيها الرئيس يلقي بكل ثقله من اجل التوصل الى انهاء الحرب، وربما الدفع قدما بعد ذلك باتفاقات تطبيع بين اسرائيل ودول عربية واسلامية. وداعا للريفييرا، الغزية المدهشة مع الفنادق الفاخرة، التي نسيت الآن. ترامب يحاول فرض على اسرائيل وعلى حماس اتفاق يؤدي الى تحرير المخطوفين واعادة الجثامين. انسحاب كامل للجيش الاسرائيلي من القطاع (باستثناء ممر ضيق قرب الحدود)، وتاسيس نظام عربي مؤقت لادارة القطاع بدون تدخل مباشر لحماس، واعطاء دور رمزي على الاقل للسلطة الفلسطينية.
نتنياهو، الذي يعرف بشكل ممتاز الرئيس ويدرك جيدا علاقات القوة الحقيقية بينهما، اضطر في هذه الاثناء الى تملق الرئيس الامريكي والتساوق معه. في استوديوهات قناته الداخلية ظهر ان بعض الابواق تقف على شفا الجلطة الدماغية: كيف سيوفقون بين وعود التدمير واحلام الترانسفير في القطاع، بدعم الرئيس المشهور الذي سيبقى الى الابد خلفنا، وبين الواقع المهين الذي فيه رئيس الحكومة اضطر الى الاعتذار من نظيره القطري على نفس محاولة الاغتيال الفاشلة والحقيرة لطاقم حماس للمفاوضات في الدوحة قبل ثلاثة اسابيع؟. في الواقع عند الظهيرة تم تسويق ادعاء انه فقط بفضل الرد الصهيوني المناسب في الدوحة، تراجعت قطر، والان ربما ستتراجع ايضا حماس. ولكن يبدو انه حتى محيط نتنياهو يجد صعوبة في اقناع نفسه بتصديق ذلك.
حتى الان ما زال يوجد لدى نتنياهو أمل – احتمالية تحققه ما زالت واقعية جدا. في نهاية المطاف ما يعرضه ترامب الان بخطوط عامة كان على جدول الاعمال في شتاء وربيع 2024. رئيس الحكومة نجح في افشال الخطة لسنة ونصف بفضل جهود التخريب والتعويق الذكية، وبفضل التعصب القاتل لقيادة حماس. مشكوك فيه أننا تخلصنا اخيرا من اسلوبه القديم. في الايام القادمة من المرجح ان يحاول نتنياهو البدء في مفاوضات مضنية مع رجال الادارة الامريكية حول بنود الاتفاق وصياغته النهائية ومسار تنفيذه. ان عدم اهتمام واضعي الخطة في وضع جدول زمني لانسحاب الجيش الاسرائيلي قد يعقد الوضع اكثر في المستقبل.
في نفس الوقت نتنياهو سيستغل معارضة احزاب اليمين المتطرف في الائتلاف، وسينشر تلميحات وتصريحات بهدف الضغط على حماس وايهام قادة الحركة بان اسرائيل ستخرق الاتفاق عندما تسنح لها الفرصة. لقد سبق لاسرائيل واخترقت الاتفاق السابق عندما استانفت القتال في شهر آذار الماضي. ومنذ ذلك الحين لم يقم ترامب بالوفاء بوعد فرض الاتفاق بعد أن اطلقت حماس سراح الجندي عيدان الكسندر الذي يحمل الجنسية الامريكية. من جهة اخرى، حماس لم تعلن عن موافقتها على الاتفاق مساء أمس رغم الضغط الكبير الذي يستخدم عليها من قبل مصر وقطر ودول الخليج السنية. من المرجح ان تحاول هذه الدول الان الحصول على تنازلات معينة في صياغة الاتفاق لصالح حماس. من اهم الانجازات التي يمكن للحركة عزوها لنفسها هو البند الذي يتعلق باطلاق سراح 250 قاتل فلسطيني من السجون في اسرائيل مقابل الرهائن، وهي الخطوة التي يمكن ان تفرغ السجون تقريبا من السجناء الامنيين المحكومين بالمؤبد. مع ذلك، قد تسوء الامور بشكل كبير – البعض بالفعل يعملون على ذلك.
نظرة سريعة على خطة ترامب الجديدة تثير في الذاكرة ما قاله اهود باراك عندما كان رئيس الاركان عن اتفاق اوسلو: “توجد فيه ثقوب اكثر مما يوجد في الجبنة السويسرية”. مع كل الضغط المستخدم على حماس، التي قيادتها مقسمة بين الفيلات في الدوحة والانفاق في غزة، فانه مطلوب منا درجة كبيرة من التفاؤل من اجل التصديق بان حماس ستوافق على اطلاق سراح جميع المخطوفين والجثث خلال 72 ساعة من التوقيع المستقبلي مقابل التزام ترامب باجبار اسرائيل على الانسحاب المستقبلي على مراحل من القطاع. ايضا مكانة حماس، عندما سيتم نقل السلطة في القطاع الى الجهة العربية المستقبلية والمتخيلة، لا تبدو منظمة. تطبيق الاتفاق يتعلق بالقدرة على القفز على العقبات التي يضعها الان المعارضون من الطرفين، الذين يوجدون عميقا في الحكم. ترامب اظهر في الاسبوع الماضي نفس التصميم والحزم الذي ينسبه له مؤيدوه، الذي امتنع عنه لفترة طويلة في لقاءاته مع نتنياهو. الآن الكثير يتعلق ايضا بالاستماع والتركيز الذي سيظهره، وهذه ليست بالضبط صفاته التي يتميز فيها. رئيس الحكومة نتنياهو يامل ان ترد حماس سلبا، وعندها فان اسرائيل ستحصل على دعم ترامب للانقضاض العسكري الاخير على حماس في القطاع.
بعد الاعتذار المصطنع للقطريين اشار وبحق الاباء الثكالى وعائلات المخطوفين الى ان نتنياهو لم يكلف نفسه عناء الاعتذار لهم عن مسؤوليته عن الاخفاقات التي سمحت بمذبحة 7 اكتوبر. لا يوجد هنا ما يدعو الى حبس الانفاس. هذا لن يحدث الا اذا قالت له استطلاعات فنكلشتاين المناوب بان الاعتذار سيساعده بطريقة معينة في الانتخابات (كما ابتلع لعابه وزار اخيرا كيبوتس نير عوز بعد وعوده العبثية لمدة سنة تقريبا). لو انه كانت لديه ذرة نزاهة لكان وافق على الاتفاق ثم قدم استقالته. بالطبع هذا لا يخطر بباله. هناك كتلة ناخبين ستواصل التصويت له وتحميل خصومه المسؤولية عن أي كارثة تحدث هنا، بغض النظر عن الحقائق. انهاء الحرب في غزة، مع التاخير والانجازات المحدودة، سيعتبر فشل، خلافا لانجازات اسرائيل في لبنان وسوريا وايران. ولكن نتنياهو سيواصل تسويق رؤية الصراع الابدي مع الفلسطينيين، اضافة الى بعض الامل في التطبيع مع دول الخليج ووصولا الى الانتخابات القادمة. واذا تمكن ترامب من فرض الصفقة عليه فهذا يعني تفكيك الحكومة والذهاب الى الانتخابات في الربع من العام 2026. بهذا الشكل سيكون احتفظ بالحكم لسنتين ونصف على الاقل بعد الكارثة الافظع في تاريخ الدولة.
الحكومة الانتقالية ايضا قد تقر الاتفاق، وستحظى بدعم شعبي واسع وشبكة امان من بعض احزاب المعارضة في الكنيست. ويتجلى تطلع نتنياهو الى اجراء الانتخابات في تطورين حدثا مؤخرا، وهما غير منفصلين. فقد حرص رئيس الحكومة على اقرار تعيين دافيد زيني كرئيس للشباك مساء أمس. وفي استوديوهات قناته البيتية تصاعد التحريض على العنف ضد منظمي الاحتجاجات في الشوارع بشكل كبير. وسيكون سلوك اللواء (المتقاعد) زيني في جهاز الشباك عشية الانتخابات حاسم من اجل ادارتها بشكل سليم.
لا يوجد له ظهر. شخصية عامة، اعتادت على زيارة العائلات الثكلى من اجل التعزية منذ بداية الحرب، شهدت مؤخرا تحول ملحوظ. في زيارات العائلات التي فقدت اعزاءها في 7 اكتوبر تجلى الغضب من الجيش، وفي احيان كثيرة من الحكومة، بسبب الفشل الذريع الذي مكن حماس من شن الهجوم المفاجيء. بعد ذلك، رغم الالم الكبير، اعرب معظم الاباء والاخوة عن دعمهم الواضح لاهداف الحرب. الامور تغيرت كليا من شهر آذار، عندما افشلت اسرائيل صفقة الرهائن السابقة واستانفت القتال (يصعب تذكر ذلك، لكن نتنياهو ورغبته في استمرار الحرب الخالدة، كان له اعتبار سياسي ملموس وهو عودة ايتمار بن غفير الى الحكومة). في الاشهر الاخيرة ازداد عدد العائلات التي فقدت ابناءها في القتال والتي تطالب بانهاء الحرب بسرعة. كثيرون يقولون بدون مواربة: اعزاؤنا سقطوا عبثا. الاستثناءات الرئيسية هي اعضاء الصهيونية الدينية (الحركة وليس الحزب).
ان هبوط دعم الجمهور لاستمرار الحرب يتناسب الآن مع الموقف الذي يتخذه ترامب. نتنياهو ليس له دعم من اجل شن حرب دائمة. ما يبقيه في الحكم والحرب مشتعلة هو سلسلة المناورات السياسية مع حلفائه، الذين في معظمهم لا يثقون به، بل هي مجرد تقاطع مؤقت في المصالح. رئيس الاركان ايال زمير الذي يعرف الظروف جيدا، يدرك لماذا لا يسارع الى مدينة غزة لتنفيذ أمر الحكومة واستكمال احتلالها بسرعة. في تقدمه بحذر فان زمير وفر ارواح المقاتلين والرهائن. في المقابل لم يخفف الجيش الاسرائيلي من غاراته الجوية التي يقتل فيها عشرات المدنيين الفلسطينيين كل يوم، الى جانب عدد قليل نسبيا من الارهابيين. ولكن بطء وتيرة التحرك قلل حتى الآن خطر حدوث المزيد من التعقيدات مثل وقوع حوادث تجبي خسائر بشرية كبيرة في صفوف الجيش الاسرائيلي أو اختطاف جنود اضافيين. زمير ينتظر ترامب – ونتنياهو الذي يعرف ذلك اختار حتى الآن عدم مواجهته.
في يوم الجمعة سجلت نقطة حضيض جديدة في سنتي الجنون العام عندما تبين ان نتنياهو أمر الجيش بأن يسمع الفلسطينيين خطابه في قاعة فارغة في الجمعية العمومية للامم المتحدة بواسطة مكبرات صوت كبيرة نشرت في القطاع. هذه كانت خطوة دعائية قبل ايام على الانتخابات التي وجهها فقط لمصوتيه. في نهاية المطاف فان عدد من يعرفون اللغة الانجليزية في غزة غير كبير بالضرورة، ومشكوك فيه ان تستطيع مكبرات الصوت اسماع صوته لمسافة بعيدة. عندما تسربت الامور الى وسائل الاعلام كالعادة ثارت ضجة، ومكتب رئيس الحكومة سارع الى التنصل من ذلك. التعليمات، كما قالوا في محيطه، كانت نشر مكبرات الصوت على طول الحدود بدون تعريض حياة الجنود للخطر. عندما اشار اليهم المراسلون بأنه لا يمكن من الحدود سماع أي شيء، ظهرت صيغة جديدة: العملية استهدفت رفع معنويات المخطوفين في الانفاق.
الجيش الاسرائيلي لم يشرح حتى الآن من الذي اصدر أمر وضع مكبرات الصوت في عمق المنطقة، وبدرجة معينة تعريض حياة الجنود للخطر في عملية سياسية. يبدو ان الامر اصدرته قيادة المنطقة الجنوبية، وربما من المستويات المتوسطة هناك. زمير، كما نشر في هذه الاثناء، طلب توجيه خطي من نتنياهو قبل تطبيق ذلك. في الجيش قالوا، دفاعا عن رئيس الاركان، بانه يجب عليه اختيار معركته. الاكثر اهمية هو سد الثغرة ومنع الرهان العبثي على عمليات انقاذ فاشلة او انجازات رمزية اخرى. كل الحدث لم يزد احترام الجيش الاسرائيلي، وبالتاكيد قوض اكثر ثقة الكثير من آباء الجنود بعمليات الجيش. لكن يمكن الشك في زمير بانه ذكي اكثر مما تخيلنا في البداية.