هآرتس: مستشارو نتنياهو ضللوا وسائل الاعلام في خدمته وانتقلوا في نشر دعاية قطرية
هآرتس 23/12/2025، عاموس هرئيل: مستشارو نتنياهو ضللوا وسائل الاعلام في خدمته وانتقلوا في نشر دعاية قطرية
بالتحديد الصراع بين المتهمين والمشتبه فيهم في قضية قطر وقضية “بيلد” يسفر عن سلسلة كشوفات حول سلوك حاشية رئيس الحكومة طوال فترة الحرب. فقد دخل ايلي فلدشتاين، الذي عين في بداية الحرب للحديث باسم بنيامين نتنياهو في الشؤون العسكرية، الى صراع مع شركائه السابقين، المستشار الإعلامي يونتان اوريخ والمستشار للشؤون الخارجية (وشريكه التجاري) يسرائيل اينهورن، والنتيجة هي حرب شاملة من المفروض ان يستفيد منها المواطن الذي يفترض أن يخرج كاسبا منها. تتيح لنا الأطراف المتشددة القاء نظرة على خبايا الأمور. وكما هو متوقع فان المعلومات التي كشفت لا تعزز الثقة في نزاهة سلوك الجهات المركزية في الديمقراطية الإسرائيلية، وفي مقدمتها الاعلام نفسه.
منشورات افيشاي غرينتسايد (آي 24) ورونين برغمان (“يديعوت احرونوت”) وعومري اسنهايم (الذي يعلن عن صداقته مع فلدشتاين واجرى مقابلة معه امس للمرة الأولى في “كان”)، تعرض صورة غير سارة، تدفق المعلومات من قبل المستشارين للمراسلين ومن هناك الى الجمهور الواسع. فيلدشتاين الذي كان في حينه ضابط في هيئة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي جند بعد 7 أكتوبر لهدف واحد – نشر معلومات تضع نتنياهو في صورة معقولة بقدر الإمكان، مع القاء المسؤولية عن الفشل على الجيش والشباك فقط (حتى ان مكتب نتنياهو حاول القاء تكلفة تشغيله على الجيش، وكانه كان يعمل في الاحتياط، المتحدث باسم الاجيش في حينه العميد دانييل هاجري رفض وبحق تمويل من تم استئجاره لمهاجمة هيئة الأركان في صالح جهة سياسية). من مكانه في هذا المكتب ادار فيلدشتاين شبكة فعالة وواسعة من العاملين في وسائل الاعلام الذين كانوا يحصلون منه على معلومات واحاطات ورسائل مختلفة. كانت الاخبار تتدفق بلا انقطاع، لكن مصداقيتها كان مشكوك فيها.
القضية الأكثر اثارة على الاطلاق كانت في بداية أيلول 2024، حيث تم تسريب وثيقة سرية افرج عنها بشكل غير قانوني من شعبة الاستخبارات العسكرية بصيغة محرفة الى صحيفة “بيلد” الألمانية، في محاولة لتهدئة الغضب الشعبي إزاء قتل الرهائن الستة على يد حماس في رفح، وهو الامر الذي كشف عن مدى تاثير مماطلة نتنياهو في المفاوضات على أرواح الرهائن. بعد اعتقال فيلدشتاين كشف بار بيلغ في صحيفة “هآرتس” عن صلة قطر بالموضوع، حيث شاركت شركة اينهورن واوريخ في حملة علاقات عامة لتلميع صورة قطر قبل كاس العام 2022، واستمرت هذه الصلة خلال الحرب. لقد انضم فيلدشتاين بعد ذلك الى هذه الحملة وبدأ يسوق بقوة رسائل تهدف الى تبييض صورة مساعدات قطر لحماس عشية المذبحة. بهذه الطريقة تم تقديم قطر كوسيط فعال وله نوايا حسنة في المفاوضات بشان الرهائن، بينما تم تشويه سمعة مصر كما لو أنها كانت تشكل تهديد امني لإسرائيل، وكأن هدفها الوحيد هو افشال الصفقة.
من تبادل الرسائل الذي نشره غرينتسايغ تتضح شكوك واضحة بشان أن الصديقين فيلدشتاين (في الجبهة) واينهورن (وراء الكواليس) قد اختلقا ببساطة اقتباسات واحداث لم تكن موجودة خدمة لدعاية قطر. الامر المثير للدهشة في هذه القصة هو سهولة تسويق هذه الرسائل المشكوك فيها لتبث في وقت الذروة، بدون ان يكلف المراسلون انفسهم عناء التحقق من المعلومات من مصادر أخرى، وبدون مراقبة رؤساء التحرير على ما ينتجونه. يقوم المستشارين بتلفيق الاقتباسات والتحليلات لصالح القطريين، وتسارع وسائل الاعلام (جزئيا) الى النشر خشية ان تسبقها القنوات الأخرى في الثامنة مساء. حتى الان لم نسمع أي مراسل أو أي وسيلة اعلام تقريبا ممن جاء ذكرهم في تقرير الذي نشر في “آي24” وهو يشرح كيف حدث ذلك، او الإعلان عن تقرير هدفه معرفة عدد القضايا الأخرى التي ضللوه فيها.
السهولة التي نجحت فيها صناعة التضليل القطرية في إيصال رسائلها الى الجمهور الإسرائيلي هي امر مثير للدهشة. مع ذلك تظهر أسئلة أخرى. أولا، صحيح ان نتنياهو صرح بان قطر “دولة معقدة” وليست دولة معادية، لكن ما مدى خطورة احتمالية ان تكون الدوحة قد نجحت في تجنيد مروجين مدفوعي الاجر في محيط عمله المباشر؟ واذا لم يجد هؤلاء المستشارون غضاضة في ترويج هذه الأكاذيب لوسائل الاعلام خدمة لقطر، فماذا فعلوا لنتنياهو خلال سنوات الحرب؟.
ليس صدفة أن المرشح البارز في صفوف المعارضة نفتالي بينيت قد هاجم نتنياهو امس في قضية قطر والمستشارين. بينيت يعرف ان هذه نقطة ضعف لدى رئيس الحكومة، الذي يجد صعوبة في تبرير سلوك مستشاريه وصمته تجاههم حتى لبعض ناخبيه. لا شك ان بينيت يتساءل أيضا عن سبب تصاعد قضية اختراق حسابه في التلغرام واستخراج معلومات منه من قبل مجموعة من القراصنة الإيرانيين، بشكل يذكرنا بشكل لافت بقضية العام 2019: اختراق هاتف بني غانتس، الذي كان في حينه مرشح بارز في الحملة الانتخابية.
عودة الى أوسلو
بصورة رمزية بدرجة ما، نشرت التقارير في قضية فيلدشتاين وشركاءه في الوقت الذي أولى فيه نتنياهو معظم اهتمامه للدفع قدما بموضوع حاسم بالنسبة له – احباط مهمة التحقيق في قضية المذبحة في 7 أكتوبر. امس عقد رئيس الحكومة اجتماع للطاقم الوزاري الذي من شأنه تحديد صلاحيات لجنة التحقيق السياسية. مشكوك فيه اذا كانت هذه المناورة ستجتاز المحكمة العليا، ولكن في هذه الاثناء نتنياهو يكسب وقت ثمين: كلما طال الخلاف حول هذه القضية، وبداية الفحص تاخرت، فانه سيضمن انه قبل الموعد المخطط للانتخابات في تشرين الأول 2026 لن ينشر حتى تقرير مؤقت في القضية.
بغض النظر عن نية نتنياهو تجاهل إرادة اغلبية الشعب بشأن تشكيل لجنة تحقيق رسمية مستقلة، فقد حرص امس على توضيح ان صلاحيات اللجنة ستشمل أيضا اتفاق أوسلو، الانفصال و”رفض التجند في فترة الإصلاح القانوني”. أيضا وعد نتنياهو بان هذه الكشوفات ستدهش المواطنين وستظهر مدى براءته من أي مسؤولية أو ذنب عن هذا التقصير. يمكن ان نفهم لماذا هو متحمس جدا لمنع التحقيق. فمسؤولية الجيش وجهاز الشباك عن المذبحة واضحة، وقد نشرت معظم المعلومات المتعلقة بهذه القضية، واجبر معظم المتورطين على الاستقالة، لم يدفع احد من المستوى السياسي الثمن، وسيجد نتنياهو صعوبة كبيرة في تبرير ليس فقط سياسة الاحتواء التي اتبعها لسنوات في غزة، بل أيضا الدعم الممنهج لحماس على حساب السلطة الفلسطينية وتشجيع قطر على تمويل حكمها في القطاع.
رئيس الحكومة يدعي، بثقة راسخة، ان الطريقة التي يقترحها هي وحدها الكفيلة بالوصول الى الحقيقة. وكل من لا يزال يصدقه مدعو لتذكر تقلباته المذهلة بشأن فيلدشتاين قبل سنة تقريبا. في البداية قالت حاشيته وبصورة كاذبة ان فيلدشتاين لم يعمل ابدا لديه. وبعد ذلك عندما ثارت المخاوف من ان يتم استدعاء فيلدشتاين كشاهد دولة سارع نتنياهو الى تصوير فيديو وصف فيه المتحدث الشاب بأنه صهيوني وطني، الذي هو يعرفه جيدا. وأخيرا عندما انشق فيلدشتاين عن المعسكر وتصادم علنا مع اوريخ واينهورن استبدل التعاطف معه بقطيعة تامة.



