هآرتس: لم يتحقق نصر مطلق على حماس، لكن نهاية الحرب حيوية لإسرائيل أيضا

هآرتس 13/10/2025، عاموس هرئيل: لم يتحقق نصر مطلق على حماس، لكن نهاية الحرب حيوية لإسرائيل أيضا
على عتبة التحرير المتأخر للعشرين مخطوف الاحياء، اليمين يصمم على تكرار أخطاء الماضي فيما يتعلق بقطاع غزة. في نهاية كل جولة قتال مع حماس، في الأعوام 2014 – 2021، من ابرزها عملية الجرف الصامد وحارس الاسوار، ادعت حكومات الليكود والجيش الإسرائيلي ان إسرائيل كانت هي المنتصرة وان حماس قد خرجت من المواجهة مردوعة ومتعبة وضعيفة. الحقيقة كانت بعيدة عن ذلك، وقد تم كشف ذلك في عيد نزول التوراة قبل سنتين في الهجوم الإرهابي في 7 أكتوبر.
لقد تبين ان حماس لم تتفاجأ من نتائج الجولات السابقة – لقد كانت قريبة اكثر من التعادل السلبي، لكنها استنتجت من ذلك بأنه يمكنها تحقيق المزيد. بعد عملية حارس الاسوار، حيث تفاخر الجيش الإسرائيلي بالقصف العبثي للميترو – شبكة انفاق قيادة المنظمة الفلسطينية، توصلوا في غزة الى استنتاج انه يمكن رفع الاستعداد الى درجة هجوم شامل، يؤدي الى هزيمة فرقة غزة واحتلال الغلاف. الرهان نجح وبعد ذلك فشل. حماس اقتحمت الغلاف باعداد كبيرة وهزمت القوة المدافعة، في الطريق لارتكاب مذبحة فظيعة في البلدات. ولكن الثمن الذي دفعته غزة بعد ذلك كان باهظا – تدمير ممنهج لمعظم المناطق الماهولة في القطاع على يد الجيش الإسرائيلي، قتل معظم قادة حماس الكبار وقتل غير مسبوق – حوالي 67 الف شخص، حسب تقدير إسرائيل 20 ألف شخص من أعضاء حماس. في الأيام القادمة يتوقع الكشف عن جثث كثيرة تحت الأنقاض.
الان يكرر من يؤيدون رئيس بنيامين نتنياهو نفس الخطأ. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض على الطرفين وقف اطلاق النار وصفقة التبادل، عندما يئس من مناورات التاخير لنتنياهو وشعر أن مواصلة القتال لفترة زمنية طويلة ستعرض للخطر المصالح الامريكية في المنطقة. الحرب كما يبدو انتهت، لكن من هنا لا يجب الاستنتاج بان إسرائيل حققت النصر المطلق على حماس. فحماس، مثل إسرائيل، وصلت الى نقطة لم يكن بالإمكان فيها الاستمرار في اغضاب الأمريكيين، كما ان كل دول الحماية له في المنطقة (قطر، مصر ومؤخرا تركيا) ضغطت عليه من اجل انهاء الحرب.
حماس ربطت استعدادها لاطلاق سراح جميع المخطوفين وجثامين الإسرائيليين، حتى لو لم يكن مقابل الانسحاب الفوري والكامل لقوات الجيش من القطاع، باعطاء ضمانات أمريكية. هذا ما حصلت عليه في الأسبوع الماضي بتعهد شخصي من الرئيس ترامب. من يعتقد ان هذه مجرد وعود فارغة سيخيب امله. اذا صممت حماس على استئناف الاحتكاك العنيف مع الجيش الإسرائيلي والعودة بسرعة الى بناء قوتها العسكرية وافشال نشر القوة متعددة الجنسيات في غزة، فسوف يعطى كما يبدو ضوء اخضر من واشنطن لإسرائيل لاستئناف الحرب. ولكن على اقل من ذلك من المرجح ان يضغط الامريكيون على نتنياهو بان يضبط نفسه، لا سيما اذا نجحوا في اقناع الدول العربية والإسلامية بارسال رجالها الى المنطقة.
اتباع نتنياهو يبذلون جهود يائسة لتجاهل جزء كبير مما يحدث في الفترة الأخيرة. يجدر الانتباه الى ما يوجد وما لا يوجد في الاتفاق الحالي. اليمين المسيحاني ونصف أعضاء الكنيست من الليكود رددوا في السنة الأخيرة بحماسة الحلم الذي لا أساس له (غير الأخلاقي)، طرد جماعي من غزة وإعادة استيطان إسرائيلي. هذا لا يحدث. وزراء ومراسلون تحدثوا عن حكم عسكري في القطاع – أيضا هذا لا يحدث. تدمير حماس؟ القوة العسكرية لهذه المنظمة تضررت بشدة، والتهديد على الجبهة الداخلية الإسرائيلية انخفض، لكن رجال حماس يستعرضون في الأيام الأخيرة حضور مسلح في ارجاء القطاع. من المرجح انه في القريب ستبدأ جهود منهجية للمس بعائلات محلية تعاونت مع إسرائيل. في نهاية الأسبوع الماضي قامت حماس بإعدام 15 شخص من أبناء عائلة دغمش. ومشكوك فيه ان تستطيع حماس أو انها تريد في هذه الاثناء استعادة السيطرة على القطاع، لكنها يمكن ان تكون الجهة التي ستزعج البديل في التطور. ما زلنا نذكر كيف يتم فرض الرعب هناك.
الامر لا ينتهي هنا. فعلى الطاولة توجد أموال كثيرة وطموحات كثيرة. يبدو ان ترامب الذي سيواصل طريقه اليوم الى مؤتمر إقليمي في شرم الشيخ يسعى الى ان يطرح من جديد اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، إضافة الى اطلاق مشاريع ضخمة لانشاء بنى تحتية وتكنولوجية وسلاح، التي ستفيد الولايات المتحدة وعائلة ترامب. ولكن من اجل ان تتجنب السعودية ذلك فانه مطلوب كما يبدو رسم خريطة طريق مبدئية في الساحة الفلسطينية تشمل إعطاء دور للسلطة الفلسطينية. الان السلطة مشاركة من وراء الكواليس في المصادقة على هوية الأعضاء في مجلس التكنوقراط الذي سيدير القطاع. في الخلفية يظهر تدخل متزايد لمصر وتركيا وقطر فيما يحدث. في حين ان مبادرة السعودية – فرنسا للاعتراف بالدولة الفلسطينية وفرت الدعم لخطوات ترامب.
نتنياهو يؤكد، الى جانب تحرير كل المخطوفين الاحياء، على بقاء الجيش الإسرائيلي على طول الخط الأصفر في الخرائط، والسيطرة على 53 في المئة من أراضي القطاع. الوزير بتسلئيل سموتريتش الذي يبحث عن ذرائع لمواصلة البقاء في الحكومة، صوت ضد الاتفاق، وقال امس بانه سيبقى من اجل الرقابة على نزع سلاح حماس. هذه رواية يتم بيعها للقاعدة. فعليا، الامريكيون من شانهم ان يضغطوا على إسرائيل لتواصل الانسحاب حتى قبل إعادة كل الجثث. مكان وجود عدد من الجثث غير معروف، ويبدو ان هناك اغراء لحماس لاخفاء حقائق ومواصلة استخدام الجثث كورقة مساومة في وقت تطبيق الاتفاق. احتمالية نزع سلاح حماس مشكوك فيها – في المقابل، بقيت في الاتفاق عناصر لتحويل النزاع الى نزاع دولي، التي لم تتم مناقشتها عندما وضعت على الاجندة خطط مصالحة سابقة منذ انهيار صفقة المخطوفين الأولى في كانون الأول 2023. بكلمات أخرى، ليس فقط انه ضاعت فرصة استكمال الصفقة في الماضي، بل ربما حينئذ الشروط كانت افضل لإسرائيل. في هذه الفترة قتل عشرات المخطوفين المحتجزين لدى حماس، وقتل في المعارك مئات جنود الجيش الإسرائيلي وأصيب الالاف. حقيقة ان حماس واصلت احتجاز المخطوفين في الانفاق في هذه الفترة، مكنتها من الحفاظ على جزء كبير من نقاطها الاستراتيجية في مدينة غزة وفي مخيمت الوسط، لان إسرائيل قللت نسبيا القصف هناك.
ان مشاهد مئات الاف الغزيين الذين يعودون الآن الى مدينتهم المدمرة، في اعقاب وقف اطلاق النار، يتم عرضها كانتصار للصمود، التمسك الفلسطيني الشعبي بالأرض. هذه اصبع في عين طموحات سموتريتش وامثاله للتطهير العرقي في القطاع. لكن مع هذا الإنجاز المعنوي لا يمكن الذهاب الى البقالة. السؤال الحاسم هو هل ستتدفق الى القطاع مليارات الدولارات الموعودة لمشاريع إعادة الاعمار – الامر يتعلق بتشكيل سريع للقوة متعددة الجنسيات.
الخطوة الحاسمة التي أدت الى انهاء الحرب، التي كتب عنها في السابق، هي قرار ترامب فرض الاتفاق على الطرفين في اعقاب الهجوم الإسرائيلي الفاشل في قطر. وقد ساهم في ذلك أيضا الضغط العسكري الإسرائيلي. يبدو ان قيادة حماس في غزة ارادت انهاء الحرب وهي على قيد الحياة، ولم تتمكن من تجاهل الى الابد معاناة الغزيين الموجودين خارج الانفاق.
في بداية الحرب نشرت مقابلة سئل فيها موسى أبو مرزوق، من كبار قادة حماس الخارج، لماذا لا تفتح حماس الانفاق في غزة امام الجمهور من اجل حمايتهم. أبو مرزوق راوغ وتملص، لكنه لم يتعلم الدرس. في نهاية الأسبوع الماضي اجرى مقابلة مع قناة مصرية، وسئل فيها هل المذبحة أدت الى تحرير الشعب الفلسطيني. وقد غادر الاستوديو بغضب احتجاجا على هذا السؤال. حماس أيضا لا يمكنها الاحتفال هنا بالانتصار. الفلسطينيون في غزة كانت هذه بالنسبة لهم بالتأكيد كارثة كبيرة ونكبة ثانية.
اظهار الضعف
مع ذلك، الاتفاق لم يكن فقط امر واجب بسبب الأمريكيين، بل ضرورة من ناحية إسرائيل. الحرب كان يجب أن تنتهي. المجتمع الإسرائيلي متعب ومنقسم. هذه ليست أمور كان يمكن التغلب عليها خلال سنة صاخبة التي في نهايتها يتوقع اجراء انتخابات. ولكن على الأقل سيلتئم الجرح عند إعادة الـ 48 مخطوف من القطاع.
مثير للاهتمام أي انطباع تركته حقا الزيارة هنا لليهود الأمريكيين الثلاثة مبعوثي ترامب، ستيف ويتكوف وجارد كوشنر وزوجته المتهودة ايفنكا ترامب. معظم الانتباه كرس لخطاباتهم في منتهى السبت في ميدان المخطوفين، وهتافات الاحتقار العالية للجمهور عندما تجرأ ويتكوف على شكر نتنياهو. ولكن الرجلين تمكنا من المشاركة في جلسة الحكومة التي تمت مناقشة الصفقة فيها. بالتحديد بالنسبة للوطني الفخور نتنياهو فان إسرائيل تتصرف كدولة رعاية للولايات المتحدة: في زيارة بايدن في بداية الحرب، ودعوة مبعوثيه للمصادقة على خطة الجيش الإسرائيلي عشية العملية البرية في القطاع – والآن التصويت على الصفقة بحضور مبعوثي ترامب.
أجزاء من الزيارة الحالية ظهرت وكانها قصة خيالية عن رحلة قام بها مسؤولون في الحكومة الروسية لبلدة يهودية في مقاطعة نائية وفقيرة في عهد القيصر. وقد ورد بالفعل من الجلسة ان ايتمار بن غفير، الذي صوت ضد الصفقة (مع ذلك مثل سموتريتش لا ينوي الاستقالة)، سأل الاثنان اذا كانا سيعقدان مصالحة مع هتلر. لغة وزير الامن القومي الإنجليزية كانت ركيكة جدا، الى درجة انه تم تجنيد الوزير رون ديرمر من اجل الترجمة. ووزير الاقتصاد نير بركات قال في الجلسة ان الصفقة ستتيح فرصة لاعادة بناء الاقتصاد، واعرب عن امل ساذج بدرجة معينة، وقال ان هناك إمكانية لتقليل الكراهية وإعادة بعض الأشخاص الذين كانوا غاضبين منا اثناء الحرب.
مشكوك فيه ان يكون نتنياهو قد استمع. عندما تحدث رئيس الوزراء ذكر ليس اقل من سبع جبهات ما زالت إسرائيل تخوض الصراع معها، والثامنة هي الجبهة الداخلية. وكان لنائب الوزير الموغ كوهين أيضا اسهام في النقاش، وقد اعرب عن اسفه لغياب رئيس الشباك الجديد دافيد زيني عن الجلسة وقال ان مهمته الأساسية الان ستكون مكافحة الاحتجاجات. كوهين يعتقد ان الشباك والشرطة بحاجة الى حزم اكبر في الشوارع، حسب تعبيره. واشتكى قائلا “زملائي من ضباط الشرطة يتم تكبيلهم”.
تفسير التصفيق للخطباء الأمريكيين في ميدان المخطوفين مقابل احتقار نتنياهو عندما ذكر اسمه، هو امر مبرر. الحديث هنا لا يدور فقط عن كراهية سياسية عمياء. غضب عائلات المخطوفين والكثير من النشطاء يرتبط بسلوك نتنياهو، عائلته ومحيطه، طوال الوقت. نتنياهو في الواقع حرص على وضع شارة المخطوفين الصفراء على بدلته، لكنه بالفعل اظهر عدم الاهتمام والشفقة تجاه العائلات التي لم تكن متماهية معه سياسيا. ويتكوف والزوجين كوشنر عرفوا كيفية التعبير عن التماهي والشفقة. لا يوجد أي سبب لتوقع من العائلات تغيير نظرتها من نتنياهو، في الوقت الذي فيه يفرض عليه ترامب في النهاية الاتفاق. ومن يرفض تحمل اقل قدر من المسؤولية عن الكارثة الضخمة التي حدثت في عهده، لا يمكنه المطالبة الآن بالهتافات على إنجازه.
ما يجب ان يقلق قليلا نتنياهو هو الطريقة التي سيتم استقبال فيها هذا الحدث في واشنطن. في وسائل الاعلام الامريكية يكررون الادعاء الذي بحسبه الإسرائيليون ليسوا هم حكومتهم، نصفهم على الأقل يتحفظون منها. السؤال هو هل ترامب الذي يصف نفسه بانه يكره الخاسرين، سيعتبر هذا الحدث مظهر لضعف نتنياهو أو انه سيعانقه في الكنيست في الغد. في كل الحالات، قبل لحظة من عودة المخطوفين، الاحتقار في الميدان ظهر في هذه الاثناء كنقطة تأسيس قبل سنة الانتخابات.