ترجمات عبرية

هآرتس: لم تكن في أي يوم دولة فلسطينية، وأيضا لم تكن دولة يهودية

هآرتس 17/10/2025، سامي شالوم شتريت: لم تكن في أي يوم دولة فلسطينية، وأيضا لم تكن دولة يهودية

بعد انتهاء الحرب والقتل فان الفرح بسبب تحرير المخطوفين الاحياء وتوقع عودة كل الشهداء، فانه شيئا فشيئا ستهدأ الأمور وسنغرق مرة أخرى في العجز بدون أي حلم منطقي للمستقبل المنظور. هذا هو الوقت المناسب للقول مرة أخرى: الدولة الفلسطينية جيدة لإسرائيل.

مؤخرا تبين ان كل إسرائيلي يعتبر نفسه مخلصا للدولة، من اليمين واليسار، يعارض بشدة إقامة الدولة الفلسطينية الى جانب إسرائيل – وهي النتيجة التي كان من شأن اتفاقات أوسلو أن تؤدي اليها، وخلال عشرات السنين شكلت الأساس لتفاهمات دولية والامل باتفاق سياسي. حتى ان رؤساء المعارضة، الذين في وقت آخر كانوا ناطقين رسميين متحمسين لفكرة الدولتين، يسارعون الى ادانة أي تلميح لذلك. يبدو أن هذه الكلمات، “دولة فلسطينية”، أصبحت طابو وطني، رمز للخيانة أو السذاجة، وهذا يتعلق بمن نسأل.

لكن بالتحديد في هذه الاثناء، بعد عقود من الاحتلال والاستيطان والإرهاب الفلسطيني الفظيع والإرهاب اليهودي برعاية الدولة، والكثير من الياس المتبادل، ما زال الحل الأفضل والأكثر عدالة واستقرار ليس استمرار الفصل أو السيطرة، بل اتفاق جديد لحياة مشتركة بين البحر والنهر، اطار مشترك لدولتين ديمقراطيتين، إسرائيل وفلسطين، تعيشان الى جانب بعضهما بشراكة امنية واقتصادية.

هذا النموذج معروف، وكانت هناك اتفاقات للدفع به قدما. أنا اريد في هذا المقال ان اتناول الادعاء السائد في الخطاب الإسرائيلي: “لا يوجد للفلسطينيين حق في دولة، لانه لم تكن في أي يوم دولة فلسطينية في ارض إسرائيل (أو فلسطين أو كنعان). هذا الادعاء يبدو منطقيا في اللحظة الأولى، لكن فعليا هو يستند الى الدمج بين الاخلاق والتاريخ، بين الواقع السياسي الاني وبين بنية حاكمة عمرها الاف السنين.

اذا استعرضنا تاريخ هذه البلاد فسنكتشف تسلسل من الامبراطوريات والمحتلين: مصر القديمة، آشور وبابل، بلاد فارس، اليونان، روما، بيزنطة، الخلفاء المسلمون، الصليبيون، المماليك، العثمانيون والبريطانيون. خلال ذلك كانت فترات لا باس بها من الحكم العبري المحلي: المملكة الموحدة لشاؤول، دافيد وشلومو (تقريبا من العام 930 الى العام 1000 ق.م)، مملكة إسرائيل ومملكة يهودا المنفصلتان والمتنازعتان (من 586 الى 930 ق.م)، وبعد ذلك مملكة الحشمونائيم (من العام 63 الى العام 167 ق.م).

من المهم الفهم بأن هذه كانت ممالك قبلية أو إقليمية وليس “دولة يهودية” بالمعنى الديني أو القومي الحديث. اليهودية نفسها كديانة ولدت بعد خراب الهيكل الثاني (70م). وبالصورة المعروفة لنا كدين مع التعليم الذي جلبه لنا المشنيه والتلمود، الفلسفة اليهودية حسب نموذج الرامبام، الحاخام موشيه بن ميمون، موشيه بن عزرا، يهودا هليفي وحاخامات آخرين، وشعائر الصلاة والمجتمع والدعم المتبادل، هذه اليهودية تشكلت بالتحديد في الشتات، في بابل في الشرق الأوسط، في شمال افريقيا، في اسبانيا، في بروفنس وفي وقت لاحق في أوروبا أيضا.

لذلك فان المفارقة التاريخية هي ان إسرائيل هي الدولة اليهودية الأولى في التاريخ، لان “اليهودية” نفسها نمت فقط بعد ان فقدت السيطرة السياسية في البلاد. مع ذلك، هذه ليست دولة يهودية بقوانينها وادارتها، لان من قاموا بتاسيسها اختاروا الديمقراطية التي أساسها سلطة القانون (التي تقوضت في الفترة الأخيرة). بالطبع، علاقة اليهود بهذه الممالك القديمة تم الحفاظ عليها وتطويرها خلال 2000 سنة، بالصلاة، الأعياد وكتابات كثيرة، لا احد يمكنه انكار ذلك.

بهذا المعنى أيضا ادعاء أنه “لم تكن هناك دولة فلسطينية”، يفقد الصلاحية: تقريبا لم يكن هناك أي كيان قومي في المنطقة موجود على صورته الحالية قبل 100 سنة، سواء الأردن، سوريا، لبنان، مصر وإسرائيل أيضا. القومية الحديثة، اليهودية والفلسطينية على حد سواء، هي وليدة القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وليدة حركات تحرر، وليدة عهد الكولونيالية وتفكك الامبريالية.

ادعاء أنه “لم تكن توجد دولة فلسطينية” يتجاهل السؤال الحقيقي: هل يوجد شعب فلسطيني الآن؟ الجواب واضح لكل من لا يحركه الانكار الأيديولوجي: نعم، يوجد شعب فلسطيني. في الواقع هو شعب فتي مقارنة مع الشعب اليهودي القديم ابن الـ 100 سنة واكثر. ولكنه شعب توجد له لغة، ثقافة، هوية، تاريخ، أدب، فن، فولكلور، عادات، كوارث، ذاكرة وتضامن مشتركين.

هذا الشعب الذي ابناءه وبناته ولدوا هنا واختاروا العيش هنا واحفادهم ولدوا ويولدون هنا، يعيشون هنا ويدفنون هنا. هذا الى جانب شتات واسع، القسم الأكبر يعيش في مخيمات لاجئين في الضفة الغربية، غزة، الأردن، سوريا ولبنان، والقسم الأصغر في الغرب مثلما عرفنا في السنتين الأخيرتين. وهذا الشعب يتطلع الى الحرية بنفس القوة التي يتطلع فيها شعب إسرائيل طوال أجيال من الشتات. هذا أيضا لا يمكن انكاره بدون ان يبدو الامر سخيفا.

إضافة الى ذلك أيضا في الفترات التي حكم فيها محتلون أجانب فان السكان المحليين، مسلمين ومسيحيين ويهود، كانوا التواصل الإنساني في هذه البلاد طوال آلاف السنين. الامبراطوريات جاءت وذهبت، لكن سكان البلاد بقوا (بعضهم ترك البلاد وبعضهم انتقل اليها خلال هذه الأجيال)، قاموا بحراثة نفس الأرض ورعاية نفس أشجار الزيتون واشجار الخروب ودفنوا في نفس الجبال ونفس السهول. لذلك، القول بانه “لم تكن هناك دولة فلسطينية” هو مثل القول بأن “الشعب الفلسطيني غير موجود”، من هنا فانه لا توجد له حقوق. هذا شعار سياسي وبلاغي يتم طرحه كحقيقة تاريخية، في حين ان كل هدفه هو حرمان الفلسطينيين من حق تاريخي واخلاقي.

الحق في دولة ليس جائزة على ماض سيادي، بل هو تعبير عن مبدأ أخلاقي عالمي: حق الشعوب في تقرير المصير. مصادرة هذا الحق، كعقاب لان زعماء في فترات معينة “لم يفوتوا أي فرصة لتفويت الفرص” مثلما في تشرين الثاني 1947، ما زالت لا تبرر مصادرة هذا الحق اليوم من الشعب نفسه. هذا هو نفس الحق الذي بحسبه أقيمت دولة إسرائيل مع ارتباط قوي جدا.

العالم لم يعترف بالدولة اليهودية لانه قبل ثلاثة آلاف سنة قامت هنا مملكة داود وسليمان الفاخرة، بل لانه يوجد شعب يهودي حديث، له صلة تاريخية وثقافية بهذه البلاد، ومر بابادة شاملة تقريبا في أوروبا. اليوم نفس العالم يعترف أيضا بحق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة الى جانب إسرائيل. بالتدريج وعلى مراحل مع ضمانات دولية، والعالم مستعد لذلك باستثناء الولايات المتحدة، حتى الآن.

كيف يرتبط كل ذلك بحماس؟ حماس هي فرع مهم في حركة الاخوان المسلمين (مصر، قطر وتركيا)، التي لا تنشغل بالطموحات الوطنية الفلسطينية، بل بالطموح الاسمى لخلق فضاء إسلامي  سني في كل الشرق الأوسط، مع نظام موحد حسب قوانين الشريعة. المعارضون تتم تصفيتهم. إضافة الى ذلك حماس تركب على ظهر القومية الفلسطينية وتستغلها من اجل تقريب اليها مؤمنين جدد. لذلك فان أعداء حماس الكبار، باستثناء إسرائيل والسلطة الفلسطينية، هي دول عربية وإسلامية “علمانية”، التي تخشى على مصيرها.

كلما شاهدنا اعلام فلسطين اكثر في شوارع العالم العربي، وبالاساس في قطاع غزة، نعرف ان حماس تفقد نفوذها. كل شخص، فلسطيني أو غير فلسطيني، يؤيد حماس والدولة الفلسطينية أيضا، لا يعرف حقا هذا التعقيد. حماس تركز فقط على هدف واحد وهو تطهير البلاد من المسلمين غير السنة، مثلما هو الامر عندنا أيضا. للأسف، حركة “الاخوان اليهود” وضعت نصب عينيها تطهير البلاد من المسلمين كشرط للخلاص المسيحاني (المسيحيون الافنغلستيون يحبونهم).

المشكلة ليست فيما اذا كانت هناك دولة فلسطينية في الماضي، بل هل الإسرائيليون والفلسطينيون مستعدون لتقاسم مستقبل مشترك، الذي فيه يوجد للشعبين أمن، حرية، كرامة وهوية قومية. كل من يحاول تأسيس مصادرة أخلاقية على تسلسل تاريخي ومفارقة تاريخية ينسى ان المستقبل بني على الاعتراف المتبادل، وليس على الانكار المتبادل. لقد رأينا كيف خضع الحاكم نتنياهو لاملاءات قيصر الإمبراطورية. وهذا ما سيحدث أيضا فيما يتعلق بالتوصل الى تسوية دائمة مع دولة فلسطينية. لا يمكن لإسرائيل ان تستمر بدون الدعم الأمريكي. لن يكفي وقف اطلاق النار في غزة لمنح دونالد ترامب جائزة نوبل للسلام. توجد لإسرائيل فرصة لقيادة العملية ونتائجها. ان تعاقب القادة المتنازعين على العرش سيعيد الامبراطور الى هنا مرة أخرى، الذي اثبت في هذا الأسبوع بانه في السراء والضراء هو الذي يقود العالم الآن.

من المؤسف انه لا يوجد الآن أي زعيم واحد في الساحة السياسية في إسرائيل يستطيع التسامي على الواقع، وأن يضع هدف لمستقبل لا مناص منه: دولة فلسطينية الى جانب إسرائيل في اطار كونفيدرالية مشتركة لادارة الاقتصاد والحفاظ على الامن. كل ما يطرحه الزعماء الحاليون هو فقط تأجيل مستمر ودموي، الذي لا نرى نهايته. مطلوب زعيم لديه رؤيا واضحة وشجاعة سياسية.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى