هآرتس: قضية هذا الأسبوع تخدم رئيس الحكومة في حربه الشخصية

هآرتس 18/4/2025، عاموس هرئيل: قضية هذا الأسبوع تخدم رئيس الحكومة في حربه الشخصية
خطاب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ومؤيديه ضد الدولة العميقة المتخيلة، تصاعد في الأسابيع الأخيرة، لكن عمليا لم تسجل للحكومة أي إنجازات حقيقية. أعضاء الائتلاف انتقلوا من عملية الانقضاض من اجل الاقالات في كل الجبهات الى تكتيك تجفيف حراس العتبة على أمل أن يستسلموا للضغط وأن يغادروا بارادتهم. محاولة احباط تسلم اسحق عميت منصب رئيس المحكمة العليا فشلت. أيضا جهود اقالة المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ميارا، ورئيس الشباك، رونين بار، تواجهها صعوبات.
نتنياهو، كبديل، يتجاهلهم ويقاطعهم. عندما وزير العدل ياريف لفين جلس على بعد بضعة كراسي عن عميت في احتفال رسمي ورفض تبادل أي كلمة معه، فانه يحرج بالأساس نفسه. ولكن عندما امتنع نتنياهو منذ أسبوعين عن استدعاء ممثلي الشباك الى معظم الجلسات الهامة فان ذلك تسبب بضرر أمني مباشر.
إن السلوك الموضوعي والمهني لرئيس المحكمة العليا عميت في جلسة مناقشة الالتماسات التي قدمت للمحكمة العليا ضد اقالة بار، أوضح لماذا لم يرغب به لفين ونتنياهو لتولي هذا المنصب. في الأسبوع القادم ستنتهي الفترة التي حددها القضاة للحكومة والمستشارة القانونية للحكومة من اجل بلورة حل وسط فيما يتعلق بإقالة رئيس الشباك. مع الافتراض المعقول أنه لن يتم التوصل الى اتفاق، وعلى أمل أن بار لن ينكسر (هو يعمل تحت ضغط كبير)، فان الحكومة ستضطر الى البحث عن قناة عمل بديلة. المعنى سيكون كما يبدو عقد لجنة غرونس لتعيين الشخصيات الرفيعة في عملية اقالة من شأنها أن تستمر لاشهر.
أيضا محاولة اقالة المستشارة القانونية للحكومة تظهر في هذه الاثناء كعملية لا فرصة نجاح لها، التي هدفها الأساسي هو حرف الانتباه. ولكن هذه الطريقة واضحة وهي لن تقتصر على الأعداء الثلاثة المعلنين الذين شخصتهم الحكومة. نتنياهو يعمل على تجاوز واضعاف حراس العتبة. الحملة الممنهجة في الشبكات الاجتماعية ضد بار، مع التطاول الجامح للمتحدثين باسم الحكومة هو جزء من الخطة.
رئيس الحكومة، رغم نجاحه في تثبيت الائتلاف وتمرير الميزانية، يظهر مؤخرا مضغوط وقلق. هذا يتعلق بالتوبيخ الذي تلقاه في بداية الشهر في البيت الأبيض، وتعقد الحرب في غزة، ولكن أيضا يتعلق بالعقبات القادمة التي تعرض للخطر بقاءه الشخصي والسياسي: القضية القطرية التي تواصل التدحرج، والبداية المخطط لها لمرحلة التحقيق المضاد في محاكمته وأزمة قانون التجنيد. كالعادة، نتنياهو يفضل التركيز على الخلافات على الانقلاب النظامي وعلى نظرية مؤامرة وهمية، بدلا من انشغال وسائل الاعلام والجمهور بالاقتصاد المنهار والعبء غير المحتمل لرجال الاحتياط والتفريط المتواصل بالمخطوفين. كل خطواته، بالتأكيد في جبهة الحرب، مرتبطة بجهود بقائه. من الجهة الأخرى، المعارضة تقريبا غير موجودة والاحتجاج يجد صعوبة في مراكمة الزخم الكافي.
في العام 2020، في جلسة مناقشة الالتماسات ضد تكليف رئيس حكومة متهم بتشكيل الحكومة (حتى في ذلك الوقت) نتنياهو، قالت رئيسة المحكمة العليا، القاضية استر حيوت، بأن “الحصن لم يسقط”. ولكن في الخمس سنوات التي مرت منذ ذلك الحين فان المزيد من الجهات الرسمية تتعرض للافساد. الحلف غير المقدس الذي عقده نتنياهو في نهاية 2022 مع الكهانيين من اجل تشكيل حكومة جديدة والعودة الى الحكم، حدد بداية السقوط. الشرطة ومصلحة السجون، التي يسيطر عليها الوزير ايتمار بن غفير، توفر المثال البارز ولكن ليس الوحيد. في المستقبل نحن سنشاهد توجهات مشابهة أيضا في الجيش الإسرائيلي.
في هذا الأسبوع ثارت عاصفة عندما اعتقل الشباك أ.، وهو رجل احتياط في الجهاز، بتهمة أنه سرب وثائق سرية للوزير عميحاي شيكلي والمراسلين عميت سيغال وشيريت افيتان – كوهين. النبأ الذي نشره سيغل استنادا الى هذه الوثائق تناول فحص الشباك لنشاطات كهانية في الشرطة وفي مصلحة السجون. مناقشة هذا الامر ليست نظرية. فعاصفة إعلامية سابقة تناولت تسجيلات لرئيس القسم اليهودي في الجهاز، ومحادثات مع قائد الوحدة المركزية في شرطة لواء شاي (يهودا والسامرة)، العقيد في الشرطة افيشاي معلم، الذي هو أحد الابطال المؤقتين لليمين المتطرف، وهو نفسه يوجد رهن التحقيق بتهمة إعطاء رشوة في قضايا تتعلق بمعالجة ملفات “جريمة قومية متطرفة” (إرهاب يهودي).
جهات رفيعة في الجيش قالت في هذا الأسبوع للصحيفة بأن التغير في سلوك معلم وكل اللواء ظهر بوضوح بعد تسلم بن غفير لمنصبه. في احدى الحالات قتل فلسطيني في حادث عنيف مع مستوطنين. اثناء جنازة هذا الفلسطيني وصلت سيارة سكودا سوداء، والركاب فيها اطلقوا النار في الهواء قرب المشاركين في الجنازة. الضباط في قيادة المنطقة الوسط توسلو للشرطة لاجراء تحقيق في الامر. ولكن كبار قادة اللواء ببساطة تجاهلوا ذلك. روح القائد لها الأولوية، وهذه وصلت من بن غفير نفسه.
هناك قاسم مشترك بين القضايا الثلاثة الأخيرة – تسريب وثائق استخبارية من مكتب نتنياهو الى صحيفة “بيلد” الألمانية، العلاقات التجارية لثلاثة موظفين في المكتب مع قطر، والآن تسريب الوثائق من الشباك الى شيكلي ومراسلين. فيها جميعا رجال جهاز الامن ومكتب رئيس الحكومة مشتبه فيهم بإخراج وثائق سرية وحساسة بدون صلاحية أو استخدام معلومات سرية لأغراض سياسية وتجارية.
عمليا، ربما قضية تجر قضية. ايلي فيلدشتاين، المشتبه فيه الرئيسي في القضيتين الأوليين، كان في البداية محبوب البيبيين الى أن ثار الشك بأن يفتح فمه على شخصيات اكبر منه في السلسلة. بعد ذلك تم نقل التعاطف الى ضابط الصف في شعبة الاستخبارات العسكرية، آري روزنفيلد، الذي نقل الى فيلدشتاين الوثائق. في هذه الاثناء بدأ (ما زال في الذروة) تشريع “قانون فيلدشتاين”، الذي يعطي حماية جنائية لرجل أمن ينقل بدون صلاحية معلومات حساسة الى رئيس الحكومة أو الى عضو في الكابنت. من غير المستبعد أن أ، المشتبه فيه في القضية الحالية، عمل من خلال الاعتقاد بأن افعاله ستكون محمية بهذا القانون.
روني الشيخ، المفتش العام السابق للشرطة ونائب رئيس الشباك، قال في هذا الأسبوع لـ “اخبار 12” بأن “الانشغال الاعلامي الزائد بالقضية الجديدة يخدم رئيس الحكومة. كل يوم ستكون لدينا مؤامرة جديدة”. الهدف هو وقف الانشغال بالقضية الأمنية الأكثر خطرا، قضية قطر. أنا بشكل متعمد لا أقول قطر غيت، لأنها فقط جزء صغير في الحدث القطري”. وحول تسريب الوثائق الجديد قال: “يوجد هنا حدث قام به سياسي. وزير في حكومة إسرائيل يشغل عميل، يورط عميل، داخل الجهاز. أنا اعرف المعايير في هذا الجهاز، ولا أتذكر أن هناك اشخاص اخرجوا وثائق من الشباك”.
الشيخ أكد على الاقوال التي نشرت هنا في هذا الأسبوع، التي بحسبها الحكومة تقوم بتشغيل عملاء يخرجون وثائق سرية من داخل جهاز تجسس، هذا يوجد فيه الدليل على بداية تفكك داخلي للشباك. هذا يبدو كأحد اهداف نتنياهو ومعسكره، الذين يعملون بجهد من اجل قطع كل الروابط في المجتمع وفي الدولة.
يوجد لنتنياهو خط دفاع ثابت، الذي يتم تسويقه للجمهور اكثر من تسويقه للمحكمة. حسب رأيه فان كل الاتهامات الجنائية والسياسية ضده هي محاولة لاسقاطه بوسائل غير مشروعة. فقط الادعاءات ضده تتبدل. أيضا مذبحة 7 أكتوبر وجد لها مبرر دفاعي مقنع حسب رأيه: لو أنهم فقط ايقظوه في الوقت المناسب لكان كل شيء سيكون مختلفا. ولكن الحقيقة البائسة هي أن رئيس الحكومة فقد جزء من حدته الشهيرة في السنوات الأخيرة. الحديث لا يدور فقط عن استراتيجية رعاية حماس واستيعاب التهديد من غزة. ففي الأشهر التي سبقت الحرب هو تجاهل كل تحذيرات رؤساء جهاز الامن بشأن تداعيات الازمة الداخلية على الوضع الأمني، واهتم بالتقاط صورة مع زوجته وهما يضعان نظارات وردية اللون.
لم يعد هناك الكثير من الوزن الحقيقي للاقوال التي تقال على لسان نتنياهو ورجاله. بعد أن تفجرت قضية فيلدشتاين (وبعد فشل محاولته للتنكر له)، وصف نتنياهو المشتبه فيه بأنه “وطني إسرائيلي وصهيوني متحمس”. في هذا الأسبوع، في محاولة للدفاع عن ابنه يئير، الموجود في الخارج في معظم أيام الحرب، قال إن الابن هو “صهيوني حقيقي”، في حين أن الوزير شيكلي بالغ عندما وصف أ.، المسرب من الشباك، بأنه “بطل إسرائيل”. ايال ايشل، والد المراقبة الشجاعة روني ايشل التي قتلت مع صديقاتها في معسكر ناحل عوز في 7 أكتوبر، قدم ملاحظة صحيحة عندما قال بأن ابنته والجنود الذين قتلوا اثناء تأدية الواجب هم الابطال الحقيقيون، وليس رجل جهاز أو موظف في مكتب، المشتبه فيه بأنه تجاوز صلاحياته وعمل خلافا للقانون.
ذكريات من فيتنام
انشغال الاعلام في القضايا يجري، هذا ما يجب أن نتذكره، عندما في قطاع غزة استأنفوا القتال وازداد الخطر على حياة الـ 21 مخطوف الذين ما زالوا على قيد الحياة. الآن مر شهر على هجوم إسرائيل الجديد الذي قامت به إسرائيل من خلال خرق اتفاق وقف اطلاق النار الذي دخل الى حيز التنفيذ في منتصف شهر كانون الثاني الماضي. الحكومة صادقت على العملية، التي بادر اليها رئيس الأركان الجديد ايال زمير، التي استهدفت استخدام ضغط جديد على حماس بهدف علني من اجل حثها على التوقيع على صفقة تبادل جديدة، لو جزئية.
منذ ذلك الحين قتل اكثر من 1500 شخص في القطاع، حسب بيانات وزارة الصحة لحماس، والجيش الإسرائيلي احصى بينهم مئات من رجال حماس. حتى الآن تظهر مرونة معينة في الموقف الفلسطيني بخصوص طبيعة الصفقة. ولكن حتى الآن لا يوجد اتفاق. سبب ذلك بسيط: حماس تطالب بأنه في أي صفقة يجب أن تضمن انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من القطاع وانهاء الحرب. حماس ستوافق على صفقة مؤقتة أخرى فقط من خلال موقف ضعف صعب – الامر الذي لا يظهر في هذه الاثناء رغم وعود الابواق.
عشية استئناف الحرب سمع زمير من رجال الاستخبارات بأن حماس راضية عن نفسها. وقف اطلاق النار مكن حماس من العودة الى انتاج محدود للسلاح وتجنيد وتدريب المزيد من الشباب وجمع الأرباح من بيع المساعدات الإنسانية للتجار. رؤساء القيادة العسكرية الحالية، عز الدين حداد ومحمد السنوار، تبين أنهما ليسوا اقل تطرفا وعنادا من يحيى السنوار ومحمد ضيف. هذا لا يمنعهما من اظهار مرونة في التكتيك. من عملية القتال في الشهر الماضي يظهر أن حماس تحذر بقدر الإمكان من مواجهة مباشرة. عدد كبير من رجالها في رفح تم نقلهم الى الشمال، الى منطقة المواصي، من اجل تجنب الخسائر. المنظمة تركز على اطلاق النار من بعيد (نار القناصة، اطلاق الصواريخ المضادة للدروع)، وتحاول تنفيذ عمليات يمكن توثيقها ونشرها بعد ذلك.
نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس يحاولان تسويق للجمهور فكرة منظمة من وراء تجدد الحرب. كاتس قال أول أمس إن “هدف العملية في المقام الأول هو بذل كل الجهود من اجل تحرير جميع المخطوفين في اطار خطة ويتكوف وبناء جسر لهزيمة حماس فيما بعد”. وقف المساعدات الإنسانية، كما قال، استهدفت المس بسيطرة حماس على السكان، وبعد ذلك القصد هو وضع “بنية تحتية للتوزيع بواسطة شركات مدنية… وخلافا للسابق الجيش الإسرائيلي لا يقوم باخلاء مناطق تم تطهيرها واحتلالها. الجيش الإسرائيلي سيبقى في المناطق الأمنية كفاصل بين العدو والمستوطنات في كل واقع مؤقت أو دائم في غزة، مثلما في لبنان وفي سوريا”.
في أوساط الجمهور، وبدرجة كبيرة في الجيش أيضا، هناك تشويش. هذا يظهر أيضا في المحادثات بين الضباط والمراسلين. أنا سمعت احاطة في هذا الأسبوع من الجيش لوسائل الاعلام عن الحرب. أسئلة المراسلين تكررت: ما هي الأهداف الحقيقية للحرب؟ ما الذي يجعل أعضاء هيئة الأركان يعتقدون أنه في هذه المرة ستتحقق هذه الأهداف خلافا للسابق؟ كيف يمكن هزيمة حماس وأيضا إعادة آخر المخطوفين وجثامين القتلى من غزة؟ أي تسوية يراها الجيش حسب رؤيته في القطاع على فرض أن الحرب ستنتهي ذات يوم؟. أنا اعتقدت أن الفروقات سهلة. هذه المحادثة كان يمكن أن تجري أيضا في 1967 في فيتنام، بين جنرالات ومراسلين أمريكيين.
هناك بالطبع فرق واحد جوهري. فبين الولايات المتحدة وفيتنام كان يفصل محيطان وآلاف من الكيلومترات، ولكن بين كيبوتس ناحل عوز، الذي سكانه لم يعودوا الى بيوتهم وبين حي الشجاعية المدمر شرق مدينة غزة، هناك بصعوبة كيلومتر واحد.