ترجمات عبرية

هآرتس: في الشراكة الجديدة لترامب مع ابن سلمان، إسرائيل مجرد مشاهد من المدرج

هآرتس 19/11/2025، تسفي برئيل: في الشراكة الجديدة لترامب مع ابن سلمان، إسرائيل مجرد مشاهد من المدرج

العرض الشرفي الاستثنائي الذي منحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أمس، لم يتضمن رقصة السيف، ولكن ابن سلمان شاهد عرض رمزي لطائرات اف35. هذه الطائرات التي هاجمت قبل ستة اشهر فقط منشآت نووية في ايران، لا تمثل قمة القدرة التكنولوجية الامريكية فحسب، بل أصبحت ركيزة أساسية في البنية السياسية الجديدة التي تسعى السعودية والولايات المتحدة الى ارسائها في الشرق الأوسط وخارجه. حتى الان وقعت صفقة الطائرات في شبكة معقدة من الشروط السياسية التي طلبت من السعودية، من بينها تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وان تكون جزء من تحالف حصري مع الولايات المتحدة، وبالتالي، تحييد نفوذ الصين وروسيا ووضع المملكة كلبنة أخرى صلبة في الجدار المناهض لإيران، والاسهام بنصيبها الاقتصادي في تنفيذ خطة ترامب في قطاع غزة.

تصريح ترامب الذي بحسبه سيبيع طائرات اف35 للسعودية بدون ان يرفق بمقولته هذه باقي الشروط، من شانه ان يدل على نيته في تفكيك حزمة الشروط التقليدية الى مكوناتها وإعادة تركيب بنية جديدة. حسب هذه البنية، كل صفقة وكل عملية سياسية أو اقتصادية ستكون مستقلة وغير مرتبطة بالضرورة بسياق إقليمي. مثلا، السعودية ستستطيع شراء الطائرات وتكون معفية من تطبيع علاقاتها مع إسرائيل اذا لم تقم بالوفاء بالشرط الأساسي الذي وضعته الرياض وهو إقامة الدولة الفلسطينية. ابن سلمان اعلن في الواقع بانه سيكون مستعد للانضمام الى اتفاقات إبراهيم، لكن قرار مجلس الامن الذي صدر امس ما زال بعيد عن الاستجابة لهذا الشرط، والان لا يبدو ان ترامب مستعد لاستخدام أداة الضغط هذه من اجل لي ذراع ولي العهد السعودي.

ترامب بحكم صلاحياته الرئاسية سيتمكن من منح السعودية اتفاقية دفاعية كما منحها لقطر، بغض النظر عن التطبيع أو مشاركتها في إعادة اعمار غزة، أو استعدادها “لتخفيف” علاقاتها مع الصين وروسيا، أو قطع علاقاتها مع ايران. فمن وجهة نظر السعودية، وكما أوضحت الولايات المتحدة، يفترض ان يكون هذا تحالف دفاعي ثنائي، وليس إقليمي. ويهدف هذا التحالف بالأساس الى حماية السعودية من ايران، التي لا تزال تعتبر، رغم علاقاتها الدبلوماسية معها، تهديد قد يتجسد في حالة استئناف الحرب بينها وبين إسرائيل. لذلك فان السعودية ستسعى – كما فعلت في صراعات سابقة بين إسرائيل وايران، حيث طلبت من الولايات المتحدة كبح جماح إسرائيل والامتناع عن مهاجمة ايران بنفسها – الى الحصول على مظلة أمريكية في حال تصرفت إسرائيل مجددا بشكل مستقل. ولكن مشكوك فيه اذا كان ترامب نفسه، الذي لا يتوقف عن تهديد ايران، يرغب في منح السعودية التزام لا لبس فيه بمنع حرب قد تضع المملكة في خط النار، لان هذا الالتزام يساوي تقديم ضمانة امنية أمريكية لإيران نفسها.

ان شبكة المصالح الأمنية للسعودية لا تقتصر فقط على ايران. هي تمتد أيضا بين الرياض وبين دمشق وبيروت وغزة وبغداد، الحوثيون أيضا استأنفوا مؤخرا تهديداتهم بمهاجمة السعودية. كل واحدة من هذه تمثل بؤرة لتهديد محتمل، عسكري أو سياسي، وفي جزء منها إسرائيل من شانها ان تكون الفتيل الذي سيشعل سلسلة التفجيرات. كما يبدو، حسب هذه الرؤية السعودية، التطبيع مع إسرائيل مطلوب كجزء لا يتجزأ من حلف الدفاع لانه سيلزم إسرائيل بالتساوق ليس فقط مع الاملاء الأمريكي، بل أيضا مع المصلحة السعودية. ولكن يبدو، كما اثبت سلوك الرياض اثناء حرب غزة، ان مكانة السعودية “كقوة عظمى إقليمية” تتطلب ارتباطها بالوجدان العربي، الذي ما زال يعتبر القضية الفلسطينية قاسم عربي واسلامي مشترك. لا يمكن للسعودية ان تنفصل عن القضية الفلسطينية وتحافظ على مكانتها كدولة رائدة. يمكن التقدير انه لو عرض ترامب على ابن سلمان حلف دفاع أو مشروع نووي مقابل تنازله عن شرط إقامة دولة فلسطينية، لكان رد ولي العهد الآن مختلف عما كان عليه قبل الحرب – اذ لم يطالب في حينه الا بـ “تحسين ظروف حياة الفلسطينيين”.

على عكس بنية العلاقة التي تطورت بين ابن سلمان وترامب في ولايته الأولى، حيث تعامل الرئيس الأمريكي مع السعودية كدولة تابعة مستعد لحمايتها مقابل مبلغ مناسب، فقد تعامل ترامب مع السعودية منذ بداية ولايته الثانية كشريك استراتيجي. إضافة الى ذلك عندما يقدم ابن سلمان وعد باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال ولاية ترامب كركيزة أساسية لعلاقتهما، فانه يخلق توازن جديد من الترابط الأمريكي – السعودي، بحيث تتمتع السعودية فيه بثقل مشابه لثقل الولايات المتحدة.

في هذه البنية تتضاءل مكانة إسرائيل من حليف استراتيجي الى “عنصر تكتيكي” يخضع كليا لاملاءات الإدارة الامريكية. وتشهد سلسلة القرارات وإلغاء القرارات، التي اتخذها ترامب بتاثير من ابن سلمان، على هذا التبادل في الأدوار. لم ينشا تراجعه المذهل عن رؤيته الوهمية لـ “إقامة ريفييرا رائعة في غزة وطرد سكانها الى الجحيم الا بعد انضمام السعودية بكامل القوة الى معارضة مصر والأردن. وكان تبني الرئيس السوري احمد الشرع واحتضانه من قبل الرئيس الأمريكي كـ “هدية شخصية” قدمها لابن سلمان رغم معارضة إسرائيل الصاخبة.

السعودية لم تقف في الواقع في الخط العلني الأول للدول التي توسطت في صفقة الرهائن، الا انها قادت التحركات التي أدت الى وقف اطلاق النار عندما قادت الجهد الدبلوماسي العربي، بالتعاون مع الدول الأوروبية، خاصة فرنسا، الذي أدى في نهاية المطاف الى اعتراف شامل في الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية. ينطبق الامر نفسه على “تعديل” مشروع القرار الذي قدمته أمريكا لمجلس الامن، والذي يتضمن “مسار نحو دولة فلسطينية، الذي مثل غيره من القرارات، الزم نتنياهو باتباع المسار الذي مهد له ترامب وابن سلمان، والترحيب بقرار مجلس الامن اول أمس.

ترامب ما زال يلتزم تماما بامن إسرائيل، ولا يقاس هذا الالتزام بكمية السلاح والذخيرة والأموال التي يقدمها لها فقط. ولكن خلافا للادارات الامريكية السابقة، لا يقوم تحالفه مع إسرائيل على قيم مشتركة ولا يثيره كثيرا مصطلح “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”. هذا الموقف الذي يقوض ما يعتبر قيم فريدة لإسرائيل، يلغي أيضا تفوقها على دول مثل السعودية، قطر ودولة الامارات. في عهد ترامب ينظر الى الشراكة مع كل هذه الدول بمنظور المصلحة الذاتية، سواء كانت عسكرية أو تجارية.

النتيجة هي ان ابن سلمان، الشخص الذي نسبت له المخابرات الامريكية المسؤولية المباشرة عن قتل الصحافي جمال الخاشقجي في 2018، ومملكته التي وعد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بتحويلها الى “دولة منبوذة”، يحظى بعد سبع سنوات من الغياب عن واشنطن بالاحترام، الذي فقط قلائل حصلوا عليه في البيت الأبيض، في حين ان إسرائيل تتحول الى أداة لتطبيق سياسة أمريكية لا تناسبها بالتحديد.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى