هآرتس: فقد نتنياهو السيطرة على نفسه وعلى حكومته، وهو الآن أكثر خطورة

هآرتس 28-3-2023، بقلم غادي فايتز: فقد نتنياهو السيطرة على نفسه وعلى حكومته، وهو الآن أكثر خطورة
في الأسبوع الماضي عشية سفر رئيس الحكومة نتنياهو إلى لندن، رن الهاتف في ضيعة أرنون ملتشن الضخمة في إقليم ساسكيس، وكان على الطرف الثاني من الخط نائبة المدعي العام للدولة ليئات بن آري، وكان لديها طلب: لا تلتقي مع نتنياهو. ملتشن الثري جداً له شقة في محيط فندق “سافوي” الفاخر، الذي نزل فيه في نهاية الأسبوع الماضي رئيس الحكومة وزوجته. خافت النيابة العامة من أن الشاهد الرئيسي القادم في محاكمة ملفات الآلاف إذا استمرت كالعادة، سيلتقي مع المتهم رقم واحد أثناء الزيارة.
كان التحذير مبالغاً فيه. لم يزر ملتشن الشقة قرب “سافوي” في السنتين الأخيرتين. وفي الأصل، هو لا ينوي الالتقاء مع الشخص الذي أغدق عليه الهدايا بمبالغ ضخمة طوال سنين. رجل الأعمال يعرف جيداً موقف رئيس الوزراء الساخر من الآخرين، ويدرك بأنه لن يخرج أي خير من علاقته معه. هذه العلاقة كلفت ملتشن أن يدفع ثمنها محاميه بوعز بن تسور.
في شهادته في الملف 1000 توقف المخرج الهوليوودي عند الأساس النفسي الذي يوفر المفتاح لفهم سلوك نتنياهو الغريب في الفترة الأخيرة. “هو يعتقد بأنه يدافع عن الكيان اليهودي من جوليات”، قال لمحققي الشرطة. “افتراض نتنياهو… بعد ما حدث في الكارثة، وأنا هنا استخدم أقواله، نحن نقف أمام كارثة الآن (قنبلة نووية)… إذا سقطتُ فسيسقط شعب إسرائيل. لا يوجد شخص يمكنه الوقوف أمام الأمريكيين والروس”.
الشعور بأنه يحمل رسالة مسيحانية تغذيه منذ سنوات مجموعة من المتملقين الذين أحاطوا برئيس الحكومة، لا سيما أبناء عائلته النووية. “الأقوى في العالم”، قالت عنه زوجته في شهادتها في الملف 4000. “الحارس والمدافع عن إسرائيل… العالم كله معجب به، من الزعماء وحتى الجمهور الكبير. عندما يمشي في شارع نيويورك يصفقون له. حتى في الشارع الأسترالي وقفوا وصفقوا له… ببساطة هو زعيم يحظى بالإعجاب… يفعل أموراً كبيرة لشعب إسرائيل”. نجله يئير قال في شهادته في الملف 1000: “لأبي وزن في بقاء الشعب اليهودي في أرض إسرائيل. استمرارية الشعب ملقاة على أكتافه”.
أقوال مشابهة بصيغ مختلفة قالها نتنياهو نفسها لمن يريدون مصلحته، في الجهاز السياسي وخارجه، الذين حاولوا طوال أسابيع إقناعه بوقف الانقلاب النظامي حتى بثمن استقالة ياريف لفين. من ناحيته، هكذا فهموا، يعتبر وزير العدل اللبنة التي سيؤدي سقوطها إلى سقوط الحكومة كلها. وإذا سقط هو نفسه فالدولة ستنهار أيضاً. هذا هو الواقع الذي يعيش فيه، حتى في الوقت الذي تنهار فيه الدولة بسببه. لذلك، لم يشر للفين إلى مكان الباب، رغم أنه أدرك بأن التشريع يعرضه للخطر أكثر من تجميده.
ذات يوم قبل فترة طويلة، حث ملتشن على إقالة يده اليمنى، هداس كلاين، لأنها رفضت أن تعطيه تفاصيل سرية عن الوضع النفسي للملياردير المتحسن جيمس باكر. “بيبي قال لارنون: افعل بها مع فعلته لإسرائيل كاتس – إنذار مدته 30 ثانية، وإلا فعليها الذهاب إلى البيت”، شهدت كلاين. في 2016 هدد نتنياهو بإقالة وزير المواصلات الذي اتهمه بالأزمة بينه وبين الأحزاب الدينية حول أعمال القطار أيام السبت. كاتس الذي تجرأ على تطوير طموحات بعيدة المدى استقام، والآن تسبب السجادة ضجة أكثر منه. نتنياهو في تلك الفترة أدار الدولة ضمن منتدى مغلق ومقلص، وقزم شركاءه وسارع إلى قطع كل رأس تم رفعه.
نتنياهو الذي أجرى رحلات مكوكية بين ترامب وبوتين وقاد إلى اتفاقات إبراهيم، ربما نجد علاقة واهية بين صورته الذاتية والواقع. أما الآن، في الوقت الذي يصر فيه على أن بقاءه في منصبه أمر حيوي، يظهر كالمسيح الدجال على صيغة شبتاي تسفي. الأشخاص الذين يعرفونه منذ سنوات تفاجأوا من ضعفه ومن رفضه للاستماع إلى التحذيرات من كارثة تقترب ومن استسلامه للخوف. وأوضح بأن يده تمسك بالمقود، لكن تولد لدى من تحدثوا معه عن جهاز القضاء انطباع بأنه يكرر شعارات مثل “أسير في فيتنام”، حسب قول أحدهم. يبدو أنه وجد صعوبة في الاعتراف، أمام نفسه أيضاً، بأنه لا يقود بل هو مقاد وخاضع لأوهام لفين وبن غفير ونتنياهو الابن.
في المفاوضات الائتلافية قال نتنياهو لرجاله بأنه لن يسمح “للجنون” بأن يندلع، لقد كان على قناعة بأنه يستطيع الركوب على ظهر النمر ويروض بن غفير وسموتريتش، وأنهم منذ اللحظة التي يتعودون فيها على كراسي مكاتبهم سيجدون صعوبة في التنازل عن ملذات الحكم. كانت خطته تشكيل إرثه بمساعدة اتفاق سلام مع السعودية، وبعد ذلك الاستقالة كمنتصر في ظل صفقة مخففة.
انهارت الخطة. وبنتسور الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى أحد مقربي نتنياهو، أوضح بأنه لن يبقى إلى جانبه إذا لم يتم وقف الانقلاب. “بنتسور لا يعارض الانقلاب فحسب”، قال للصحيفة رجل قانون يعرفه جيداً، مضيفاً “بل كان على قناعة بأن الهجوم على جهاز القضاء يضر بمصلحته، وأن الطريقة الصحيحة هي تحقيق إنجازات في قاعة المحكمة. حتى لو واصل تمثيل رئيس الحكومة، فمشكوك فيه أن تعود العلاقة بينهما إلى حالها. أمس، انقضت عليه كلاب صيد المتهم التي حملته في السابق على الأكتاف.
أمس، أعلن نتنياهو عن تعليق التشريع، لكن “لفترة زمنية”. المتطرفون الذين يقفون وراء الانقلاب، في الائتلاف والليكود، لا ينوون تحريره من قبضتهم. هذه هي الطبعة الأخطر له. فمن تعود على الحكم وفقده، يصعب عليه التسليم بالوضع المحبط الجديد، قد يقوم بخطوات متطرفة محاولاً الإثبات بأنه سيركب الحصان كعادته. المثال الأخير هو إقالة وزير الدفاع، يوآف غالنت، في اندفاعة ديكتاتورية. إذا لم يرجع نتنياهو إلى رشده بشكل مفاجئ، فربما تكون الخطوات التالية مدمرة أكثر.