هآرتس: عوائق كثيرة بانتظار الصفقة، ومصيرها متعلق بالضغط الجماهيري على نتنياهو

هآرتس 19/1/2025، عاموس هرئيل: عوائق كثيرة بانتظار الصفقة، ومصيرها متعلق بالضغط الجماهيري على نتنياهو
اليوم بعد الظهر يتوقع أخيرا كما يبدو أن تتحرر المجموعة الاولى وفيها ثلاث اسرائيليات مخطوفات من مخالب حماس في قطاع غزة وتصل الى اسرائيل، مقابلها سيطلق سراح مئات السجناء الامنيين الفلسطينيين. خلال ستة اسابيع ستستكمل المرحلة الاولى من صفقة التبادل التي ستتضمن اطلاق سراح 33 مخطوف اسرائيلي، الذين يقدرون بأن 25 من بينهم ما زالوا على قيد الحياة. اكثر من 1700 فلسطيني سيطلق سراحهم في المقابل، من بينهم اكثر من 200 مخرب يقضون السجن المؤبد بسبب قتل اسرائيليين. في موازاة ذلك الجيش الاسرائيلي يقوم بتخفيف قواته في قطاع غزة ويخرج من معظم مناطق الاحتكاك.
الى أن ينطلق القطار، وبالتأكيد حتى نهاية المرحلة الاولى للصفقة في بداية آذار (عند بداية شهر رمضان)، من المتوقع مصادفة عقبات كثيرة التي ستشد اعصاب اصحاب العلاقة. هذا ظهر أمس عندما اعاقت حماس اعطاء تفاصيل عن اسماء المخطوفات اللواتي يمكن أن يتحررن اليوم. بعد 15 شهر، التي اختفوا فيها تحت الارض من هجمات الجيش الاسرائيلي، من المرجح أن كبار شخصيات حماس ورجالها الذين يحتجزون المخطوفين يجدون صعوبة في الاتصال بينهم وما زالوا يخشون من التقاط بثهم. هذا يخلق تأخير في نشر المعلومات والبيانات، ولكن من الصعب استبعاد امكانية أن الفلسطينيين يضيفون الى ذلك حرب نفسية من خلال استغلال الحساسية الاسرائيلية تجاه كل مخطوف.
بشكل عام، نظرة حماس للحدث مختلفة. من ناحية القياديين فيها يوجد هنا هدف – تحرير كتلة كبيرة من السجناء التي ستزداد بدرجة لا يمكن تقديرها في المرحلة الثانية وستعرض كدليل على النصر، الذي كما يبدو حققه سكان غزة في الحرب. جثث المخربين التي لن تتم اعادتها، أو السجناء الذين لن تشملهم الصفقة، تعتبر في غزة جزء من ثمن ضروري من اجل الاتفاق، الذي يدل على أن حماس لم تستسلم امام اسرائيل، وفعليا تخطط للعودة والسيطرة على ارجاء القطاع.
الصفقة تمت المصادقة عليها فجر أمس في اسرائيل، بعد جلستي ماراثون متتالية للكابنت، وبعد ذلك للحكومة. في اعقاب هذه الجلسات في الواقع نشرت صيغة قرار طويل، لكن تفاصيل كثيرة من الاتفاق بقيت سرية، ويبدو أنها تختفي في الملاحق. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو انتظر انتهاء السبت كي ينشر فيلم فيديو اغدق فيه على الجمهور تصريحات جوفاء وتملص من مناقشة تفاصيل الصفقة. حول المؤتمر الصحفي والاجابات المباشرة على اسئلة وسائل الاعلام بالطبع لا يوجد ما نتحدث عنه.
تحت الضغط الشديد الذي استخدمه الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترامب تراجع نتنياهو في الاسابيع الاخيرة عن جزء مهم من المواقف التي اقسم على التمسك بها فقط في الصيف الماضي. جهود الاخفاء والتضليل للمتحدثين بلسانه والوزراء واعضاء الكنيست من الليكود لن تطمس ذلك. درجة الشفافية التي يحظى بها الجمهور في اسرائيل من الحكومة غير مناسبة لنظام ديمقراطي، حتى في وقت الحرب.
في هذه الاثناء رسمت الخطوط العريضة السياسية للخلافات في اسرائيل، واعطيت اشارات اولية بخصوص ما يتوقع لاحقا، بالاساس حول المرحلة الثانية. من زعيمي اليمين المتطرف، الوزير ايتمار بن غبير (قوة يهودية)، هو الذي املى النغمة في يوم الخميس، عندما اعلن بأن حزبه سينسحب بعد المصادقة على الاتفاق في الحكومة. الوزير بتسلئيل سموتريتش (الصهيونية الدينية) أدار قام باجراء عدة محادثات مطولة مع نتنياهو وصوت مع حزبه ضد الصفقة، لكنه يؤجل الانسحاب المخطط له الى حين استكمال المرحلة الاولى. المناورة التي تمت حياكتها بينه وبين رئيس الحكومة بسيطة. فنتنياهو يوفر لسموتريتش سلسلة تعهدات وسموتريتش (الذي في السابق سماه كذاب ابن كذاب) يعرف أنه لا يوجد الكثير مما يعتمد عليه. ولكن في هذه الاثناء الحكومة بقيت على حالها، والصفقة تتقدم وسموتريتش يمكنه أن يدعي طهارة يديه.
ما يبثه نتنياهو لسموتريتش، خلافا للرسائل التي ارسلها لترامب، هو أنه في الواقع لم يتغير كثيرا، بعد استكمال المرحلة الاولى التي سيطلق فيها سراح النساء وكبار السن والمرضى والجرحى، سيعثر على ذريعة للعودة الى القتال لأن حماس لن تفي بوعودها. عندها سيعود الجيش الاسرائيلي الى القطاع، وفي هذه المرة سيدمر تماما سلطة حماس مثلما وعد. حتى أن نتنياهو يواصل الادعاء أنه في يده توجد ضمانات قاطعة من الامريكيين لتأييد عودة اسرائيل الى القتال اذا فشلت المفاوضات.
لكن من يقول إن المفاوضات فشلت وبذنب من؟ حتى الآن على الاقل ترامب يعطي اشارات عن رغبته في استكمال صفقة المخطوفين وانهاء الحرب في غزة والتركيز على ما يهمه وبحق في المنطقة – صفقة سعودية وكبح المشروع النووي الايراني وجائزة نوبل للسلام لنفسه. يطرح سؤال هل نتنياهو وسموتريتش يخدعان بعضهما والجمهور، أم أنهما يقصدان بجدية اقوالهما. ليست هذه هي المرة الاولى في تاريخه الطويل، التي يقول فيها رئيس الحكومة لكل طرف ما يريد سماعه – ويعول على أن خطأ مستقبلي لحماس سيعفيه من مواجهة التناقض في اقواله.
رغم عدم رغبة نتنياهو في التقدم الى المرحلة الثانية، هناك عوامل رئيسية ستضغط بشكل مضاد من اجل تطبيق الصفقة بالكامل – الادارة الامريكية والرأي العام في اسرائيل. عندما سيعود المخطوفون الاوائل، وفي مرحلة معينة يتم استجماع ما يكفي من القوى للتحدث عن الفظائع التي مرت عليهم في الأسر، يبدو أن معظم الجمهور سيقتنع، حتى بدرجة اكبر، بالحاجة الملحة الى انقاذ الذين بقوا في انفاق حماس. هذا سيكون صحيح رغم أن المرحلة الثانية يتوقع أن تشمل ايضا تحرير آلاف السجناء، من بينهم سجناء كبار في التنظيمات الارهابية.
اذا الزم ترامب نتنياهو بالتقدم الى المرحلة الثانية، فان الائتلاف سيجد صعوبة في البقاء. حتى في هذه الحالة رئيس الحكومة يواجه اخطار سياسية اخرى، التي ستنضج قريبا من انتهاء المرحلة الاولى، على رأسها تقف الصعوبة المستمرة في تمرير قانون الاعفاء من الخدمة للحريديين، والمشكلات المترتبة على ذلك بخصوص تمرير ميزانية الدولة الجديدة التي بدونها ستسقط الحكومة في نهاية شهر آذار.
في غضون ذلك، من خلال جهود البقاء، تظهر بذور كارثة اخرى. من اجل تعويض اليمين المتطرف فان نتنياهو وعد بترك العنان لهم في الضفة الغربية. الجيش الاسرائيلي سينقل الى هناك قواته، وستتم ازالة القيود التي بشكل معين بقيت بشأن خطط التوسع للبؤر الاستيطانية والمزارع غير القانونية، وتم التلميح بأنه يتوقع القيام بعمليات استعراضية ضد البنى التحتية الارهابية في الضفة الغربية، واذا لم يكن هذا كاف، فقد قرر وزير الدفاع اسرائيل كاتس أول أمس، بخطوة شعبوية اخرى، اطلاق سراح آخر اليهود في الضفة الذين كانوا محتجزين في الاعتقال الاداري. هذا يبدو تقريبا وكأن نتنياهو وكاتس يريدان اشعال الضفة الغربية من اجل وقف الجهود لانهاء الحرب في القطاع.
من اجل اضافة الزيت على النار تواصل الحكومة الانقضاض على رؤساء جهاز الامن. بن غفير قال في نهاية الاسبوع الماضي بأنه في اطار جهود نتنياهو لابقائه في الحكومة فقد عرض عليه أن يأخذ فضل عزل رئيس الاركان هرتسي هليفي المتوقع قريبا. كاتس سارع الى اصدار بيان نفي، لكن بشكل ما يثور الشك بأنه يوجد على الاقل شيء في رواية بن غفير. حكومة نتنياهو تواصل التمرغ في الاكاذيب حتى في الوقت الذي يتوقع فيه حدوث تحسن جزئي في المعنويات قريبا عند اطلاق سراح المخطوفين الاوائل. ومهم ذكر كل ذلك بدون أن يتحمل المسؤول الرئيسي في الطرف الاسرائيلي ذرة من المسؤولية عن كارثة 7 اكتوبر.