هآرتس: دولة فلسطينية لن تقوم في غزة وهي ستواصل جباية ثمن دموي

هآرتس – تسفي برئيل – 29/7/2025 دولة فلسطينية لن تقوم في غزة وهي ستواصل جباية ثمن دموي
لم يتم حبس الانفاس لانعقاد المؤتمر الدولي في نيويورك أمس. المؤتمر الذي كان بقيادة فرنسا والسعودية كان يمكن عقده في شهر حزيران وتم تاجيله بسبب الحرب مع ايران. ومنذ ذلك الحين ظهر وكأن الاهتمام به تضاءل. الرد التلقائي لاسرائيل كان متوقع. اعلان الرئيس الفرنسي عمانويل ماكرون الذي تعهد بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة في اجتماع الجمعية العمومية للامم المتحدة الذي سيعقد في شهر ايلول حصل على وصف “هدية للارهاب”. أي نقاش حول الحل السياسي، في أي منتدى، يبدو الآن في اسرائيل مثل هذيان في افضل الحالات، وخطوة مناوئة لاسرائيل ومؤيدة للارهاب في الوضع العادي، ويوجد لديها ما تستند اليه.
الرئيس ترامب الذي قال انه “لا يوجد أي وزن لاعلان ماكرون”، اعلن انه لن يشارك في المؤتمر، وبشكل عام تبين ان أي حل سياسي شامل ليس على سلم اولوياته. ترامب استوعب الان حقيقة ان طموحاته لتشكيل “شرق اوسط جديد” واحلال السلام بين اسرائيل وعدد آخر من الدول العربية، والجائزة الكبرى، التوصل الى التطبيع بين اسرائيل والسعودية، ستضطر الى الانتظار لفترة اخرى، ربما لولايته القادمة اذا نجح في تحريف الدستور الامريكي.
في هذه الاثناء تتفاقم المشاريع السياسية للرئيس الامريكي. صفقة الرهائن لا تتاثر بالتصريحات المتفائلة التي اصدرها الرئيس في الاسابيع الاخيرة، وتستمر الحرب في غزة رغم موقفه الداعم لانهائها، والمفاوضات بين الولايات المتحدة وايران متعثرة، ولبنان لم يتخذ بعد أي قرار حكومي بنزع سلاح حزب الله كما طالبت المبعوث الامريكي توم براك، وينطبق نفس الامر على الاتفاق بين نظام احمد الشرع السوري والاكراد الذي يجب ان يؤدي الى نزع سلاحهم وانضمامهم للجيش السوري، وهو الامر الذي ينتظر التحريك.
النتيجة هي ان ترامب انتقل الى الادارة الجزئية للنزاعات والمواجهات في المنطقة. مبعوثوه وهم رجال عقارات يسبحون في حقل الصفقات الاقتصادية وبيع وشراء الاصول والتقاط الفرص للاستثمار، يحاولون تمهيد الطريق في حقول الغام مجهولة. مطلوب منهم التكيف مع ثقافة “تجارية” مختلفة، التي تحتاج منهم ادارة مفاوضات مع تنظيمات ومليشيات وتتحداهم بتعقيد سياسي تغذيه تصفية حسابات سياسية.
نفس الشيء ينطبق ايضا على غزة. ففي حين ان ترامب بشر العالم بانه اكتشف انه “يوجد جوع في غزة”، فانه على الاكثر يثير في اسرائيل عناوين فزعة ويجبر نتنياهو على ادخال الى القطاع الغذاء والدواء. في نفس الوقت اسرائيل يمكن ان تدرك بانها حصلت من ترامب على اذن باحتلال كل القطاع وتسوية المباني فيه حتى النهاية، شريطة انهاء وضع الجوع الذي لا يروق للرئيس الامريكي. لأنه باستثناء حلم الريفييرا المزدهرة في الاجواء فان ترامب لا يطرح أي خطط واقعية أو خريطة طريق يمكن ان تشكل ارضية لحل بعيد المدى الذي لن يوقف فقط الجوع وينهي الحرب ويعيد المخطوفين، بل سيشكل “اليوم التالي”.
ربما ترامب يشتاق الى معرفة ما تنوي اسرائيل فعله في غزة، وفي غضون ذلك هو يعطيها رخصة من اجل “استكمال المهمة” كوسيلة ضغط على حماس للموافقة على الصفقة. هكذا يتحول انهاء الحرب الى هدف مستقل ومنفصل عن سؤال ماذا سيكون في غزة بعد ذلك. في موازاة ذلك في حين ان ترامب ومبعوثيه ينشغلون بتنفيذ “صفقات جزئية” مهمة جدا بحد ذاتها، فان دول عربية رائدة مثل قطر ومصر والامارات وبالاساس السعودية، ودول غربية مثل فرنسا وبريطانيا، هي التي تحاول طرح حلول شاملة، وكأنه يمكنها بناء بنية تحتية ثابتة، عليها يمكن ايضا لمواجهات محلية ان تجد الرد.
المؤتمر الدولي الذي بادر اليه فرنسا والسعودية، الذي يقود من قبل الجامعة العربية عملية الدفع قدما بحل سياسي للنزاع بين اسرائيل والفلسطينيين، لا يعتبر مؤتمر للحالمين.
وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الذي يترأس البعثة السعودية ويعتبر الروح الحية للخطوات السياسية التي يشكلها محمد بن سلمان، هو شخص لا يعيش في الاوهام. ابن فرحان (50 سنة)، الذي هو اكبر بعشر سنوات من رئيسه، هو سياسي له تجربة، والذي قاد بنجاح خطوات المصالحة بين السعودية وايران والتي انتهت بوساطة الصين باستئناف العلاقات بين الدولتين في آذار 2024. ابن فرحان الذي ولد في المانيا ودرس في الولايات المتحدة وادار مشاريع تجارية وترأس شركة لانتاج السلاح، دعم بشكل حثيث، ويبدو انه ما زال يدعم، التطبيع مع اسرائيل، وكان من بين من صاغوا الموقف السعودي السابق الذي يقول بان اسرائيل مطلوب منها فقط “تحسين ظروف حياة الفلسطينيين”، ليس دولة فلسطينية مستقلة وحتى ليس حكم ذاتي.
لكن هو ايضا ادرك بسرعة ان السعودية لم يعد يمكنها التمسك بهذا الموقف الذي فيه الحد الادنى من الطلبات. هو، وبالتاكيد ابن سلمان، ليس عضوا في نادي مشجعي حماس، والسعودية تعتبر الاخوان المسلمين منظمة ارهابية. في موازاة ذلك فان المملكة ليست في نادي مشجعي السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس. عندما تتحدث جهات سعودية رفيعة مع نظرائها الامريكيين عن اشراك السلطة الفلسطينية في ادارة القطاع فانها، مثل دولة الامارات، تربط دعمها للسلطة بسلسلة شروط تشمل اجراء اصلاحات سياسية واقتصادية عميقة بروحية الشروط التي طرحتها ادارة بايدن على السلطة.
يبدو ان السعودية كانت مستعدة لاعطاء اعتماد اكبر للرئيس السوري احمد الشرع، والتعهد له امام ترامب بشكل اكبر مما للرئيس محمود عباس. يمكن التقدير بثقة كبيرة ان الدراما التي فيها ابن سلمان استخدم سحره على الرئيس (مقابل استثمارات بمبلغ تريليون دولار)، وجعله يصافح الشرع، لن تتكرر مع محمود عباس سواء في الرياض أو في رام الله.
لكن السعودية صاحبة الامتياز لـ “المبادرة العربية” التي صادقت عليها الجامعة العربية في 2002، اضطرت في اعقاب الحرب الى تغيير موقفها. فهي تشددت في شروطها للتطبيع، وبصورة تصريحية هي تطلب من اسرائيل ومن الولايات المتحدة القيام بخطوات لا يمكن التراجع عنها، التي ستؤدي الى اقامة الدولة الفلسطينية على اساس “المبادرة العربية”، حسب ابن سلمان. مع ذلك، جهات في مصر وفي الاردن، التي تحدثت مع الصحيفة، قدرت ان السعودية ستوافق على الاكتفاء باعلان نوايا امريكي واضح يشمل الاعتراف بحق الفلسطينيين في اقامة دولتهم. “الحرب في غزة دمرت في الواقع حماس، لكن مشاهد الفظائع والقتل والجوع والدمار لا تبقي امام السعودية، ودول عربية اخرى، أي طريقة لتجاوز طلب الدفع قدما بحل سياسي شامل”، قال مصدر اردني رفيع للصحيفة. دبلوماسي مصري سابق قال: “المؤتمر الذي تم عقده في نيويورك استهدف بالضبط هذا الهدف”. وحسب قوله فانه “اذا اردتم بديل لحماس فان هناك اجماع عربي على ان حماس لا يمكن ان تبقى في القطاع، وأنه لا مناص من دعم فكرة الدولة الفلسطينية التي ستوحد السيطرة في الضفة وفي القطاع، حتى لو كان تطبيق هذه الفكرة سيتم تاجيله لسنوات. الهدف هو تجاوز الفيتو الاسرائيلي الذي تفرضه اسرائيل على دخول السلطة الفلسطينية الى غزة، التي بدونها لا يمكن تجنيد التعاون العربي لادارة القطاع”.
حسب تحليلات هذه الجهات فان الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو خطوة ناجعة تستهدف انهاء الحرب وجلب حكومة بديلة الى غزة تعمل تحت مظلة الشرعية الدولية. احتمالية التوصل الى اجماع دولي شامل يجعل مجلس الامن يعترف بالدولة الفلسطينية، تبدو في هذه الاثناء ضعيفة جدا وحتى معدومة. عندما تكون ابادة غزة هدف وطني في اسرائيل، وعندما لا يظهر مصطلح “الدولة الفلسطينية” في قاموس الرئيس الامريكي السياسي فان غزة ستبقى تدفع الثمن الكامل لاحتلالها.