ترجمات عبرية

هآرتس: حلف إسرائيل مع لبنان وقبرص ليس بديلا عن ترميم علاقاتها مع تركيا

هآرتس 26/12/2025، تسفي برئيلحلف إسرائيل مع لبنان وقبرص ليس بديلا عن ترميم علاقاتها مع تركيا

“لاولئك الذين يتوهمون بإعادة بناء امبراطورياتهم وفرض سيطرتهم على بلادنا أقول: انسوا هذا الامر. هذا لن يحدث. وحتى لا تفكروا في ذلك”، هكذا هاجم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في القمة هذا الأسبوع مع رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس متسوتاكس ورئيس قبرص نيقوس خريستودولس. ولا يحتاج المرء الى عناء كبير كي يدرك “أي امبراطورية” يقصد.

تركيا ورئيسها، رجب طيب اردوغان، تعتبر هدفا للتحالف الثلاثي القديم – الجديد الذي اعلن عن نية انشاء قوة رد سريع تستطيع مواجهة التهديدات في حوض البحر المتوسط، وفي منعطف تاريخي انضمت اسبرطة الى الإمبراطورية اليونانية، ووجهت من هذه الجزيرة اليونانية الصغيرة كامل قوتها ضد الإمبراطورية العثمانية الصاعدة بقيادة السلطان اردوغان. وقد اطلق اردوغان على هذا “المثلث الاستراتيجي” الجديد اسم “محور الشر”، وحرصت صحفه على تصوير هذا التحالف كتهديد لتركيا. ولكن هذا المشهد غير جديد. ففي العام 2019 ظهر في حوض البحر المتوسط كيان مهم يعرف باسم “منتدى غاز شرق المتوسط”، حيث تضافرت جهود ثماني دول لوضع اطار عمل للتعاون في انتاج وتسويق الغاز بهدف تجاوز تهديد تركيا. وبعد سنة تم توقيع الميثاق المشترك لتاسيسه، واصبح هذا المنتدى هيئة رسمية ضمت كان من بين أعضائها المؤسسين الى جانب إسرائيل مصر، اليونان، قبرص، إيطاليا، الأردن والسلطة الفلسطينية، وانضمت اليه لاحقا فرنسا.

حلم هذا المنتدى ذهب بعيدا وازدادت طموحاته بشكل كبير. وقد أشاد وزير الطاقة في حينه يوفال شتاينيتس في وصفه للمستقبل الذي ينتظر المنتدى، الذي سيشمل ضمن أمور أخرى، مد أنبوب نفط يربط بين ينبع، المدينة السعودية على ساحل البحر الأحمر، وايلات؛ وخط أنبوب غاز لنقل الغاز من إسرائيل عبر قبرص الى إيطاليا؛ وبالطبع التعاون الأمني كما تقتضي الحاجة لحماية هذا المشروع الضخم. وقد خصص الاتحاد الأوروبي الذي انضم للولايات المتحدة والبنك الدولي بصفة مراقب في هذا المنتدى اكثر من 80 مليون دولار لدراسة جدوى المشروع الذي كان من المفروض، حسب شتاينيتس، أن ينتهي في غضون ست – سبع سنوات.

على الرغم من اسم المنتدى الا انه لم يضم دول متوسطية مثل لبنان وسوريا، وبالطبع تركيا. كانت تلك فترة مضطربة طالبت فيها تركيا بحقوق التنقيب على طول سواحل قبرص، وكادت تنشب بينها وبين اليونان مواجهة عسكرية عنيفة. وكانت سوريا في عهد الأسد عدوة لتركيا منذ 2012 بسبب رفض الأسد الاستجابة لدعوات اردوغان وقف المذابح ضد الشعب السوري.

بعد سنة أصبحت مصر منافسة، بل وعدوة لتركيا. فمنذ العام 2013، السنة التي استولى فيها عبد الفتاح السيسي على السلطة بعد عزل وسجن الرئيس المنتخب محمد مرسي، المنتمي لحركة الاخوان المسلمين، لم يعترف اردوغان بشرعية نظام السيسي، ووصف الإطاحة بمرسي بأنها “انقلاب عسكري”، وحصلت قيادة حركة الاخوان المسلمين على ملجأ آمن في تركيا، بينما تحطمت طموحات اردوغان في بناء موطيء قدم في مصر، ومنها الى افريقيا عبر مرسي. عندها وجدت مصر مبرر جديد لتشكيل تحالف اقتصادي مناهض لتركيا. ففي العام الذي تاسس فيه هذا التحالف وقعت تركيا على اتفاق مع ليبيا لترسيم الحدود البحرية بين الدولتين، الامر الذي اعتبرته القاهرة تهديد مباشر للممر البحري لنقل الغاز السائل من مصر الى أوروبا.

منذ ذلك الحين شهد المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط تحولات كثيرة، وتغيرت ملامحه بشكل جذري. فالمصالح السياسية والاقتصادية الجديدة أدت الى عودة تركيا الى حضن مصر، وفي 2023، بعد فترة صعبة، تم استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. وتحالفت السعودية والامارات، التي كانت تنظر الى تركيا بانها “عدوة اكثر خطرا من ايران”، كما وصفها سفير الامارات في واشنطن يوسف العتيبة، وبدأت الدولتان في استثمار مليارات الدولارات في تركيا. وبعد سنة أطاح احمد الشرع، احد المقربين من تركيا، بنظام الأسد واستولى على الحكم، الامر الذي جعل تركيا هي القوة السياسية والعسكرية المحركة في سوريا.

في نفس الوقت بعد الاستثمارات الضخمة والإدارة الذكية لاستراتيجية سياسية وعسكرية، تركيا العضوة في الناتو، أصبحت دولة عظمى، إقليميا وعسكريا. فهي تمتلك ثاني اكبر جيش في الحلف، وهي جزء لا يتجزأ من الفضاء العربي، ونفوذها في القوقاز في ازدياد ورئيسها صديق شخصي لدونالد ترامب، مثلما هي الحال مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين. اردوغان لم يكن بحاجة الى لافتة انتخابية مكتوب عليها “زعيم من نوع مختلف”.

من الحلم السياسي لمنتدى الغاز لم يبق الكثير. فقد تعثرت عملية التطبيع مع السعودية، التي كانت الشرط الأساسي لمد خط أنبوب النفط البري الى إسرائيل ومنها الى أوروبا. ويتوقع ان تشكل اتفاقية الغاز الضخمة مع مصر مصدر دخل مهم لإسرائيل، ولكن مصر أوضحت بان الاتفاقية هي مجرد “صفقة تجارية” ولن تؤثر على موقفها السياسي من إسرائيل. في هذا السياق تجدر الإشارة الى انه لم يتم تعيين سفير جديد لمصر في تل ابيب حتى الآن، أيضا اعتماد سفير إسرائيل في القاهرة يتاخر. وفي الوقت الذي تقيم فيه إسرائيل علاقات وثيقة مع اليونان وتعتبرها شريكة في بناء محور مناهض لتركيا في المنطقة، يجدر التنويه الى ان مصر واليونان وقعتا على اتفاق تعاون استراتيجي في أيار الماضي، وفي الأسبوع الماضي صرح سفير اليونان في القاهرة، نيقولاس بابا جورجيو، علنا بان “العلاقات بين مصر واليونان تعتبر من الأقوى في الشرق الأوسط”.

ربما بعد اعادة ترميم قوة الرد السريع مع اليونان وقبرص ستحظى أيضا العلاقات بين إسرائيل واليونان بالتعريف نفسه، شريطة الاتفاق في البداية على قيادة هذه القوة، وبالتحديد المعايير التي ستحدد العمل العسكري المشترك. وهناك تساؤل آخر حول كيفية تاثير العلاقات بين اليونان وقبرص وبين مصر، وعلاقات مصر مع تركيا على التعاون العسكري مع إسرائيل، في حالة دعت الحاجة الى تفعيل قوة الرد السريع. ويتوقع ان يزور اردوغان مصر في بداية السنة القادمة، حيث سيترأس جلسة للمجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي بين الدولتين، ستناقش ضمن أمور أخرى، التقدم الذي تم احرازه في خطة إعادة اعمار غزة والنسيج الإقليمي للعلاقات، إضافة الى تهديد “التحالف الثلاثي”.

الامر الأكثر وضوحا هو ان هذا التحالف الذي يكتسب أهمية خاصة في ظل عزلة إسرائيل الإقليمية والدولية، لن ينتقص من نفوذ تركيا في سوريا، التي تعتبر فيها عامل محوري في العملية السياسية وعملية صنع القرارات السياسية لدى احمد الشرع. وتنسق تركيا وسوريا وامريكا عملية دمج الاكراد السوريين في الجيش السوري بهدف استكمال سيطرة الشرع على المحافظات الشمالية في البلاد. في المقابل ينظر الى إسرائيل حتى في واشنطن كعامل يسعى الى عرقلة هذه العملية وتقويض سيطرة الشرع وحث الدروز على المطالبة بالحكم الذاتي الذي من شأنه ان يعرقل أي ملامح لدولة سورية موحدة.

هذه ليست العصبة الوحيدة التي تضعها إسرائيل امام خطة ترامب. فتصميمها على عدم السماح لقوة تركيا بالمشاركة في قوة الاستقرار متعددة الجنسيات المزمع انشاءها في غزة كغطاء امني لاعادة تأسيس الإدارة المدنية هناك فانه ينظر اليه كعقبة أخرى امام تجنيد دول عربية وإسلامية أخرى للانضمام لهذه القوة. وفي مؤتمر عقد في أبو ظبي في بداية هذا الشهر صرح المبعوث الأمريكي الخاص في سوريا توم باراك بانه لو كان مستشار نتنياهو لكان ابلغه بان الموافقة على مشاركة تركيا هي “اذكى شيء يمكن ان يفعله نتنياهو”. ويحتمل ان تثار هذه “النصيحة” من جديد، هذه المرة على لسان ترامب، عندما سيلتقي مع نتنياهو في الأسبوع القادم ويحاول إقناعه بالتراجع عن معارضته، أو وضع شروط وتحفظات تسمح بمشاركة تركيا.

في نيسان الماضي عرض ترامب خدماته كوسيط بين إسرائيل وتركيا. فقد قال ترامب للمراسلين بعد اللقاء بينه وبين نتنياهو: “انا اعتقد اننا نستطيع حل أي مشكلة لكم مع تركيا، طالما أنكم تتصرفون بمنطقية. ويجب أن تتصرفوا بمنطقية”. وجاءت هذه التصريحات في الإشارة الى الازمة التي تعصف بالمحادثات المتعلقة بالترتيبات الأمنية في سوريا. وفي نفس المؤتمر في أبو ظبي صاغ باراك رغبة ترامب بشكل اكثر دقة. في مرحلة معينة ستوجد تركيا وإسرائيل علاقات بينهما، سواء في اطار اتفاقات إبراهيم أو اتفاقات سليمان أو كلاهما. هذا امر منطقي، لكن المنطق ليس شرط دائم لبناء العلاقات بين الدول. وعندما يصور الخطاب السياسي والعام في تركيا وإسرائيل بانهما دولتان عدوتان فانه يصعب تصور عودة نتنياهو واردوغان الى تطبيع العلاقات كما فعلا في 2016 و2022. ولكن ربما يوافق الشخص الموجود في البيت الأبيض والذي يتفاخر بانهاء ثمانية حروب على تولي مهمة إدارة جبهة أخرى وفرض منطقه عليها.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى