هآرتس: حتى لو قتل كبار قادة حماس في الهجوم فان قيادة المنظمة ستتعافى

هآرتس 11/9/2025، جاكي خوري: حتى لو قتل كبار قادة حماس في الهجوم فان قيادة المنظمة ستتعافى
الهجوم على مقر حماس أول امس في الدوحة احتل الصدارة في العناوين. العاصمة القطرية التي تحولت في العقد الاخير الى بؤرة مركزية للدبلوماسية الاقليمية، سلطت عليها الاضواء. هل كبار قادة المنظمة قتلوا؟ هل هذه هي نهاية المفاوضات الهشة أصلا؟ من السابق لاوانه معرفة ذلك.
الرد القطري يتوقع ان يكون دبلوماسيا وقضائيا، مدعوم بحملة كبيرة، التي يمكن لكثير من الاموال ان تمولها. المنشأة التي هوجمت بالتاكيد سترمم. ايضا في قيادة حماس، سواء قتل كبار قادتها أم لا، دائما ستظهر اسماء جديدة أو ان اسماء قديمة ستعود الى الواجهة، مثل خالد مشعل، موسى ابو مرزوق وغيرهم. هذه بورصة وظائف لا تتوقف. بعد فترة سيتفقون على استئناف المفاوضات وسيجدون الوسيط المناوب أو مبعوث لجهة معينة الذي سينقل مسودة الاتفاق.
مع ذلك، يجب عدم التشوش. القصة الحقيقية مع كل الاحترام للدوحة، تحدث في غزة. التوجيهات الاسرائيلية بشأن اخلاء كل سكان المدينة هي ابعد بكثير من اجراء عسكري. بالنسبة للفلسطينيين الامر لا يتعلق فقط بمأساة انسانية فورية، بل بانهيار سردية كاملة. بالنسبة لهم فان غزة لم تكن مجرد مدينة، بل “عاصمة المقاومة”. هي اعتبرت رمز الى جانب مدن اخرى تمثل معنى تاريخي مثل بيروت في الثمانينيات وبغداد في حرب الخليج الاولى والثانية. الآن هذه المكانة انهارت.
السخرية لاذعة. في ايلول 1993 تم التوقيع فوق العشب الاخضر في البيت الابيض على اتفاق اوسلو. وبعد بضعة اشهر، تحت غطاء من الغبار ولافتات الأمل عاد رئيس م.ت.ف، ياسر عرفات، الى غزة. المدينة الفقيرة والتي تسود فيها الفوضى تم عرضها كنقطة البداية لاقامة الدولة الفلسطينية. عرفات خرج منها في طلعات الى اريحا ومدن اخرى في الضفة لالقاء الخطابات الحماسية من اجل تجسيد حلم سياسي. غزة في حينه كانت الرمز لسنونو الاستقلال. ومنذ ذلك الحين مرت بعدد لا يحصى من المواجهات، بالاساس الانتفاضة الثانية في تشرين الاول 2000 وعملية “السور الواقي” وخطة الانفصال في 2005 وسيطرة حماس على القطاع في 2007. مع ذلك، رغم الدمار والدماء تم الحفاظ على مكانة المدينة الرمزية.
بعد مرور 32 سنة على توقيع اتفاق اوسلو الصورة تغيرت. غزة لم تعد النقطة التي ستنمو منها الدولة، بل مدينة حكم عليها بالاخلاء. سكانها مطلوب منهم الاخلاء. بعضهم يتوقع أن يبقوا اعتقادا منهم بانهم سيتدبرون امرهم، أو من خلال اليأس والاعتقاد بأنه لا يوجد مكان ليذهبوا اليه. للمرة الاولى في التاريخ هذه المدينة نفسها مخصصة للتدمير والتسوية بالارض. هذا لم يعد فصل آخر في الحرب. بل سردية تريد اسرائيل ترسيخها في وعي الفلسطينيين، التي بحسبها 7 اكتوبر لن يؤدي الى اقامة الدولة الفلسطينية، حتى لو كان ذلك مرفق باعتراف دولي، بل سيؤدي الى دمار مطلق وطرد ومعاناة لم تشاهدها غزة في أي وقت، هذا بهدف اغلاق الدائرة على حلم تقرير المصير. اسرائيل ربما ستضع اشارة “في” على لوحة العمليات العسكرية، وتملي على الفلسطينيين كيفية العيش في القطاع لجيل أو اثنين، أو أنها ستطبق خطة الضم في الضفة الغربية؛ لكن في العالم العربي وبالنسبة لكثيرين في المجتمع الدولي فان اخلاء مدينة غزة سيسجل كوصمة اخلاقية.
غزة ليست فقط منطقة جغرافية، بل هي شيء رمزي وعاطفي. الذاكرة ستتواصل مثلما بيروت تحمل حتى الآن ندب العام 1982، بما في ذلك الدبابات الاسرائيلية التي تجولت في شوارعها واحتلت عاصمة عربية واجبرت قوات م.ت.ف على الخروج الى المنفى. قصتها ستنقض في الذاكرة الجماعية مثلما في بغداد يتذكرون العلم الامريكي على تمثال صدام حسين في 2003. لا توجد أي مدينة عربية محصنة، وهكذا غزة ايضا. القصة ليست فقط تدمير مدينة، بل سقوط رمز، بل هي وصمة سوداء، لن ينجح الزمن وحده في محوها، حتى لو لاجيال.