ترجمات عبرية

هآرتس: تغيير مكانة ثلاث قرى في الضفة يدل على أن الضم عمليا بدأ منذ زمن بعيد

هآرتس 29/9/2025، عميره هاستغيير مكانة ثلاث قرى في الضفة يدل على أن الضم عمليا بدأ منذ زمن بعيد

اكوام القمامة المتراكمة والسيارات المعطوبة التي تقف بين السيارات الجديدة، تستقبل الداخلين الى القرية الصغيرة في شمال غرب القدس، قرية النبي صموئيل. نظرة الى البيوت غير المرتفعة والمحاطة بالاخشاب والالواح الخشبية تظهر ان الحدائق التي كانت يانعة ذات يوم قد ذبلت. الشارع معبد، كومة من حجارة البناء تدل على بيت قامت السلطات بهدمه منذ فترة قصيرة، في البقالة لا توجد سلع. “نحن تعبنا”، هكذا لخصت نوال بركات الوضع، وهي معلمة رياضيات وتعمل الآن سكرتيرة في المدرسة الصغيرة في القرية. اعلانها كان مفاجيء: بالتحديد هي – المبتسمة والمرحبة – تنشط طوال الوقت في محاولة تنظيم وتحسين الوضع الاجتماعي للسكان ومعنوياتهم.

المدرسة هي غرفة واحدة في مبنى قديم، منعت السلطات توسيعه. في السابق تعلم الاولاد في غرف عالية في قرى مجاورة، مثل بيت اكسا التي تقع جنوب غرب القرية. ولكن منذ 2006 فان اجمالي مكونات جدار الفصل – الجدران، الاسوار، شوارع الدوريات العسكرية والحواجز – فصلت قرى المنطقة عن بعضها. الان يتعلم في المدرسة ايضا اولاد من حي الخلايلة الذي يبعد 5 كم نحو الشمال. الحي تابع لقرية الجيب، لكن الحاجز الذي يفصل بينه وبين القرية يمنع امكانية التعلم بشكل منتظم فيها. المعلمون في مدرسة النبي صموئيل التابعة لوزارة التعليم الفلسطينية جميعهم من شرقي القدس، لان اسرائيل تمنع الفلسطينيين من مناطق الضفة الغربية من الدخول الى هذه المنطقة. عدد من المباني الجاهزة اضيفت للمدرسة، وهي محاطة بسور مرتجل.

المنطقة المحظور دخول الفلسطينيين اليها تنتهي في الشمال بشارع 443 المخصص للاسرائيليين فقط وبمعسكر عوفر العسكري، وفي الجنوب تنتهي بحي راموت الذي يقع خلف الخط الاخضر. عند السفر عبرها باتجاه مستوطنات جفعات زئيف وجفعون الجديدة، سريعة التوسع، يبدو كل شيء وكأنه اسرائيلي – الطرق، اللافتات، القرميد والاشارات الضوئية المنظمة. هذا من اوضح الاماكن التي تثبت وجود ونجاح الضم غير الرسمي.

في 7 ايلول الماضي وقع الجنرال آفي بلوط على امر عسكري يعلن هذه المنطقة، وقرية بيت اكسا، منطقة تماس بين الجدار الفصل والخط الاخضر. الدخول اليها والتواجد فيها محظور على الفلسطينين الذين لا يعيشون فيها. هذا الاعلان شوش السكان الفلسطينيين لان كل المحظورات والقيود تسري عليها تقريبا منذ عشرين سنة. حسب الادارة المدنية في جلسة الكابنت في 26 آب تقرر تغيير تعريفها، و”طبقا لذلك تم تعزيز عمل موظفي الادارة المدنية للمساعدة في تنفيذ القرار”، قيل للصحيفة. هكذا، اسرائيل وسعت منطقة التماس 7 في المئة تقريبا، 20 ألف دونم الذي هو جيب النبي صموئيل وبيت اكسا. مع هذه الاضافة فان منطقة التماس والحاجز الذي بني حتى الآن بطول 492 كم تبتلغ 320 كم من اراضي الضفة الغربية (التي تبلغ مساحتها الكلية 5800 كم مربع)، هذا حسب بيانات الباحث في شؤون النزاع الدكتور شاؤول اريئيلي.

البيان عن اغلاق المنطقة واصدار تصاريح مكوث لمن يعيشون فيها اثار موجة تقديرات وتخوفات بان الامر يتعلق ببداية عملية الضم الرسمية التي يدفع بها قدما الوزير سموتريتش. مصدر امني قال لـ “هآرتس” بان الخطوات المذكورة اعلاه لا تدل على انهم في الادارة المدنية بدأوا باجراءات ضم الامنطقة. “كل قرار حول هذا الامر سيتم اتخاذه في المستوى السياسي”، قال.

بركات اشارت الى انه قبل بضعة اشهر جاء موظفو الادارة المدنية وقاموا باحصاء وتسجيل الاشخاص الموجودين في البيوت. احصاء مشابه تم اجراءه ايضا في العقد الماضي. في بداية الشهر قالت بان السكان حصلوا على بيان من المجلس المحلي يفيد بانهم سيجدون لدى منسق اعمال الحكومة في المناطق تصريح مكوث شخصي في المنطقة. الشخص الذي ابلغ المجلس هو ممثل وزارة الشؤون المدنية الفلسطينية، الذي يتلقى التعليمات من الادارة المدنية. في موازاة ذلك قيل لهم بانه عليهم التوجه الى مكتب الادارة المدنية في حاجز قلندية واستصدار هناك بطاقة هوية ممغنطة، التي هي بطاقة هوية شخصية بيومترية. ولزيادة التشويش، في التصريح الرقمي كتب انه لا توجد حاجة الى الهوية الممغنطة. لون البطاقة الممغنطة البرتقالي، وليست البيضاء كالعادة، اقلق السكان.

بعض صيغ التصريح وشروطه تبدو متناقضة وزادت التشوش والخوف. مثلما في كل تصريح حركة تصدره الادارة المدنية يشار الى الهدف الذي اعطي من اجله، هنا الهدف هو “ساكن جديد في منطقة التماس”. هذا التعريف غير مفهوم، قالت بركات. بيت اكسا والنبي صموئيل هي قرى قديمة، والعائلات الفلسطينية تعيش فيها منذ مئات السنين. حي الخلايلة اقيم في بداية السبعينيات. المصدر الامني وافق على ان صياغة “ساكن جديد في منطقة التماس” غير ناجحة. ولكنه قال للصحيفة بان القصد هو ان هذا التصريح جديد. حسب قوله ايضا يجب عدم اعطاء أي اهمية خاصة للون البطاقة الممغنطة البرتقالي. وقد تم اعطاء مهلة للسكان حتى 9 تشرين الثاني كي يرتبوا امورهم، وبعد ذلك ستصبح هذه التصاريح سارية المفعول.

الهدف المشار اليه في التصريح هو “منطقة تماس”، رغم ان الوثيقة نفسها هي “تصريح دخول الى اسرائيل”، الذي “لا يشمل المكوث في ايلات”. في نفس الوقت مكتب فيه ايضا “من يحمل هذا التصريح مسموح له الدخول الى اسرائيل، لكن فقط الى المكان والهدف الذي تم تحديده فيه”، أي ان المكان والهدف هو منطقة التماس. مزيج الصياغات هذا يمكن ان يدل على ان السلطات تعتبر منطقة التماس كارض اسرائيلية، التي بالصدفة يعيش فيها عدد من الفلسطينيين الذين حصلوا على تصاريح من اسرائيل للمكوث في بيوتهم.

اعتبار المنطقة كاسرائيل طرح ايضا في المحادثة الطارئة في الاسبوع الماضي في بيت اكسا بين السكان والمحامين. نفس الصياغات توجد ايضا في التصاريح التي اعطيت للسكان في مناطق “تماس” اخرى، مثل جيب برطعة في شمال غرب الضفة الغربية. ايضا في تصاريحهم تعتبر منطقة التماس كاسرائيل. في نفس الوقت محظور عليهم الخروج منها الى اسرائيل. هذا مثال على الضم الفعلي من خلال اللغة والوعي الذي تشكله.

المنطقة الواقعة شمال بيت اكسا والنبي صموئيل كانت حتى بداية سنوات الالفين منطقة رابطة وتعج بالحياة بين شرق القدس وقرى المنطقة. بلدات بير نبالا وبيتونيا ومدينة رام الله. الان هذه المنطقة تقريبا شبه فارغة من الفلسطينيين. الجيش والادارة المدنية يمنعان ايضا سكان القرى القريبة الذين توجد لهم اراضي في هذا الجيب من الوصول اليها وفلاحتها، باستثناء بضعة ايام في السنة. سكان النبي صموئيل وحي الخلايلة سمح لهم حتى الآن بالدخول الى المنطقة والخروج منها في حاجز الجيب الذي توجد فيه قائمة باسمائهم. سكان بيت اكسا منعوا منذ عشرين سنة من السفر في الشارع الاقليمي الذي يربط بيتونيا والجيب مع المدخل الشرقي للقرية الذي تم اغلاقه. هم اضطروا الى السفر في طريق طويلة في شارع ترابي حفره الجيش الاسرائيلي في العقد الاخير في القرن الحالي. على المدخل الغربي للقرية، في الطريق من قرية بدو، يوجد حاجز يسمح لهم فقط بالدخول. صعوبات العزلة والانقطاع ادت الى تقديم عدة التماسات للمحكمة العليا. بيان الدولة عن اعتبار بيت اكسا منطقة تماس كان ردا على الالتماس الاخير.

حسب المصدر الامني فانه حتى نهاية السنة يجب على سكان القرى الثلاثة تقديم اثبات بانهم لم ينقلوا مكان السكن الى منطقة اخرى. عندها سيحصلون على تصريح مدته اربع سنوات من اجل المكوث في بيوتهم والوصول اليها. هذا الطلب ايضا، اثبات مكان السكان، يثير قلق السكان.

ابناء العائلة، حتى من الدرجة الاولى، والاصدقاء في مناطق الضفة الغربية لن يسمح لهم بزيارة هذه التجمعات الثلاثة الا في حالات استثنائية. التصاريح لمقدمي الخدمات تعطى بالقطارة. مثلا، فقط مرة في الشهر تاتي شاحنة لاخلاء القمامة في النبي صموئيل. الجنود على الحواجز يحددون نوع الاغراض وكمية الطعام التي ينقلها الاشخاص في سياراتهم. رغم ان الامر يتعلق بعائلات كبيرة والحاجة الى التوفير في شراء الغذاء من خلال العبوة الكبيرة. 

في 1971 طرد الجيش سكان النبي صموئيل من البيوت القديمة الموجودة على سفح القلعة الصليبية، المسجد وقبر النبي شموئيل، حسب الاعتقاد التقليدي. من بقوا بعد الطرد وهدم بيوتهم انتقلوا الى السكن على سفح التلة، في بيوت صغيرة لسكان آخرين لم يعودوا من الاردن. خلال سنوات بعد ذلك حاولت السلطات ونشطاء يهود افراد شراء اراضي السكان، بنجاح جزئي ينطوي على ادعاءات تزوير وثائق. القرية ببيوتها وآثارها واراضيها الزراعية اعلن عنها في 1995 كحديقة وطنية. القرية تتميز بالمدرجات الاثرية، لكن يحظر على سكانها فلاحة اراضيهم وتربية القطعان. في هذه القرية وفي حي الخلايلة وفي اجزاء واسعة في بيت اكسا تمنع الادارة المدنية السكان من البناء وحتى اضافة طوابق لبيوتهم من اجل استيعاب العائلة التي توسعت.

هذه العوامل معا منعت التطور الطبيعي للقرى الثلاثة، واجبرت بعض الاشخاص على البحث عن مكان سكن بديل في الضفة الغربية، رغم أن العنوان في بطاقة الهوية بقي على حاله. هناك ايضا من يتواجدون في الخارج لفترة طويلة. عدد من يعيشون في هذه التجمعات أقل مما يمكن أن يكون في ظروف طبيعية، 2000 شخص في بيت اكسا وبضع مئات في التجمعين الاخرين. الآن، مع واجب حمل التصريح الجديد فان الخوف هو ان الكثيرين الذين يوجدون خارج بيوتهم لن يسمح بعودتهم اليها.

عندما اسست اسرائيل نظام التصاريح وحظر الدخول الى منطقة التماس في بداية القرن الحالي، وعدت المحكمة العليا بان حق الملكية وفلاحة الارض من قبل المزارعين (الذين يعيشون شرق الجدار) لن يتم المس به. ولكن مع مرور السنين فان عدد التصاريح الذي اعطي لاصحاب الاراضي من اجل الوصول الى اراضيهم في تناقص. في السنتين الاخيرتين منعت اسرائيل بشكل كامل الوصول اليها، ولن يسمح لهم بقطف الزيتون، وحتى في جيب النبي صموئيل. هذه المناطق الزراعية اصبحت منذ زمن مناطق للتنزه ورئة خضراء للمستوطنات.

في حالة استكمل بناء جدار الفصل وشمل المسار المخطط له، 716 كم مربع، فستكون المنطقة المحظور دخول الفلسطينيين اليها 540 كم مربع. اضافة الى ذلك هناك مناطق واسعة في الضفة الغربية مغلقة رسميا امام مكوث الفلسطينيين وفلاحة الاراضي والرعي والسكن لاسباب مختلفة (بالاساس مناطق تدريب، وقرب المستوطنات). حسب حسابات جمعية “كيرم نبوت” فانه في 2015 احتلت هذه المناطق ثلث اراضي الضفة الغربية، 1770 كم مربع. في السنوات الاخيرة البؤر الاستيطانية والمزارع سيطرت برعاية الجيش الاسرائيلي على 14 في المئة تقريبا من اراضي الضفة، أي 780 كم مربع. هذا حسب بحث مشترك لحركة “السلام الآن” وجمعية “كيرم نبوت”، الصادر في شهر نيسان الماضي. حسب هذا البحث فان 324 كم مربع هي داخل ما يعتبره الجيش الاسرائيلي مناطق تدريب. بكلمات اخرى، باستثناء التداخلات يجري ضم منطقة بمساحة تبلغ 2220 كم مربع بحكم الامر الواقع. مع حظر تواجد الفلسطينيين فيها أو الحد من ذلك الى الحد الادنى، سواء بأمر رسمي أو بقوة السلاح وتهديد البؤر الاستيطانية. وفيما يتعلق بالضم غير العلني والتعامل مع التواجد الفلسطيني على أنه “عرضي” فان منطقة النبي صموئيل ومنطقة بيت اكسا ليست امر فريد.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى