هآرتس: بينيت يبعث رسالة لنتنياهو، ويحذر رؤساء المنظومة الامنية … لخياراتكم ستكون تداعيات

هآرتس – عاموس هرئيل – 22/9/2025 بينيت يبعث رسالة لنتنياهو، ويحذر رؤساء المنظومة الامنية … لخياراتكم ستكون تداعيات
البيان الذي نشره امس (الاحد) نفتالي بينيت استثنائي في طابعه. رئيس الحكومة السابق، الذي يستعد بلا شك للعودة والمنافسة في الانتخابات القادمة، نشر ما وصفه بـ”بيان تعزيز خاص لشاغلي المناصب في الخدمة العامة ولجهات انفاذ القانون”. يوضح انه سئل من قبل “عدد لا يحصى من الناس ما اذا كانت ستجري انتخابات اصلا” ويعد: “لن نسمح لاحد بتأجيل الانتخابات او التشويش عليها”. بهذه المناسبة، يكتب بينيت، هو يتوجه الى رؤساء المنظومة الامنية والى رجال انفاذ القانون، ويبين انه مدرك للضغوط الهائلة الممارسة عليهم، لكنه يطلب: “لا توافقوا على خرق القانون او ليّ القواعد بسبب ضغط سياسي. انتم تتحملون المسؤولية عن افعالكم. لا تخافوا. قريبا ستستبدل الحكومة الحالية”.
يُنشر البيان على خلفية تقديرات وتكهنات، طُرحت باطراد في الاسابيع الاخيرة، مفادها ان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لا يكتفي بادارة حرب ابدية ضد حماس في غزة، بل سيبحث عن ذرائع لتأجيل الانتخابات الى ما بعد موعدها المحدد قانونيا في تشرين الاول 2026، بذريعة حالة طوارئ امنية. منظمات الاحتجاج وكتل المعارضة يكثرون من الحديث عن نية للمساس بنزاهة الانتخابات، وردع الناخبين العرب عن التصويت ويؤدي الى شطب احزاب عربية من الترشح. نتنياهو لا يبعث حتى الان اشارات ان هذه نيته. لكن اذا تحقق سيناريو كهذا، فسيكون مطلوبا سياق امني – ومن المشكوك فيه ما اذا كان الاحتكاك العسكري المتواصل في غزة سيكون كافيا.
ومن الرد على اقوال بينيت، الذي سدده الساحب السريع للمسدس في الغرب، وزير الدفاع يسرائيل كاتس، يُلمح ايضا الى السياق. لقد كتب كاتس ان “بينيت يصرح بانه مدرك للضغوط على رؤساء المنظومة الامنية لمنع اجراء الانتخابات، تماما كما كان “مدركا” لخطة الهجوم على ايران، التي عارضها اياما قليلة قبل ان تنطلق”. ووصف بينيت بانه “منفصل عن اي صلة امنية ورجل مختلق. كفى استخدام مقدسات المنظومة الامنية لاغراض سياسية رخيصة”. كلمات كالسياط من الرجل الذي يحرص على ان يسبق الناطق باسم الجيش في البيانات عن الهجمات في اليمن ويصر باستمرار على استخدام المقاتلين كأدوات مساعدة وكـ “كومبارس” منذ توليه منصبه في تشرين الثاني الماضي.
لكن الاهم من ذلك، كما قيل، هو خلفية الخلاف. يبدو ان بينيت يلمح الى ان الحكومة تنوي رفع التوتر مجددا في الساحة الايرانية. لقد سعى نتنياهو الى مهاجمة المواقع النووية في ايران تقريبا فورا بعد المجزرة التي ارتكبتها حماس في غلاف غزة في 7 تشرين الاول (وزير الدفاع السابق، يوآف غالنت، ضغط للعمل في لبنان؛ واضطر كلاهما الى الاكتفاء في المرحلة الاولى بالحرب في غزة). بعد ذلك، في نهاية 2024، امر رئيس الحكومة بتسريع الاستعدادات للهجوم في ايران، الذي نال ختم الشرعنة النهائي من رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب في مطلع حزيران الاخير. حتى عندما انطلقت العملية، كان في الجيش من تساءل الى اي حد يسترشد نتنياهو بدوافع شخصية وسياسية، مثل الحصول على تأجيل اضافي في محاكمته. تركيبة الظروف التي نشأت – دلائل على تقدم معين لايران في برنامجها النووي، انتاج جماعي لصواريخ باليستية، الفرصة النادرة التي وفرها الضوء الاخضر من ترامب – قادتهم الى تأييد الهجوم.
السؤال هو ما الذي سيحدث اذا تكرر الامر خلال السنة القادمة، في توقيت سيكون مريحا لنتنياهو. بينيت، الذي شغل منصب مدير مكتبه عندما كان رئيسا للمعارضة ولاحقا كان حليفه السياسي، يعرف شيئا او اثنين عن الطريقة التي يتصرف بها نتنياهو حين يكون ظهره الى الحائط. لقد صيغ البيان بصيغة مبهمة وموحية بما يكفي لاثارة الاعلام، ولكن ايضا للاشارة الى موظفي الجمهور المعنيين. لكن اكثر مما يوجه بينيت حديثه اليهم، فهو يبث لنتنياهو بانه يتابع مخططاته.
في الخلفية تقف عملية الاغتيال الفاشلة لفريق التفاوض التابع لحماس في قطر، في مطلع هذا الشهر. رغم ان معظم كبار المنظومة الامنية عارضوا الهجوم، لاسباب مختلفة، يصعب القول انهم اظهروا صلابة استثنائية وقت عملية اتخاذ القرار. فقد اصر نتنياهو على العملية – الفاشلة، المعيقة للمفاوضات لتحرير الرهائن، المعقدة للعلاقات مع الوسيطة قطر والكاشفة لقدرات عسكرية حساسة – وهي بالفعل انطلقت. يقول لهم بينيت: انهم ينظرون اليكم. حتى هذه الحكومة الجامحة والمتهورة ستنهي في النهاية ولايتها وكذلك انتم ستضطرون الى تقديم حساب على سلوككم في ظلها.
حتى اليوم لم ينجح نتنياهو في تعيين اشخاص على هواه في قمة المنظومة الامنية. رئيس الاركان الحالي، ايال زمير، مثال آخر في السلسلة. نتنياهو صحيح انه وقع على التعيين، الى جانب كاتس، لكن يُشك فيما اذا كان قد تصور ان رئيس الاركان، بعد ان تحطمت اوهامه بشأن هزيمة حماس مع تجدد الحرب في آذار الماضي، سيتمسك برأيه في الخلاف حول احتلال مدينة غزة. تحفظات زمير المتكررة، المسرّبة من كل تشاور امني، تصعب على نتنياهو تسويق نصر قريب وتبطئ تقدم القوات في دخول المدينة.
رجل الاسود والأبيض
توضع الآن على المحك للمرة الاولى محاولة للدفع قدما وبحق “بواحد منا”. لجنة اقرار التعيينات الرفيعة ناقشت امس للمرة الثانية تعيين اللواء في الاحتياط دافيد زيني في منصب رئيس الشباك. يحاول نتنياهو الدفع بالتعيين منذ ايار، لكنه اصطدم بصعوبات من جانب المحكمة العليا والمستشارة القانونية للحكومة. قريبا من المتوقع حسم الامر، بعد ان سمعت اللجنة معارضة اربعة رؤساء شباك سابقين، ومن جهة اخرى تأييدا من ضباط كبار في الاحتياط ، اخوة زيني في السلاح.
ربما الاهم من كل الشهادات شهادة زمير ورئيس الشباك السابق، رونين بار. زيني كتم سرا عن رئيس الاركان، قائده، بشان الاتصالات مع نتنياهو حول التعيين. عندما سمع زمير بذلك، سارع الى ابعاده عن الخدمة الفعلية في الجيش. بار، الذي اختار في النهاية ان يستقيل تحت الضغط غير المحتمل الذي مارسه عليه نتنياهو، لن يقف مباشرة ضد خليفته المرتقب، لكن من المرجح انه حرص على ان يفهم اعضاء اللجنة كيف يتدخل نتنياهو هنا. المشكلة، كما يتبين ايضا من افادات بار للمحكمة العليا وكذلك من افادات اسلافه، كامنة في الشخص المعيّن قبل ان تكون في المعيَّن. توثق الشهادات خطوات واسعة لنتنياهو هدفها التأثير على رؤساء الجهاز لاتخاذ خطوات غير ديمقراطية ضد خصومه السياسيين ونشطاء منظمات الاحتجاج، الذين اخرجته هو وعائلته عن طورهم في العقد الاخير باحتجاجاتهم واستفزازاتهم.
في خدمته العسكرية الطويلة، في غولاني ووحدات اخرى، ترك زيني وراءه مؤيدين كثيرين بين مرؤوسيه وقادته. لقد قدّروا مهاراته القتالية وكاريزما قائد عرف كيف يقود رجاله تحت النار. قليلون انبهروا من فهمه الاستراتيجي. يطرح مؤيدو التعيين حجتين مركزيتين: زيني سيدخل روحا جديدة الى الشباك في القتال ضد الارهاب، بعد دور الجهاز في الفشل في 7 تشرين الاول؛ وان ايمانه الديني الايديولوجي لا يجب ان يُستخدم ذريعة لعدم ترقيته. لقد تخلى نتنياهو تماما عن الاتكال على المراجعة التي اجراها زيني في فرقة غزة قبل الهجوم. الملاحظات التي تضمنها التقرير كانت ميكرو- تكتيكية. جزء منها، يقول مصدر عسكري، تناول الحاجة الى نزع الاعشاب قرب سياج الحدود.
لكن مركز الاهتمام في الشباك، المحتاج مثل جيش الدفاع الاسرائيلي الى عملية اعادة بناء، ليس غياب الروح القتالية. اما المواقف الفائقة التطرف لرئيس الجهاز المرشح ومحيطه فهي ذات صلة كبيرة بالمنصب، ولا سيما في الظروف الحالية. نتنياهو لا يبحث فقط عن رئيس جهاز لإحباط الارهاب، بل عن قائد شرطة سرية يُظهر له ولاء شخصيا. هذا ما يشدد عليه مرارا وتكرارا، في مداولات الحكومة والكابنيت، كعبرة تعلمها من الولايه الثانية لصديقه ترامب.
لرئيس الشباك، بحكم منصبه الاضافي كقائد شرطة سرية، قدرات كامنة هائلة، يُلمح اليها ايضا في الافادات التي قُدمت الى غرونيس: مراقبات لسياسيين ونشطاء احتجاج، مضايقات، تنصتات، اعتقالات. يُشك في ان زيني، وهو شخص يصفه حتى اصدقاؤه بانه رجل ابيض واسود، يستطيع الصمود في وجه طلبات نتنياهو – ولا سيما اذا قال له معلمه، الحاخام تسفي تاو، ان هذا ما يتعين عليه فعله. التعيين المخطط له هو بمثابة راية حمراء للديمقراطية الاسرائيلية. تكمن هنا، على المدى البعيد، مخاطر لا تقل شأنا عن تلك التي يلمح اليها بينيت.
في النهاية هنالك مخرب ينتظر
راس السنة هذا العام لن يتسم على ما يبدو بأجواء احتفالية خاصة. في الواقع، يبدو ان تاريخا آخر يرفرف في الهواء، هو الذكرى الثانية لحرب 7 تشرين الاول، التي ستُحيى بعد 15 يوما. اذا كانت لاحد ما، بعد انقضاء السنة الاولى، اوهام بشأن نصر اسرائيلي سريع في القطاع، فقد تلاشت هذه منذ زمن. في الاسابيع الاخيرة الجيش الدفاع الإسرائيلي موجود في خضم خطوة برية جديدة، هدفها السيطرة على مدينة غزة. لكن، خلافا للاوهام التي تبثها الحكومة، يشك جزء كبير من الضباط في رئاسة الاركان وفي المقرات المتقدمة في فرص هزيمة حماس، ويشكك في عدالة الحرب في مرحلتها الراهنة.
ان تفكيك حماس كمنظمة عسكرية تحقق فعليا في مرحلة مبكرة – ثمة ضباط يتحدثون عن شباط 2024؛ وآخرون يدعون ان الامر وقع في ايار من السنة ذاتها او في اشهر الصيف من العام الماضي. هذه هي المرحلة التي توقف فيها التنظيم عن العمل كجسم ذو هرمية عسكرية وتحوّل مجددا الى حركة عصابات. معظم قدراته العسكرية دمّرت وقسم كبير من قادته الكبار قُتلوا، منذ العام الماضي. كان يفترض للنجاح النسبي لجيش الدفاع الاسرائيلي، بعد الفشل المروع في 7 تشرين الاول، ان يمنح المستوى السياسي سلما للتوصل الى تسوية سياسية تنهي الحرب. غير ان الحكومة، لاعتبارات سياسية (حاجة نتنياهو الى استمرار القتال لتأجيل محاكمته، احلام الضم لدى شركائه من اليمين المتطرف) امتنعت عن فعل ذلك.
منذئذ، تدرّ العملية في غزة ما يسميه الاقتصاديون غلة هامشية متناقصة. الانجازات العسكرية لم تعد توفر قيمة فعلية، فيما تتعلم حماس كيف تؤدي وظيفتها في حالة التكوّن الجديدة لديها. في الوسط، السكان الفلسطينيون عالقون. ما يقارب نصف مليون من السكان الذين احتشدوا في مدينة غزة فرّوا منها بالفعل. مناطق الاحتماء التي يُفترض انها تنتظرهم جنوب المدينة لا تستطيع فعلا ان توفر لهم ملاذا حقيقيا، ولا شروط معيشة محتملة. وكل يوم يُقتل عشرات كثيرة من المدنيين الفلسطينيين نتيجة هجمات جيش الدفاع الاسرائيلي.
“في النهاية سيبقى لنا دوما في بئر ما مخرب مع ار بي جي ودافعية. ما دام لا توجد بدائل، لن ينبت في غزة اي شيء آخر او جديد”، يقول ضابط احتياط خدم في القطاع في جزء كبير من الحرب. “منظومة القيادة والسيطرة لدى حماس منهارة منذ زمن. ليست لديهم موارد حقيقية. عادوا الى تكييف انفسهم الى نمط عمل حرب العصابات، الذي يعمل في وضع الاختفاء واللسع. ما سنفعّله ضدها الآن لن يغيّر الصورة العسكرية. في كل تلك الاماكن في غزة – الزيتون، الشجاعية، صبرا – كنا منذ زمن هنا. سنواصل العمل هناك بطريقة السحق والاحتلال، لكن لا سبب للافتراض اننا سنحقق نتائج اخرى. من دون انهاء الحرب، لا سبب لدى حماس للتنازل عن الرهائن، بوصفهم الذخر الرئيسي الذي بحوزتها. وبعد ان نطهّر منطقة، وندمر كل ما فيها، سيكون هناك دائما العبوة التي تنتظر القافلة اللوجستية، تُسقط لنا قتلى وتبدأ كل القصة من البداية”.
سمة بارزة للحرب الحالية هي الدمار غير المسبوق الذي يتركه جيش الدفاع الاسرائيلي وراءه في القطاع. ما جرى في المراحل الاولى من الحملة تحت رقابة ما من الاعلى، فقد السيطرة منذ زمن. لم يعد الحديث عن المساس بممتلكات عسكرية لحماس، بل عن طريقة الارض المحروقة – تدمير كعقاب، يراد به ردع ليس فقط المسلحين بل ايضا السكان من العودة الى التجمعات التي تضررت. في الخلفية، تلعب ايضا اجندات ايديولوجية لقادة في الميدان، بمن فيهم ضباط في رتب منخفضة. في الضفة الغربية ينشئ المستوطنون الآن مزيدا من سرايا المعدات الميكانيكية الثقيلة، وافرادها يتجندون للقتال في غزة بترتيبات استثنائية. الهدف الواضح هو ابقاء خراب مادي كبير قدر الامكان.
مع ذلك، ليس كل شيء نابع من ايديولوجيا الضم والاستيطان. “حين لا تكون للمهمة العسكرية غاية حقيقية، وتكثر الشكوك، سيفعل القادة كل شيء لاعادة اكبر عدد ممكن من الجنود الى البيت. لا احد يريد ان يحمل على ضميره مزيدا من المقاتلين القتلى”، يقول مصدر عسكري. “الحرب تزداد طولا، والمنظومة تلقي كل المعضلات الاخلاقية على قائد السرية في الطرف، الذي ليست لديه خيارات كثيرة. السحق، التدمير، الاحتلال – قد تبدو جيدة في قاعدة نتنياهو السياسية. ولا شك ايضا ان بتسلئيل سموتريتش سعيد – هذا واضح. لكن اهداف الحرب يصعب رؤية كيف ندفعها قدما بهذه الطريقة”.