هآرتس – بقلم تسفي برئيل – رئيس الوزراء العراقي يضع حدودا للتدخل الايراني
هآرتس – بقلم تسفي برئيل – 2/7/2020
“ الى جانب عزل شخصيات رفيعة في الحكومة من مؤيدي طهران واعتقال قادة كبار في المليشيات الشيعية، فان الكاظمي يؤيد انسحاب الولايات المتحدة. ولكن من اجل اجراء تغيير استراتيجي حقيقي ازاء طهران سيكون عليه الانتظار الى الانتخابات القادمة والفوز فيها بأغلبية ساحقة “.
الجنرال اسماعيل قائني، قائد قوة القدس الايراني وخليفة قاسم سليماني، كانت هناك مفاجأة تنتظره في بداية شهر حزيران. لقد كان يجب عليه الحصول على تأشيرة دخول رسمية من وزارة الخارجية العراقية كي يستطيع دخول الدولة. هذا لم يكن يحدث لسليماني. فقد اعتاد على الدخول والخروج من العراق كما يشاء وفي أي وقت، بدون اذن وبدون تأشيرة، واحيانا بدون دعوة ايضا. ولكن منذ تم تعيين مصطفى القاضي لرئاسة حكومة العراق في شهر أيار، قرر بأن كل شخص يريد الدخول الى الدولة سيكون عليه الحصول على تأشيرة، بما في ذلك الشخصيات الرفيعة.
هذا لم يكن الاشارة الوحيدة على أن تدخل ايران في العراق سيجد نفسه امام حكومة تعيد النظر في حدود النفوذ الايراني. بعد فترة قصيرة على تعيينه بدأ الكاظمي بحملة لتقليص قوة مؤيدي ايران. وضمن امور اخرى، نقل عدد من ضباط الجيش وموظفين كبار من وظائفهم، على رأسهم كان فالح الفياض الذي كان مستشار الامن القومي في حكومة العراق في العقد الاخير – وهو الآن يترأس منظمة المليشيات الشيعية المدعومة والممولة من ايران، “قوات الحشد الشعبي. هذه المنظمة تحصل ايضا على ميزانية من الحكومة في بغداد.
الكاظمي فسر هذه الخطوة بأنه ينوي من الآن تقييد فترة عمل الضباط بخمس سنوات، وفحصهم حسب نوعية آدائهم. ولكن وراء التفسير الرسمي هذا يظهر أن رئيس الحكومة يسعى الى التخلص من الكثير من كبار النشطاء الذين يعتبرون من المؤيدين لايران. بالنسبة للمليشيات الشيعية المنسوبة لها الهجمات على اهداف امريكية في العراق وعلى اهداف سعودية، فان هذه ليست البشرى القاسية الوحيدة.
في شهر نيسان اثناء زيارته الاولى في العراق، التقى قائني مع قادة المليشيات ومنحهم خاتم فضة، كرمز للاخوة الشيعية، لكنه لم يحضر معه كما هو دارج الاموال، أو تعهدات مالية. وقد أوضح أنه من الآن ستضطر المليشيات الى الاعتماد على الميزانية الحكومية العراقية، 2 مليار دولار في السنة. التفسير لهذه التقليصات يمكن أن نجده في اقوال حميد حسيني، المتحدث بلسان شركات تصدير النفط الايرانية، الذي قال في الموقع الاقتصادي الايراني “ايلنا” بأن البنوك العراقية قامت بتجميد مليارات الدولارات التي تم ايداعها فيها بناء على طلب من الولايات المتحدة.
ضعف المليشيات الشيعية
منذ اغتيال قاسم سليماني بدأ ايضا ضعف في بنية المليشيات. عدد منها انشقت عن المنظمة الأم وانتقلت للخدمة تحت امرة الزعيم الديني علي السيستاني. في حين أن مؤيدي ايران بدأوا يطورون لانفسهم مصادر تمويل بديلة مثل جباية رسوم في الحواجز الفجائية والسطور على الممتلكات. وحسب تقارير عراقية فان قادة المليشيات المؤيدة لايران غير معجبين بشكل خاص بقائني. وهو ما زال لا يعرف الساحة السياسية والعسكرية في العراق. هو لا يتحدث العربية وفي اللقاءات معهم يستعين بمترجم.
الشريك العراقي لسليماني، أبو المهدي المهندس – الذي قتل هو ايضا في الهجوم الامريكي على بغداد في كانون الثاني – خطط لتحويل المليشيات الى قوة عسكرية مدربة بشكل جيد، تستطيع العمل ليس فقط كقوة عسكرية، بل ايضا السيطرة على الفروع المدنية، شبيها بحرس الثورة في ايران. لذلك، انشأ وحدة هندسة للمليشيات التي أخذت على عاتقها مشاريع لشق الطرق. وبعد ذلك كان ينوي اقامة وحدات مدنية يمكنها السيطرة ايضا على صناعة النفط. قتله اوقف هذه المشاريع وترك المليشيات معلقة في الهواء، منقسمة وبدون زعيم يتمتع بالكاريزما يمكنه توحيد صفوفها.
في الوقت الذي كان فيه قادة المليشيات يهضمون بشرى تقليص الميزانية، فان قوات وحدة محاربة الارهاب العراقية اقتحمت في الاسبوع الماضي قيادة “كتائب حزب الله”، وهي احدى المليشيات الكبرى التي انشأتها ايران في بغداد. في الاقتحام تم اعتقال 12 ناشط وتم ضبط سلاح وصواريخ. وحسب المخابرات العراقية، استهدفت مهاجمة اهداف امريكية في “المنطقة الخضراء” في العاصمة التي توجد فيها المكاتب الحكومية والسفارات وقيادة الجيش الامريكي.
هذه كانت المرة الاولى التي ينفذ فيها اقتحام بهذا الحجم ضد أحد المعاقل الايرانية المهمة في الدولة. في شهر كانون الاول الماضي بعد مهاجمة سلاح الجو الامريكي لقاعدة لكتائب حزب الله قرب بغداد، خرج الآلاف في مظاهرات ضد الامريكيين واقتحموا السفارة الامريكية. هذه المرة لم تخرج أي مظاهرة ضد الاقتحام. صحيح أن مقاتلي المليشيا جاءوا في قافلة مسلحة الى المنطقة الخضراء وطلبوا اطلاق سراح المعتقلين، لكن قوات الامن العراقية جعلتهم ينسحبون الى الخلف.
بين واشنطن وطهران
لكن هذه الخطوات لا تشير بالضرورة الى تغيير استراتيجي في سياسة العراق تجاه ايران. الكاظمي تم تعيينه بدعم من ايران والولايات المتحدة، الذي وضعه كشرط لموافقته على تولي هذه الوظيفة. رئيس الحكومة مطلوب منه الآن اجراء موازنة بين التدخل الايراني وبين تبعية العراق للولايات المتحدة، من خلال أخذه في الحسبان نسيج القوى السياسية في العراق.
قبل نحو ثلاثة اسابيع فتح الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن حول مسالة سحب القوات الامريكية من العراق. الولايات المتحدة اوضحت مرة اخرى بأنها لا تنوي البقاء في العراق وهي لا تنوي انشاء قواعد ثابتة على اراضيه، لكن الطرفين لم ينجحا في الاتفاق على جدول زمني لبدء الانسحاب أو انهائه. الموافقة الوحيدة في هذه الاثناء هي استمرار المحادثات في الشهر القادم. الانسحاب الامريكي هو طلب أملاه البرلمان العراقي وهو مدعوم من قبل حركات الاحتجاج التي اشعلت الساحة العراقية وأدت الى اسقاط الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي.
الكاظمي تعهد بأن يحقق انسحاب للقوات الامريكية، لكنه يعرف حاجة العراق للحصول على المساعدات الامريكية المالية والعسكرية، وايضا دعم الولايات المتحدة للقروض التي تحتاجها دولته من مؤسسات التمويل الدولية. في نفس الوقت، العراق الذي يستورد نحو 40 في المئة من احتياجاته من ايران ويشتري منها الكهرباء، ملزم بمواصلة والحفاظ على العلاقة الوثيقة مع النظام الايراني من اجل ضمان وجودها وقدرتها على دفع رواتب الموظفين. وكذلك لاصلاح فروع انتاجها من اجل توفير اماكن عمل لملايين العاطلين عن العمل.
إن تقييد وقوة ونشاط المليشيات الشيعية هو ضروري لبغداد من اجل ارضاء واشنطن، ولمنع هجمات امريكية اخرى على قواعد المليشيات وضمان تزويد السلاح والتدريب من قبلهم، الذي يحتاجه الجيش. الاستقرار في العراق والانسحاب الامريكي هما ايضا مصالح ايرانية، التي يمكن أن تقيد نشاطات الكاظمي ضد المليشيات الشيعية.
في المقابل، هي تتوقع أن يحقق رئيس الحكومة انسحاب للقوات الامريكية، وهكذا ستتسع نافذة تدخلها في العراق. كل طرف من الاطراف يعرف جيدا خارطة المصالح وقواعد اللعب وقيوده. واذا اراد الكاظمي تنفيذ عملية استراتيجية ضد ايران فهو سيحتاج الى انتظار الانتخابات العامة القادمة والفوز فيها بأغلبية ساحقة. والى حين تحديد موعد للانتخابات والى حين الاتفاق على قانون جديد للانتخابات، سيواصل العراق التصرف مثل كاسحة الثلوج التي تقودها ذئاب في قطعان متخاصمة.



