ترجمات عبرية

هآرتس: بعد تسجيل سلسلة إنجازات سياسية، سياسة الشرع الداخلية موضع اختبار

هآرتس 23/11/2025، تسفي برئيلبعد تسجيل سلسلة إنجازات سياسية، سياسة الشرع الداخلية موضع اختبار

“لقد ارسلنا رسالة تهنئة الى جميع البنوك الدولية. بدأنا في الاحتياطي الفيدرالي. ونحن نؤكد لهم على عودتنا الى النظام المالي الدولي وتطلعنا الى علاقات تجارية بعيدة المدى”، هذه هي الرسالة التي ارسلها محافظ البنك المركزي في سوريا، عبد القادر خصرية، في يوم الخميس الماضي. النظام في سوريا يأمل، برئاسة احمد الشرع، ان يكون هذا بداية عهد جديد تصبح فيها سوريا ارض الفرص.

في نفس اليوم تم ابلاغ سوريا بقرار رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، بريان ماست، المعارض المتشدد جدا لرفع العقوبات عن سوريا حتى الآن، بالموافقة على رفع العقوبات عنها. وماست اشترط موافقته على ان ينص التشريع على امكانية اعادة فرض العقوبات على سوريا اذا لم تقم بالوفاء بالتزاماتها. ويتوقع ان يصوت مجلس النواب الامريكي في بداية كانون الاول القادم على الموافقة النهائية على رفع العقوبات، الامر الذي سيفتح انبوب تدفق الاموال الى سوريا على مصراعيه، الذي تراكمت عند مدخله تعهدات مدهشة: السعودية وعدت باستثمارات تبلغ 6 مليارات دولار، قطر تنقل الان كميات من النفط والغاز، الامارات وقعت على اتفاقات بمبلغ 800 مليون دولار لاعادة الاعمار وادارة الموانيء في سوريا في البحر المتوسط، الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي مستعدان بالفعل لتقديم مساعدات كبيرة لخطة اعمار سوريا.

لكن سوريا تظهر الان مثل هاوية لا قرار لها. تقديرات البند الدولي لحجم الاضرار التي لحقت بسوريا في فترة الحرب الاهلية تبلغ حوالي 215 مليار دولار. رغم ان هذا المبلغ اقل مما تم تقديره قبل سنة فقط الا انه ما زال مبلغ كبير يتطلب ليس فقط فتح الخزينة الدولية، بل هو يقتضي ايضا استعداد مناسب من قبل سوريا. مثلا، سيتعين على سوريا اجراء اصلاحات جذرية للبنية التحتية المالية كلها، يشمل اعادة بناء النظام المصرفي الذي كان يدار في عهد الاسد كجهاز الصراف الالي الخاص بعائلته، واعتماد تشريعات تتلاءم مع المعايير الدولية لمكافحة غسل الاموال والشفافية في انفاقها، وبناء آلية رقابة حكومية وغير حكومية لنشر المناقصات وتحويل الاموال، ضمن امور اخرى، لمنع الاخفاقات الشديدة التي اتسمت بها مئات المليارات من المساعدات التي حصل عليها العراق وافغانستان بعد حرب الخليج. في ذلك الوقت تسربت اموال ضخمة للجيوب الخاصة بدون رقابة واشراف.

نظام الشرع ملزم ايضا بسن تشريع ورقابة في مجال حقوق الانسان وحقوق الاقليات، وترميم جهاز القضاء الذي يعمل الان بالحد الادنى، واجراءات لاستيعاب 6 ملايين لاجيء سوري يعيشون الان في تركيا، لبنان ودول اوروبية، واستيعاب 2 مليون لاجيء سوري في داخل الدولة.

سوريا هي في هذه الاثناء دولة هشة حصلت على ترخيص دولي لاعادة الاعمار، ولا توجد منطقة واحدة في البلاد لا تحتاج الى اعادة اعمار جذرية. ولعل وضع جهاز التعليم هو المثال الابرز على هذا التحدي. في كانون الاول 2024 عندما تم اسقاط نظام الاسد على يد مليشيات الشرع، قدرت وكالات الامم المتحدة ومنظمات الاغاثة الدولية بان اكثر من 2.4 مليون طفل لا يذهبون الى المدارس، وان اكثر من مليون طفل معرضين لخطر التسرب من المدرسة.

بعد مرور سنة تقريبا على سيطرة النظام الجديد على البلاد لم يتحسن الوضع بشكل كبير. وفقا لتقارير اعلامية سورية تعاني المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، التي تشكل 60 في المئة من مساحة البلاد، من نقص يقدر بنحو 80 ألف معلم. ايضا نصف المدارس مدمرة بالكامل أو انها غير صالحة للتعليم، لا سيما عند بدء فصل الشتاء ونقص التدفئة. يتم دفع الان جزء من رواتب المعلمين، ويجبر كثيرون منهم على العمل اليدوي لزيادة الدخل. معظم المدارس تنقصها الكتب الدراسية والدفاتر والقرطاسية الامر الذي يجبر الاباء على شرائها من راتبهم القليل. هذا اذا كان لهم أي دخل في الاصل.

وزارة التعليم في سوريا حاولت حل المشكلة من خلال تطبيق يمكن طلاب الابتدائية من تنزيل الكتب الدراسية. ولكن في مناطق واسعة في البلاد ينقطع الانترنت أو لا تتوفر الكهرباء الكافية لتشغيله، الامر الذي يجبر الاباء على طباعة الكتب على نفقتهم الخاصة.

قطر قدمت يد العون في الشهر الماضي، حيث وزعت 680 الف كتاب دراسي. ولكن هذه الكتب لم يتم ارسالها الا الى محافظة ادلب وحلب وشمال سوريا. وتركيا من ناحيتها ستساعد في ادارة وتنظيم جهاز التعليم بما يلبي متطلبات سوق العمل.

بعيدا عن  مسالة الميزانيات المطلوبة لتمويل النشاطات الجارية في نظام التعليم فقد ورثت ادارة الشرع نظام تعليمي غير موحد من حيث المنهاج. ففي المناطق الخاضعة لسيطرة النظام تم تطبيق منهاج تعليمي وضعه واملاه حزب البعث الحاكم. في المقابل، ساد نظام تعليمي مستقل في المناطق الكردية في شمال البلاد، وكان المواد التعليمية تختلف عن مواد النظام، بينما طبق في محافظة ادلب، التي كانت تحت حكم “حكومة الانقاذ الوطني” التابعة لهيئة تحرير الشام، مناهج تعليمية اسلامية تختلف عن النظامين الاخرين.

في كانون الثاني الماضي سارع النظام الى “تطهير” المناهج التعليمية من وجود نظام الاسد. حيث تمت ازالة صورة القائد والشعارات التربوية التي تمجد اعماله، وتم الغاء دروس التاريخ التي تصف “الاحتلال العثماني” والنشيد الوطني ودروس “التربية الوطنية”. هذه اجراءات معروفة في الدول التي كانت فيها ثورات، لكن لم يتم ملء بعد مكان المحتوى القديم المحظور، بمحتوى جديد، عصري ومهني، يربي الجيل الضائع من الطلاب السوريين.

هكذا، في حين ان شق الشوارع وبناء آلاف البيوت واعادة بناء جهاز الصحة المنهار وانشاء بنية تحتية حديثة للاتصالات أو توفير الكهرباء بانتظام، هي مشاريع تحتاج ميزانيات ضخمة، الا انها لا تثير الخلافات الايديولوجية. في المقابل، سيكون تصميم جهاز التعليم وصياغة المناهج التعليمية هو المعيار الذي سيختبر فيه التوجه الايديولوجي الذي ينوي النظام قيادة البلاد نحوه. ما زال يتوقع حدوث صدامات صعبة بين التيارات الايديولوجية حول هذه الامور. والاختبار الحقيقي ينتظر النظام.

سيتم الان فحص النجاح السياسي المدهش الذي حققه الشرع وبنى حوله غطاء سعودي وتركي وقطري، خاصة امريكي، الذي منحه الشرعية الدولية والدعم المالي. هذا النجاح يوجد الان تحت المجهر لمعرفة لمن سيعزو الرئيس السوري الفضل السياسي الذي حصل عليه، والى أي درجة ينبغي منحه الثقة. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الغاضب جدا من ان الشرع “عاد منفوخ من واشنطن وبدأ يفعل امور لن توافق عليها اسرائيل”، هو المؤشر الابرز على عدم الثقة بالنظام السوري الجديد. حديث نتنياهو لا يقتصر فقط على مسالة الترتيبات الامنية التي لا تحرز المفاوضات بشانها أي تقدم حاليا، بل يمكن تفسير اقواله ايضا بانها تعبير ساخر عن عدم جديته، وربما عن غباء ترامب الذي وقع في شرك العسل الذي نصبه له الشرع عندما سارع الى سحب لقب “الارهابي الجهادي” عنه. ترامب قد يكون جاهل وساذج في الامور “الاسلامية”، لكن يصعب التشكك في هذا الامر بالنسبة للسعودية ودولة الامارات. فالموقف الحازم لهما ضد الاسلام المتطرف والتنظيمات الاسلامية المتطرفة معروف، ومن المستبعد ان تقوم بدعم من تخشى من اقامته لدولة اسلامية في سوريا، التي لن تشكل فقط تهديد لاسرائيل، بل لكل المنطقة.

عندما قدمت هذه الدول، التي تضاف اليها تركيا التي طموحاتها في سوريا استراتيجية ولا تنبع من ايديولوجيا دينية، لترامب ضمانات على حسن سلوك الشرع فانها تقدمها بشكل غير مباشر لاسرائيل ايضا. هذه الدول يقلقها ايضا سؤال ما اذا كانت سوريا ستكون دولة اسلامية دينية أو دولة تكنوقراط، حتى لو لم تتضمن الديمقراطية، بسبب عامل الخوف من النظام في الساحة الدولية. هذه الدول، مثل الولايات المتحدة، تعترف بان خطاب الشرع وحده غير كاف لتبديد عامل الخوف هذا. هو يجب عليه توفير اثباتات عملية بواسطة السياسة الداخلية، مناهج التعليم، تشريعات وكبح الجهات المتطرفة. هذه ستكون هي التي ستحدد درجة الثقة التي يمكن وضعها في الترتيبات الامنية التي سيتم التوصل اليها مع النظام، اكثر من أي اتفاق سيتم التوقيع عليه معها.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى