ترجمات عبرية

هآرتس: الصراع على اليوم التالي في قطاع غزة ومكانة السعودية

هآرتس 26/9/2025، تسفي برئيل: الصراع على اليوم التالي في قطاع غزة ومكانة السعودية

في مشهد متميز من التفاؤل وصف ستيف ويتكوف خطة ترامب الجديدة بانها مقدمة واقعية للحل. لقد قال للمراسلين بان الخطة التي عرضت في يوم الثلاثاء على زعماء عرب ومسلمين، الذين التقوا مع الرئيس الأمريكي “اخذت في الحسبان مخاوف إسرائيل ومخاوف كل جيرانها في المنطقة”. وأضاف: “نحن متفائلون، واكثر من ذلك نحن على ثقة بانه في الأيام القريبة القادمة سنستطيع ان نبشر باننا توصلنا الى نوع من الاختراقة”.

ويتكوف هو شخص لطيف، وقد أسر قلوب الإسرائيليين بعلاقته الودية ودعمه لعائلات المخطوفين. ولكن في النهاية تبين ان تفاؤله كان سابق لاوانه او انه مبالغ فيه. في أساس الخطة، كما نشرت في البداية في موقع اكسيوس كان هناك، ضمن أمور أخرى، وقف دائم لاطلاق النار في غزة، انسحاب الجيش الإسرائيلي بالتدريج من القطاع، تزويد واسع للمساعدات الإنسانية، إعادة جميع المخطوفين وبالاساس خطة لادارة القطاع في “اليوم التالي”. هذا سيتم بواسطة قوة فلسطينية، التي لن تكون حماس شريكة فيها، وستتعاون مع قوات دولية وعربية. الجسم الإداري سيحظى بتمويل عربي ودولي، الذي سيخصص لاعادة اعمار القطاع بالتعاون مع السلطة الفلسطينية.

الزعماء العرب عبروا بأدب عن رضاهم من “اللقاء المثمر”، لكنهم ربطوا دعمهم للخطة بعدة بنود أخرى ستوسع نطاقها الى ما يتجاوز قطاع غزة. حسب مصادر عربية فان هذه الشروط تشمل منع ضم أجزاء من الضفة لإسرائيل، منع احتلال مناطق في القطاع من قبل إسرائيل والحفاظ على الوضع الراهن في الحرم. غزة بالنسبة لهم لم تعد مجرد قضية إنسانية او حرب محلية، التي جبت حياة عشرات آلاف الفلسطينيين، بل هي المفتاح لحل القضية الفلسطينية. ولكن من غير المؤكد ان خطة ترامب يمكن ان توفر ذلك.

في كل ما يتعلق بخطط انهاء الحرب وصفقات إعادة المخطوفين فان السنة الماضية كانت مثمرة بشكل خاص – لكن تطبيقها هو قصة أخرى. 21 بند تشملها خطة ترامب، اقل بكثير من الـ 91 صفحة التي ضمت خطة مصر من شهر شباط، ويبدو انها هي أيضا اقل فخامة من خطة الريفييرا في غزة، التي وضعها الرئيس ترامب في نفس الشهر، وهي الخطة التي سعت الى نقل السيطرة على غزة للولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب، والقت بظلها المخيف على كل الشرق الأوسط.

ربما ان ترامب تعلم شيء او اثنين في الأشهر السبعة التي مرت منذ خروجه الى العالم بمشهده الساحر، لا سيما اثناء زيارته التي شملت كل دول الخليج في شهر أيار. زعماء هذه الدول، وعلى رأسهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس دولة الامارات محمد بن زايد – حتى الآن هي الدولة الوحيدة التي وافقت على المشاركة في قوة عربية دولية مع شروط وتحفظات – أوضحت للضيف بان أي تعاون عربي في القطاع يحتاج على الأقل الى رعاية السلطة الفلسطينية التي هي الممثل الوحيد المعترف به للشعب الفلسطيني.

العناق الدافيء والتملق الكبير – حتى بادرة حسن النية السياسية التي لا باس بها، اعتراف ترامب بالرئيس السوري الجديد احمد الشرع وإلغاء معظم العقوبات المفروضة على سوريا – لم تخفف من الموقف الحازم للسعودية، التي هي نفسها اجتازت انقلاب في مقاربتها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، من موقف طالب فقط بتحسين ظروف عيش الفلسطينيين في المناطق وتصريحات هوائية بشان حقهم في دولة فلسطينية مقابل التطبيع مع إسرائيل، انتقلت السعودية لقيادة وتجنيد المجتمع الدولي من اجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ليس عبثا ان ابن سلمان، الذي لم يقم بزيارة الولايات المتحدة منذ 2018، امتنع أيضا في هذه السنة عن المشاركة في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

ابن سلمان قال انه يجب ان يكون للاموال الطائلة التي هي اكثر من تريليون دولار والتي تعهد باستثمارها في الولايات المتحدة في فترة ولاية ترامب، مقابل سياسي محترم. ولي العهد لم يرغب في ان يجد نفسه في صف واحد مع زعماء عرب ومسلمين آخرين في جلسة مؤدبة مع الرئيس ترامب، الذي سيطلب منه ان يخلط مبادرته في داخل ما سيكون حسب تقديره خطة أمريكية – إسرائيلية. حسب رأي ابن سلمان فان السعودية التي وقفت من وراء المبادرة العربية في 2002 هي مستوى آخر. من ناحيتها الاعتراف الدولي الساحق بدولة فلسطين هو عملية سياسية مهمة في تاريخ الشعب الفلسطيني، لكن الان هذا تصريح فقط، وثماره الفعلية لم تبدأ بعد في الظهور.

السعودية في المقابل، التي هي في شراكة وثيقة مع فرنسا والتي بنت خلال فترة قصيرة نسبيا هذا الاعتراف، حققت راس المال السياسي، الامر الذي يضعها مثلما في 2002 كقوة تقود الشرق الأوسط وتستطيع ان تؤسس ليس فقط تحالف عربي، بل أيضا تحالف دولي. بمكانته هذه فان ابن سلمان يقف كمنافس للرئيس ترامب نفسه حول تحديد النموذج السياسي، وبالتالي العسكري، الذي سيوجه تشكيل السياسة في الشرق الأوسط.

لكن “انتصار” ابن سلمان غير كامل وغير مؤكد. فالسعودية لم تقنع ترامب بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، والرئيس الأمريكي ما زال يتمسك بموقف يشبه تقريبا موقف نتنياهو، الذي يقول بان السلطة لا يمكن ان تكون جزء من الحل في غزة. حتى تأشيرة دخول الى الولايات المتحدة لم ينجح ابن سلمان في “ترتيبها” لمحمود عباس، أو في فتح جسر اللنبي، أو ضمان سلامة الوضع الراهن في الحرم – امام مشاغبات الوزير ايتمار بن غفير الخطيرة. في الواقع أدوات ضغط السعودية على ترامب – الأموال الطائلة التي وعدته بها – أظهرت قوتها في سوريا، لكن حتى الآن تجد صعوبة كبيرة في مواجهة التحالف الأمريكي – الإسرائيلي الذي يرفض انهاء الحرب في غزة عن طريق حل كل القضية الفلسطينية.

المنافسة بين هاتين الاستراتيجيتين اللتان فيهما سيتم اختبار قوة السعودي، هي التي ستحدد مصير خطة ترامب الجديدة أو مصير أي خطة أخرى لانهاء الحرب. مثلا، المبدأ المتفق عليه بين جميع الأطراف، الذي يتم تضمينه في كل الخطط والذي بحسبه حماس لن تكون شريكة في إدارة غزة، سيقتضي تحديد كيف سيتم ابعاد هذه المنظمة من القطاع.

إسرائيل تعلن بان هدفها الاسمى هو تصفية حماس. احتلال مدينة غزة ومخيمات الوسط والتصادم الممنهج والقتل الجماعي ونقل السكان واحتلال المناطق، كل ذلك استهدف ضمان ان تتحول غزة الى منطقة قتل التي فيها، على الأقل على الورق، ستبقى فقط قوتان مسلحتان، الجيش الإسرائيلي ونشطاء حماس. حسب هذه الرؤية فان كل ثمن – حياة المخطوفين والجنود، عقوبات ومعاقبات دولية، تصفية احتمالية التطبيع مع السعودية وهز اقتصاد الدولة، بالأحرى، استمرار قتل آلاف الفلسطينيين – هو ضرر هامشي فقط. خطة العمل للحكومة لا تعترف بمفهوم “اليوم التالي”، او باليوم التالي الذي تم عرضه في الخطة المصرية أو الخطة الامريكية، وبالتاكيد ليس الخطة السعودية التي تربط غزة بالضفة الغربية. عمليا، حسب الخط الإسرائيلي فانه يجب عدم تحديد مفهوم “تصفية حماس” وعدم تحديد جدول زمني لانهاء الحرب.

طموح نتنياهو هو الحفاظ على غزة كساحة محددة، منفصلة عن الضفة وعن كل القضية الفلسطينية. أي حديث او تخطيط “لليوم التالي” هو بالنسبة له عبوة ناسفة جانبية يجب ابطالها لانها مناقضة لجوهر خطته وتدحض ادعاء ان استمرار الحرب هو ما يقتضيه الواقع. مباديء خطة ترامب تحاول التسوية بين استراتيجية “التصفية المطلقة” لنتنياهو وبين الموقف الذي تدفعه قدما السعودية؛ بين المقاربة التي تقول بان “حماس لا يمكن ان تبقى في القطاع” وبين المقاربة التي تقول “حماس لا يمكن ان تكون شريكة في إدارة القطاع”.

لكن حسب رؤية نتنياهو فان الحديث لا يدور عن تسوية، بل عن تصادم تكتوني. حيث انه في اللحظة التي سيتم فيها الاتفاق على ان حماس (فقط) لا يمكنها المشاركة في إدارة القطاع، فانه سيتم شق منزلق حاد وسريع الى “اليوم التالي”، الذي فيه جهة ما، ليست إسرائيل، سيطلب منها الموافقة على إدارة القطاع. من غير المهم اذا كانت الإدارة وإعادة الاعمار ستتم حسب الخطة المصرية أو الامريكية أو السعودية، المعنى من ناحية لنتنياهو ليس فقط احياء مكانة السلطة الفلسطينية كجسم حكومي شامل، بل بالأساس هزيمة في نضاله الذي استمر عشرات السنين لتدمير شرعية التمثيل الفلسطيني، الذي هو الأساس لاقامة الدولة الفلسطينية، ليس فقط على المستوى الإعلاني، بل على مستوى الواقع الفعلي.

“التهديد” الأخطر هو انه في اللحظة التي سيتبنى فيها ترامب الخطة العربية، فانه فعليا يتعهد بالاعتراف بكون السلطة الفلسطينية مصدر الصلاحيات لكل النشاطات المدنية والسياسية التي ستتطور في غزة. حسب علمنا فانه حتى الآن من نشر خطة ترامب فان الرئيس نفسه لم يحدد متى يبدأ “اليوم التالي” وما هي شروط وقف اطلاق النار، والى أي درجة ما زال يؤمن بقدرة إسرائيل على تدمير حماس. بدون تحديد هذه الأسس فان خطة ترامب تبدو الان كخليط من فصول، كل واحد منها ماخوذ من كتب مختلفة، نتنياهو والسعودية والمجتمع الدولي، في هذه الاثناء بدون الولايات المتحدة.

ربما انه بعد اللقاء بين ترامب ونتنياهو سنعرف اين هي وجهة الرئيس الأمريكي وما هو وزن كل لاعب من اللاعبين الإقليميين والدوليين الذين يحاولون التاثير على قراراته. فقط مرة أخرى يجدر التذكر بان الامر يتعلق بترامب الذي بدل موقفه فيما يتعلق بفلادمير بوتين، وسحق فلودمير زيلنسكي وبعد ذلك قام بتبنيه بحفاوة. وانقض على الدول الأوروبية وبعد ذلك توصل معها الى اتفاقات. وهاجم بوحشية الحوثيين وفي النهاية وقع معهم على اتفاق لوقف اطلاق النار. وقام باجراء مفاوضات مع ايران وبعد ذلك قام بقصفها. في الواقع ربما انه سيعرض على نتنياهو مناورة مدهشة في الألعاب البهلوانية السياسية، ولكن ما سيبقى من ذلك عند الهبوط على الفرشة ما زال مبكرا معرفته. أيضا ابن سلمان سيتعين عليه الانتظار بصبر.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى