ترجمات عبرية

هآرتس: التحديات الإسرائيلية في الساحة الفلسطينية آخذة في التراكم

هآرتس 2022-12-24، بقلم: عاموس هرئيل: التحديات الإسرائيلية في الساحة الفلسطينية.. آخذة في التراكم

لا يتوقع أن يكون هناك تأثير جوهري للقرار المفاجئ لوزير الدفاع السابق، بني غانتس، عدم إعادة جثمان السجين الأمني، ناصر أبو حميد، للفلسطينيين، على المفاوضات لإعادة الأسرى والمفقودين الاسرائيليين من قطاع غزة. أولا، الاتصالات مع “حماس”، التي تحتجز إسرائيليين وجثامين لجنود إسرائيليين، هي في الأصل عالقة منذ فترة طويلة على خلفية رفض إسرائيل الاستجابة لطلب إطلاق سراح عشرات “القتلة” الفلسطينيين. ثانيا، يصعب التصديق بأن قيادة “حماس” في غزة سترى أنه يجب عليها إبداء المرونة فقط بسبب احتجاز جثمان لأحد رجال “فتح” من سكان الضفة الغربية.

بضغط من عائلات الجنود، التي تحتج وبحق على فشل الاتصالات طوال سنين، عادت إسرائيل في 2020 إلى سياسة تجميع جثث “المخربين”. هناك إجماع سياسي غريب على القرار بين الحكومات المتعاقبة، رغم أنه فعليا يعترف رجال الخدمة الدائمة بأن التأثير السياسي هو صفر. إضافة إلى ذلك هي تورط إسرائيل بمشاهد غريبة تصل إلى حدود مهاجمة الموتى، مثل جرافة تخرج جثة “مخرب” من الجانب الفلسطيني من الجدار الحدودي في القطاع، مع إسقاطها وجرها وإهانة الميت. الغرابة اكبر في الحالة الحالية، لأن أبو حميد لم يقتل أثناء تنفيذ عملية، بل كان سجينا في إسرائيل في العشرين سنة الأخيرة، ومات بسبب السرطان. هل هناك قاتل يهودي، مهما كان سيئا، عائلته لا يحق لها دفنه؟ هذا سلوك أخلاقي مشبوه ولا يبدو أن له فائدة.

يصعب الشك في أن هذه هي الخطة، لكن ربما أن غانتس يرتب للحكومة القادمة، التي ينوي بنيامين نتنياهو أن تؤدي اليمين خلال أسبوع ونصف الأسبوع، لتكون هذه الأزمة الصغيرة الأمنية الأولى لها. في الضفة، يوصف أبو حميد بأنه بطل وطني، والفلسطينيون غاضبون على قرار إسرائيل. العاصفة يمكن أن تمر بثمن غير مرتفع، لكن في الظروف المتشكلة الآن سيكون من الصعب الحفاظ على واقع استقرار في “المناطق” لفترة طويلة. الأزمات المحتملة في الساحة الفلسطينية آخذة في التراكم حتى قبل تشكيل الحكومة.

لا يدور الحديث هنا فقط عن الجثة أو عن خوف الفلسطينيين من تغيير إسرائيلي محتمل في الوضع الراهن في الحرم، بل أيضا عن النوايا العلنية لبتسلئيل سموتريتش بتوسيع المستوطنات وشرعنة البؤر الاستيطانية. إلى جانب مستوى العنف الحالي المرتفع في المنطقة يمكن أن يتصاعد العنف اكثر قبل شهر رمضان القادم، الذي سيبدأ في ربيع 2023. وكل توتر في القدس يمكن أن يؤثر أيضا على استقرار اتفاقات التطبيع. في اليمين يمكنهم الاعتماد بقدر استطاعتهم على لامبالاة دول الخليج بمصير الفلسطينيين. إذا حدث احتكاك كثيف لفترة طويلة، بالأساس على خلفية دينية، فيتوقع أن يكون هناك تأثير سيئ على استقرار الاتفاقات معها وأيضا مع الأردن ومصر.

خلافا لرغبة نتنياهو، يتوقع أيضا أن يكون هناك احتكاك متزايد مع العرب في إسرائيل. لن تتنمر الحكومة على العرب بشكل متعمد، لكن إيتمار بن غفير، الوزير المكلف الأمن القومي، هو قزم يعتبر الاستفزاز أساس وجوده.
وقف أمام نتنياهو دائما تحد وهو التوضيح لرؤساء أحزاب اليمين، الذين هم شركاؤه، للاعتبارات الأكثر اتساعا لسياسته، التي على الأغلب لا يسعى إلى التعبير عنها بشكل علني. السؤال هو إلى أي درجة سيكون قادرا على استيعاب السياق الواسع لدى بن غفير وسموتريتش، اللذين يعيشان في عالم ضيق جدا ويقللان من مغادرة حدود الدولة، ومن المشكوك فيه إذا كانا يتابعان باستمرار المنشورات بالانجليزية. والى ذلك ينضم التوتر الآخذ في الازدياد مع اليهود في أميركا.

أصبحت الحكومة الجديدة على مسار تصادم مع التيار الإصلاحي والتيار المحافظ بسبب ترتيبات الصلاة في “حائط المبكى” و”قانون الحفيد”. المشاعر المناهضة للإصلاح غير مقتصرة فقط على الوزراء الحريديين. هذه الآراء ذاتها تعبر عنها علنا أيضا شخصيات رفيعة في “الليكود”. في محيط نتنياهو محقون في أمر واحد وهو أن الإدارة الأميركية لا تعتبر القضية الفلسطينية موضوعا رئيسا على جدول الأعمال الدولي. ولكن بالنسبة للولايات المتحدة فإن هناك أهمية واضحة في ألا تنفجر الساحة من جديد وتحتاج إلى إدارة واهتمام يومي، بصورة ستصعب على الانشغال في قضايا اكثر إلحاحا مثل المنافسة مع الصين والحرب في أوكرانيا. هل يسيطر نتنياهو تماما على حكومته القادمة؟ في واشنطن، كما كتب هنا، يتساءلون هل رئيس الحكومة القادم هو قائد الطائرة، أم في الظروف الحالية هو فقط طيار مساعد؟ ولكن هناك من يشكون في أن الوضع إشكالي اكثر وأن نتنياهو عالق في مكان ما في الخلف، في قسم المسافرين.

قتل ناصر أبو حميد في صباه في الانتفاضة الأولى فلسطينيين شك في أنهم يتعاونون مع إسرائيل. أحد إخوته قتل ضابطا في “الشاباك”، نوعم كوهين، واثنان من إخوته حكم عليهما بالمؤبد. ناصر نفسه اطلق سراحه من السجن في فترة اتفاقات أوسلو وسرعان ما وجد مكانه في الأقسام السياسية في “م.ت.ف”، موظف في مكتب محمود عباس، الذي كان في حينه الرقم 2 في السلطة الفلسطينية. في الوقت ذاته، ارتبط أبو حميد بمروان البرغوثي، الذي هو من كبار شخصيات “فتح” في الضفة.

عند اندلاع الانتفاضة الثانية، تم جذب مروان البرغوثي إلى الكفاح المسلح، واجتاز الخطوط من الدعوة إلى العنف ضد إسرائيل إلى المشاركة النشطة في “الإرهاب”. أبو حميد سبقه. ففي أيلول 2000، في الليلة التي أعقبت زيارة شارون في الحرم، قاد خلية أطلقت النار على مستوطنة “بسغوت”. في الأسابيع التالية، قاد “كتائب شهداء الأقصى”، الذراع العسكرية في “فتح”، التي سرعت من تورطها في عمليات أيضا على خلفية المنافسة الداخلية مع “حماس”.

في بداية المواجهات، كانت “فتح” لا تزال حذرة من اجتياز الخطوط الحمراء، وتنفيذ العمليات داخل الخط الأخضر، وإرسال “المخربين الانتحاريين”. ولكن كلما زاد توغل الطرفين في خلاط الدم والنار محي هذا التابو ونسي.

حسب “الشباك” فإن البرغوثي ومحيطه، الذي كان أبو حميد جزءا منه، غرقوا عميقا في “الإرهاب”. مجندون في الذراع العسكرية حصلوا على السلاح من مخازن قوات الأمن التابعة للسلطة، وتم إرسالهم لتنفيذ عمليات في الضفة وداخل أراضي إسرائيل. اعتقل البرغوثي في رام الله في عملية “السور الواقي” في نيسان 2002؛ واعتقل أبو حميد بصورة منفردة بعد أسبوع. كبار رجال “فتح” حكم عليهم بالسجن المؤبد.

في تموز 2003، عندما توصلت إسرائيل والسلطة إلى وقف مؤقت لإطلاق النار (هدنة) على أمل وقف العنف، رتب لي شخص لقاء مع أبو حميد ومع شخصية رفيعة أخرى في “الكتائب”، أثناء وجودهما في السجن الإسرائيلي. كانت هذه محادثة مشحونة وممتعة، جرت بعد ثلاث سنوات تقريبا ساد فيها في الخارج عنف فظيع، وكل جانب كان لديه الكثير من القتلى. الاثنان لم يخفيا حقيقة أنهما ومن يأتمرون بأمرهما، شاركوا بصورة فعالة في عمليات “إرهابية” معظمها وجهت لمواطنين إسرائيليين. في المقابل، هم تساوقوا مع العملية التي قادها عباس، الذي كان ما زال تحت إمرة ياسر عرفات، بهدف تثبيت وقف إطلاق النار.

الهدنة، قالوا في حينه، ولدت من السجناء في السجون، الأشخاص الذين قادوا النضال العنيف ضد إسرائيل. “كل حرب يجب أن تنتهي بعملية سياسية”، قالوا. “ماذا يعنيكم إذا كانت دماء على أيدينا؟ هذا طبيعي أن يكون في الحرب قتلى”. أبو حميد وصديقه تفاخرا بمكانتهما في مخيمات اللاجئين وفي الأحياء التي تربوا فيها.

بالنسبة لهم خسر الطرفان في الانتفاضة. “أنتم لم تحسموا الأمر ونحن لا نستطيع الادعاء بأننا انتصرنا، لكن مقاومتنا جعلتكم تعرفون أنه لا يمكن مواصلة الأمور بهذا الشكل. حتى أن شارون قال، إنه يجب إنهاء الاحتلال. عندما دخلنا إلى السجن في المرة الأولى كفتيان علمونا أن كل فلسطين لنا وأن اليهود سنرميهم في البحر. الآن حتى (حماس) تفهم بأن هذا غير ممكن”. انهارت الهدنة بعد نحو شهر عندما قتلت “حماس” 23 مواطنا إسرائيليا في عملية “انتحارية” في حافلة ركاب كانوا في الطريق للصلاة في “حائط المبكى”. أيضا عادت “فتح” إلى “الإرهاب”. ومئات كثيرة أخرى من الإسرائيليين والفلسطينيين قتلوا في السنتين التاليتين إلى أن خفتت الانتفاضة الثانية في 2006.

أبو حميد، رغم رسائل السلام التي اسمعها في المقابلة، اعتبر شخصا غير بسيط. عندما جاء صديقي آفي يسسخاروف لزيارته في السجن بعد بضع سنوات، هدد أبو حميد بقتله هو أيضا لأنه في الكتاب الذي كتبناه عن الانتفاضة “الحرب السابعة” ذكرنا حقيقة أنه كان له ولكثير من أصدقائه في الكتائب ماض جنائي. بدرجة كبيرة كان أبو حميد يرمز بشخصيته وسيرة حياته إلى الطريقة التي فقد فيها النضال الوطني السيطرة وانزلق إلى داخل عنف قاس لم يدفع قدما وبحق مشروع الاستقلال الفلسطيني.

هو لم يحقق تطلعاته بالتحرر، بل بقي في السجن حتى يوم موته، بعد 19 سنة يبدو أن وضع الإسرائيليين والفلسطينيين لم يتحسن، ربما العكس، “المناطق” تهدد الآن بالاشتعال من جديد. مروان البرغوثي سيشهد أيضا الجولة القادمة للعنف من داخل زنزانته.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى