هآرتس: الاتفاق في السويداء سيشكل الهاما للاعبين آخرين في المنطقة

هآرتس – تسفي برئيل – 18/7/2025 الاتفاق في السويداء سيشكل الهاما للاعبين آخرين في المنطقة
آلاف سكان مدينة السويداء الذين يعودون رويدا رويدا الى بيوتهم تستقبلهم مشاهد صادمة للاثاث المدمر والبيوت المحروقة والبنى التحتية المدمرة للكهرباء والمياه وجثث لم يتم دفنها بعد. كثيرون من بينهم لا يعرفون كيفية الترميم وتمويل الاضرار التي لحقت بهم، وشهوة الانتقام بعيدة عن ان تهدأ. أيضا أبناء العشائر البدوية الذين يعيشون قرب السويداء، الذين من بينهم خرج المشاغبون الذين بداوا موجة المواجهات الدموية، لا يهدأون.
حسب التقارير في الشبكات الاجتماعية المحلية فان كثيرين هربوا من بيوتهم ويخافون من العودة اليها خشية انتقام الدروز منهم. البنود الـ 14 في اتفاق وقف اطلاق النار الذي تم التوقيع عليه في يوم الأربعاء الماضي بين شخصيات في قيادة الدروز في سوريا وبين نظام احمد الشرع، بعيدة حتى الآن عن توفير الهدوء، خاصة عندما اعلن الزعيم الدرزي الروحي حكمت الهاجري، وهو احد الزعماء الثلاثة المعروفين، بانه لا يوافق على الاتفاق ولا ينوي اجراء المفاوضات مع هذا النظام المضطرب وعصابته.
هذا اتفاق طموح وهو يمثل خارطة طريق هدفها ترسيخ شبكة العلاقات بين الطائفة الدرزية والنظام، وهو يشمل بنود مثل الدمج الكامل لمحافظة السويداء في الدولة وتفعيل جميع مؤسسات الدولة فيها والاتفاق على ان سوريا ستكون دولة موحدة، وفي السويداء تسيطر سيادة الدولة. ولكن اختبار الاتفاق سيكون في تنفيذ البنود العملية التي بعضها مناقضة لمبدأ “الدولة السيادية”. مثلا، الاتفاق ينص على ان الحواجز التي ستقام من اجل الرقابة على دخول المحافظة والخروج منها سيتواجد فيها رجال شرطة من أبناء المحافظة (أي دروز فقط)، وأن الحفاظ على الامن سيعتمد على ضباط من أبناء المحافظة.
معنى ذلك هو الاعتراف بسيطرة الدروز الأمنية على المحافظة، الى جانب تنازل النظام (على الأقل في هذه الاثناء) عن الضم الكامل للمحافظة الى الدولة. قضية مهمة بشكل خاص هي مستقبل السلاح الذي يوجد لدى الدروز. حسب الاتفاق الذي تم التوقيع عليه بينهم وبين النظام في أيار الماضي، بعد المواجهة الدموية في شهر نيسان، يمكن تسليمه للدولة؛ وهو البند الذي اثار خلاف كبير داخل القيادة الروحية وفي أوساط المليشيات الستة الدرزية.
حسب الاتفاق الجديد فان هذا البند سيتم تخفيفه بشكل كبير، وينص الان على انه “سيتم الاتفاق على الية لتسليم السلاح الثقيل بالتعاون مع وزارة الداخلية ووزارة الدفاع لمنع ظاهرة وجود سلاح غير مرخص من قبل الدولة، وبتنسيق مع قيادة الدروز مع الحفاظ على مكانة السويداء الخاصة”. لا يمكن الفهم من هذا النص ماذا سيكون مصير سلاح الدروز وما هي مكانة الدولة.
هذه القضية توجد لها أهمية كبيرة تتجاوز تحديد الترتيبات الامنية في المدينة وفي المحافظة الدرزية. فهي تقوض أساس سيادة النظام في كل الأراضي السورية، ويمكن ان تكون لها تداعيات على شبكة العلاقات التي يطمح الشرع الى تاسيسها أيضا مع الأقلية الكردية، ومصير الاتفاق الذي وقع عليه مع زعيم “قوات سوريا الديمقراطية”، الذراع العسكري للحكم الذاتي الكردي في الدولة.
حسب هذا الاتفاق فان من شان القوات الكردية أيضا الاندماج في الجيش السوري. الاكراد أيضا مثل الدروز لا يسارعون الى تسليم السلاح. ان استعدادهم لان يصبحوا جزء من الجيش الوطني يشترطونه بالعمل كوحدات مستقلة، طائفية، داخل الجيش، وهو الشرط الذي يرفضه الشرع.
الإدارة الامريكية تستخدم الآن ضغط كبير على الاكراد من اجل الانضمام للجيش السوري، وبذلك استكمال سيطرة الشرع على كل ارجاء سوريا، من اجل ان تستطيع الولايات المتحدة نفسها انهاء تواجدها في سوريا وسحب كل قواتها. هذه عملية متسلسلة فيها حل الخلافات بين الاكراد والنظام في سوريا وإخضاع القوات الكردية لوزارة الدفاع الوطنية ستمكن من انهاء الحرب بين تركيا والاكراد في سوريا، الذين ما زالوا يحصلون على الرعاية والتمويل من الولايات المتحدة، رغم ان ذلك بدأ يتضاءل.
من هنا تاتي أهمية تطبيق الاتفاق الذي تم التوقيع عليه بين الدروز والنظام، حيث انه بحسب هذا الاتفاق فان من شان الاكراد أيضا ان يحددوا خطواتهم القادمة. الخوف الأمريكي الان هو ان الاتفاق مع الدروز سيشكل سابقة ونموذج سيطالب الاكراد به لانفسهم، المعنى هو انهم سيرغبون في الاحتفاظ بالسلاح وتاخير استكمال الخارطة الإقليمية التي تطمح اليها الولايات المتحدة.
هذه ليست الحلقة الأخيرة في سلسلة الردود التي من شانها ان تتطور من احداث السويداء ومن الاتفاق الذي تم التوقيع عليه مع الدروز. في لبنان يجري صراع في اعلى الجبل من اجل نزع سلاح حزب الله وتجميع السلاح غير المرخص في يد الدولة. أيضا هنا الولايات المتحدة تعمل على لي ذراع الحكومة ودفعها الى استكمال العملية حتى نهاية السنة. الجيش اللبناني يظهر في الحقيقة قدرة كبيرة على سيطرته في معظم قواعد ومواقع حزب الله في جنوب الليطاني، وأيضا بدأ في خطوات لنزع السلاح الفلسطيني خارج مخيمات اللاجئين، وبعد ذلك في داخلها.
لكن في شمال الليطاني القصة معقدة اكثر، حيث ان حزب الله لم يوافق مبدئيا بعد، بالاحرى عمليا، على نزع سلاحه ونقله الى الحكومة. قبل ثلاثة أيام، على خلفية احداث السويداء، وجدت شماعة لحزب الله التي جاءت بالذات على يد الدروز في لبنان.
السياسي الدرزي وئام وهاب اعلن عن إقامة “جيش الوحدة”، وهو جيش انقاذ هدفه مساعدة الدروز في سوريا. في تغريدة في شبكة “اكس” طلب وهاب من جميع الدروز في لبنان وفي إسرائيل وفي سوريا تأسيس مقاومة مستقلة ضد النظام السوري. في التغريدة دعا حزب الله ايضا (بدون ذكر اسم التنظيم) الى “الوقوف الى جانب الدروز الذين يواجهون الإبادة. نحن نطلب منكم بشكل رسمي توفير السلاح والتدريب للناس”. هناك شك بان طلب وهاب هذا سيحصل على دعم واسع من الجمهور في لبنان، وحزب الله ليس بحاجة الى “المبرر الإنساني” لوهاب من اجل التمسك بسلاحه، لكن اذا كان وهاب يعتقد ان الدروز في لبنان يجب ان يحتفظوا بالسلاح للدفاع عن انفسهم وعن اخوتهم في سوريا وتجاهل نية الرئيس جوزيف عون تجميع السلاح في يد الدولة، فلماذا يتصرف حزب الله بشكل مختلف.
مهم التأكيد على ان دعوة وهاب، السياسي الذي يغير مواقفه مثلما يغير بدلته، والذي كان في السابق حليف حزب الله ونظام الأسد، وذات مرة غير موقفه وطالب بالتطبيع مع إسرائيل، ليست دعوة نظيفة أيضا الان من تصفية حسابات سياسية مع خصمه وليد جنبلاط.
جنبلاط، الذي كان زعيم الحزب التقدمي الدرزي (المنصب الذي ورثه لابنه تيمور)، وهو مثل وهاب يتمتع بقدرة مثيرة للانطباع على تغيير مواقفه، يؤيد الان تسليم كل السلاح غير المرخص للدولة، وحتى انه اعلن قبل ثلاثة أسابيع بانه قرر تسليم سلاح مليشياته للجيش.
“انا آمل ان جميع الأحزاب اللبنانية وغير اللبنانية التي تمتلك السلاح ستسلمه للدولة”، قال جنبلاط. وقال بأنه يوجه أقواله لحزب الله. لذلك فقد تلقى في حينه انتقاد لاذع من وهاب الذي أوضح له بانه “لا يمثل جميع الدروز، وأنه الان ليس الوقت المناسب لتسليم السلاح”.
الان الاحداث الأخيرة في السويداء تعطي الدعم لموقف وهاب، على الأقل في أوساط جزء من الدروز في لبنان، وبعد ذلك يمكن ان تؤثر أيضا على نزع سلاح جميع المليشيات الدرزية في لبنان. هكذا فان السياسة الداخلية الدرزية في سوريا ولبنان يمكن ان تملي بشكل كبير وتيرة تطبيق الخطط الحكومية في الدولتين لجمع السلاح غير القانوني في يدها وفرض السيادة في كل أراضيها، وبالتالي الحصول على المساعدات الضرورية لها من اجل إعادة ترميم انقاض حروبها.
تدخل إسرائيل في احداث السويداء يحولها الى لاعب رئيسي في السياسة الداخلية السورية، وبالتالي أيضا في لبنان. إسرائيل تطرح نفسها في الواقع كدرع واقي لجميع الدروز في سوريا، لكن عمليا جزء من القيادة الدرزية في السويداء يعارض هذا التدخل ويعتبره تدخل في شؤون الطائفة وفي نسيج العلاقات بينها وبين النظام السوري.
هكذا، في حين ان الهاجري يستصرخ المجتمع الدولي لمساعدة الدروز، وبذلك يطالب إسرائيل بالتدخل، وهو الموقف المدعوم من قبل الزعيم الدرزي في إسرائيل، موفق طريف، فان نظيره (خصمه) يوسف جربوع الذي وقع على اتفاق وقف اطلاق النار، يعارض هذا التدخل واي تدخل دولي. يشارك في هذا الموقف أيضا جنبلاط اللبناني الذي يحذر الدروز من الوقوع في “شرك إسرائيل” الذي سيحولهم الى ورقة في لعبتها الإقليمية.
يبدو انه بنفس الطريقة يجدر أيضا تحذير إسرائيل نفسها من الوقوع في شرك اللعبة السياسية الطائفية التي يمكن ان تضر مصالحها.