هآرتس: إن مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية لن يزيل القنبلة النووية، بل سيصنعها بيديه

هآرتس 9/10/2024، افنير كوهين: إن مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية لن يزيل القنبلة النووية، بل سيصنعها بيديه
فرضيتان اساسيتان حول البرنامج النووي الايراني تبعثان لدى الكثيرين في الجمهور في اسرائيل، وعلى ما يبدو في قيادتها ايضا، تأييدا جارفا لاستغلال هجمة الصواريخ الايرانية لاجل الهجوم على مواقعها النووية. لكن هذه فرضيات لا اساس لها تعبر عن سوء فهم. ففهم مواضع الضعف في هاتين الفرضيتين ستصب ماء باردا على حماسة الاسرائيليين في هذا الشأن.
حسب الفرضية الاولى فان البرنامج النووي الايراني هو مثابة مجال أو غرض يمكن تدميره أو تفكيكه بهجوم ناجح واحد أو اثنين – على نمط المفاعل العراقي الذي دمره سلاح الجو في تموز 1981، أو المفاعل السوري الذي دمر في ايلول 2007. وحسب الفرضية الثانية فان المسافة بين ايران والقنبلة تدل على أن الايرانيين لم يتمكنوا بعد من انهاء ما هو مطلوب لانتاجها. هاتان الفرضيتان مغلوطتان من اساسهما.
لا يمكن التفكير في البرنامج النووي الايراني بتعابير مجال وحيد. فالحديث يدور عن مشروع ضخم واخطبوطي نما على مدى عشرات السنين الى أن وصل الى حجومه اليوم. مع منشآت النووي الايرانية توجد نحو نصف دزينة من المواقع المركزية الكبيرة، وعدد من المنشآت الاصغر التي تنتشر في عشرات النقاط في ارجاء الدولة مترامية الاطراف (مساحة ايران اكبر بـ 74 ضعف من مساحة دولة اسرائيل). البرنامج النووي الايراني يشبه مشروع منهاتن في الولايات المتحدة، الذي كان منظما في عشرات المواقع، اكثر بكثير مقارنة بالمشروع النووي الاسرائيلي الذي كان يقوم في مجال مركزي واحد، ديمونة.
مواقع النووي الكبرى في ايران تتعلق بانتاج المادة المشعة – اليورانيوم المخصب – والمواقع الاصغر ترتبط بالبحث والتطوير المتعلق بمجموعة السلاح وغيرها من العناصر العسكرية. بعض من منشآت التخصيب مخبأة عميقا تحت الارض في نتناز وفي فوردو، فيما أن منشآت مجموعة السلاح متناثرة وقابلة للنقل بسهولة نسبية.
مع مراعاة نطاق البرنامج النووي، لا توجد قوة عسكرية في العالم، بما فيها الولايات المتحدة، يمكنها أن “تدمر” أو “تفكك” المشروع بهجوم واحد أو اثنين مهما كانا كبيرين وناجحين. فما بالك أن اسرائيل لا يمكنها فعل ذلك. صحيح أنها قادرة على توجيه ضربة ذات مغزى لاهداف نوعية في ايران، بما فيها اهداف نووية، لكن ليس بوسعها أن تصفي البرنامج النووي نفسه. في افضل الاحوال يمكن لاسرائيل، ربما، أن تضرب “اعناق زجاجة” حرجة للمشروع، لكن هنا ايضا لا ينبغي الوقوع في الاوهام. في احسن الاحوال وفي اكثر بكثير من هجوم واحد، يمكن لاسرائيل أن تكسب زمنا، لكن برأي خبراء عسكريين لا ينبغي التوقع لتأخير بأكثر من سنة، ربما سنة ونصف. أما ثمن كسب زمن كهذا فسيكون هائلا – حرب استنزاف بين اسرائيل وايران، ستتواصل لاسابيع، بل ربما لاشهر. فهل تريد اسرائيل أو هي قادرة على أن تدخل الى حرب كهذه؟.
إن ائتلافا حربيا واسعا برئاسة الولايات المتحدة وبادارتها فقط قادر، ربما، على أن يدمر عسكريا البرنامج النووي الايراني، في جهد قتالي هائل يتواصل لاسابيع وربما لاشهر. لكن من الصعب أن نرى زعيما في واشنطن – جو بايدن، كمالا هاريس أو حتى دونالد ترامب – يتفضل بالدخول الى مغامرة كهذه. لم تمنع الولايات المتحدة كوريا الشمالية من التحول الى نووية، ولا يبدو أنها ستمنع هذا عن ايران.
وبالنسبة للفرضية المغلوطة الثانية: يرى كثيرون في ايران دولة تقف على مسافة خطوة عن القنبلة لأنها لم تتمكن بعد من استكمال الاعمال اللازمة لانتاجها. من يرى الامور هكذا لا يفهم دينامية الفعل النووي في ايران. مخطيء من يعتقد أن الايرانيين لم يستكملوا انتاج القنبلة لأنهم لم يتمكنوا بعد من استكمال العمل الفني. ايران لا تزال مترددة – على خلفية سياسية، وربما دينية ايضا، بالنسبة لانتاج القنبلة وتحولها الى دولة نووية بكل معنى الكلمة. ايران ليست دولة نووية لأنها لم تحسم بعد اذا كان مجديا لها أن تكون كذلك. لو كانت تقرر وتريد أن تكون دولة نووية، لوصلت الى هذا الهدف قبل زمن طويل، لكنها فضلت ولا تزال تفضل أن تكون دولة حافة.
المعنى الدقيق لتعبير “دولة حافة نووية” بعيد عن أن يكون واضحا أو متفقا عليه بين الباحثين في المجال. ثمة باحثون، لعلهم الاغلبية، من ناحيتهم معنى تعبير “حافة نووية” هو المنطقة القريبة من انتاج كامل للقنبلة. بينما آخرون، وبينهم كاتب هذه السطور، يصفون الحافة بصفة نقطة: نقطة انتقال من يوجد الى لا يوجد. بتقديري، ايران قريبة من الحافة ليس فقط من ناحية قربها من كمية المادة المشعة اللازمة للقنبلة – بل قريبة من ذلك ايضا من ناحية استكمال معظم عمل مجموعة السلاح. بتقديري، ايران تقف اليوم على مسافة خطوة فقط عن القنبلة – اسابيع أو حتى ايام قليلة فقط الى أن تتمكن من تفجير قنبلة نووية.
ومن هنا ينبع التعليل الثاني والاهم ضد هجوم اسرائيلي على مواقع النووي الايرانية. هجوم كهذا لن يعيق كثيرا البرنامج النووي الايراني، وبالتأكيد لن يدمره أو يفككه. وليس هذا فقط، بل من شأنه أن يكون المسمار الاخير قبل الحسم السياسي الايراني لتصبح دولة نووية بكل معنى الكلمة. في حينه سبق أن اعلن الايرانيون بأنه اذا هاجمت اسرائيل فانهم سيخرجون من ميثاق منع انتشار السلاح النووي ليصبحوا دولة نووية. اقترح ألا نستخف باعلاناتهم.
المفارقة هي أن ما يشجع الاسرائيليين على الهجوم – الرغبة في منع ايران نووية – هو الذي سيضمن بالذات أن تجتاز ايران الحافة، تجري تجربة، وتصبح دولة نووية بكل معنى الكلمة. اسرائيل، على أي حال، سترد بخطوة مشابهة، وصراع اسرائيل مع المحور الايراني سيصبح نوويا. سيناريو كهذا لا يقل كارثية.
*بروفيسور افنير كوهين متخصص في الأمن العالمي، مركز “ميديلبري” للدراسات الدولية في مونتري، كاليفورنيا