ترجمات عبرية

هآرتس: إسرائيل تتوجه الى مفاوضات مع لبنان وتنتظر مقابلا على ذلك

هآرتس 4/12/2025، تسفي برئيل: إسرائيل تتوجه الى مفاوضات مع لبنان وتنتظر مقابلا على ذلك

بعد التحذير التوبيخي الذي نقله دونالد ترامب لبنيامين نتنياهو ردا على العملية العسكرية التي تعقدت في بلدة بيت جن في هضبة الجولان السورية، وتعليماته بأنه “من المهم ان تجري اسرائيل حوار حقيقي مع سوريا، وان لا يحدث امر من شانه ان يشوش على تطورها الى دولة مزدهرة”، جاء امس ايضا استعراض عضلات الولايات المتحدة في الجبهة اللبنانية. تعيين ممثل هيئة الامن القومي اوري ريزنك ليقف على راس البعثة الاسرائيلية في لجنة الاشراف على تطبيق اتفاق وقف اطلاق النار، في نفس الوقت مع تعيين الدبلوماسي اللبناني المخضرم سيمون كرم لقيادة البعثة اللبنانية، تشير الى اختراقة دبلوماسية من شانها ان تبطيء، وربما تجمد، السباق الى مواجهة عسكرية بين الدولتين.

من ناحية لبنان الحديث يدور عن عملية سياسية مهمة، حيث انه حتى الان رفضت قيادة الدولة، وعلى رأسها الرئيس جوزيف عون، اعطاء للجنة الاشراف “الالية”، وحتى أي مظهر شكلي لاطار ادارة مفاوضات سياسية يمكن ان تفسر كبداية حملة قبيل التطبيع مع اسرائيل. في الواقع في الاسابيع الاخيرة تحدث عون كثيرا عن الحاجة الى مفاوضات مع اسرائيل، حيث ان الامر يتعلق بمسار لترتيبات امنية، لكنه تجنب قول حتى مصطلح “مفاوضات مباشرة”. ايضا الان بعد تعيين كرم، حرص رئيس الحكومة نواف سلام على التاكيد بان “الحديث لا يدور عن محادثات سلام. أي تطبيع سيكون مرتبط بعملية سلام شاملة، وهي ما زالت بعيدة عن التحقق”. مع ذلك قال “يوجد استعداد للمفاوضات العسكرية باعلى المستويات”.

سلام لم يفصل اذا كان لبنان سيكون مستعد لمفاوضات سياسية محدودة، أو اتفاقات اقتصادية، مثلما المح نتنياهو. ولكن من المهم التدقيق في هذا السياق في الاقوال التي قالها سيمون كرم في شهر تموز. في اجتماع عقد في جامعة القديس اتهم الدبلوماسي ابن الـ 75 سنة، والذي هو من اشد معارضي حزب الله، بان “من وافقوا على اتفاق وقف النار مع اسرائيل (أي حزب الله)، يطلقون الان النار السياسية والامنية الكثيفة على الساحة الداخلية اللبنانية. هم يهاجمون الدولة لانها تبنت الخيار الدبلوماسي، الذي هو الخيار الوحيد المحتمل بعد الكارثة (النكبة). لقد هاجموا الجيش لانه غير قادر على الدفاع عن الدولة ومواطنيها، وهاجموا القوة الدولية فقط لانها تسعى الى تطبيق قرار الامم المتحدة. كل هؤلاء هم خونة ومتآمرون… الخيار الدبلوماسي يعني قبول المفاوضات في ظل ميزان القوة الحالي، وهو الطريق المحتملة الوحيدة امام الدولة”.

موافقة لبنان على اجراء مفاوضات تحمل خصائص سياسية وليس عسكرية فقط، اتخذت بعد ان تم الادراك بان التهديد بتوسيع الحرب اصبح ملموس وفوري، واضيف اليه ضغط سياسي ثقيل من قبل الولايات المتحدة على لبنان. في المقابل، استخدمت الدول العربية، لا سيما السعودية ومصر وقطر، الضغط على واشنطن من اجل تهدئة اسرائيل. ضغط واشنطن بدأ قبل بضعة اسابيع عندما اوضح المبعوث السابق توم باراك لقيادة لبنان بان “الولايات المتحدة لن تتدخل بعد الان في وضع فيه تنظيم ارهابي اجنبي (حزب الله) يسيطر، والدولة تفشل (لبنان) وتملي الوتيرة وتطالب بالمزيد من الموارد، الاموال والمساعدات”. هذا التصريح تم تفسيره وكانه يعطي يد حرة لاسرائيل للعمل العسكري حسب ما تراه مناسبا. واضيف الى ذلك تصريح السفير الامريكي في لبنان ميشيل عيسى، الذي في مقابلة مع ليزا روزوفسكي (“هآرتس”، 29/11)، قال: “ان اسرائيل ليست بحاجة الى مصادقة الولايات المتحدة من اجل الدفاع عن نفسها”.

لكن كان لباراك، الذي يصعب اتهام تصريحاته بانها متساوقة اكثر من اللازم، ملاحظة اخرى، بحسبها “اذا كان لبنان يريد اجراء مفاوضات (مباشرة) مع اسرائيل فنحن سنساعده. سنضغط على اسرائيل كي تكون منطقية”. الان ربما ياتي التفسير الامريكي لمفهوم “منطقية”، الذي بحسبه ربما تطالب اسرائيل بوقف النار طالما ان المفاوضات مستمرة، وان تناقش بجدية مراحل الانسحاب من المواقع الخمسة التي سيطرت عليها في لبنان، وحول ترسيم الحدود البرية. هذه العملية ستحتاج الى مفاوضات موازية مع سوريا، التي تدعي ملكيتها لمزارع شبعا، وهي نقطة الخلاف الاكثر تفجرا في قضية ترسيم الحدود. سلوك اسرائيل في الايام القريبة القادمة سيبين اذا كانت وافقت على التراجع عن مبدأ ان المفاوضات ستكون فقط تحت النار، وانه يجب على لبنان اظهار على الارض التصميم والقدرة على تطهير جنوب لبنان من السلاح ومن منشآت حزب الله. بخصوص نزع السلاح في شمال الدولة هذه العملية كما يبدو ستحظى بتمديد اضافي، فيها سيحاول الرئيس عون ورئيس الحكومة سلام  التوصل الى تفاهمات مع حزب الله.

في هذا السياق يعتبر تصريح سلام، “المفاوضات غير المباشرة (مع اسرائيل) تجري تحت مظلة وطنية واضحة. هذه الخطوة محصنة سياسية وتحصل على توافق داخلي”. صحيح ان الخطاب العام والسياسي والاعلامي في لبنان يدعم بدرجة كبيرة الخطوة التي قررتها الحكومة، الا انه كان من المهم لسلام ان يعلن ذلك بصوت مرتفع، يسمع ليس فقط في الضاحية، بل في طهران ايضا. حزب الله الذي يتشبث بموقف عدم نزع سلاحه، ترك مسالة المفاوضات في حالة غامضة. الامين العام للحزب، نعيم قاسم، لم يتطرق اليها على الاطلاق في رسالته العلنية في الشهر الماضي الى القادة الثلاثة، عون وسلام ورئيس مجلس النواب، رئيس حركة أمل، نبيه بري – التي شرح فيها سياسة الحزب.

لكن اختبار سلوك حزب الله، الذي وافق في السابق على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، لن يكون حول موافقته أو معارضته لاجراء مفاوضات فعلية، بل سياتي عندما يبدأ الجيش اللبناني نشاط منهجي لجمع سلاحه في شمال لبنان وفي البقاع اللبناني. في هذه المرحلة يتوقع ان تسعى الولايات المتحدة الى تزويد حكومة لبنان بذخيرة دبلوماسية وسياسية تسهل عليها التوصل الى تفاهمات مع حزب الله، أو تجنيد شرعية شعبية اذا اضطرت الى مواجهته.

هنا ايضا يتوقع ان يطلب من اسرائيل تقديم انجازات سياسية للبنان، مثل الانسحاب من المواقع الخمسة واعادة المعتقلين اللبنانيين والسماح بعودة آلاف اللبنانيين، الذين في معظمهم من الشيعة، الذين هربوا من القرى في جنوب لبنان ولم يعودوا حتى الآن الى بيوتهم. هذه الخطوة تعتبر اساسية ايضا من اجل تمكين الجيش اللبناني من الانتشار على طول الحدود، وفقا لما يقتضيه اتفاق وقف اطلاق النار، وبالتالي، استكمال بسط سيادة الحكومة على المنطقة التي بقيت لعقود خارج نطاق سيطرتها. هذا الامر له اهمية اضافية ايضا. فهو يتعلق بالنضال السياسي والاقتصادي لاعادة اعمال لبنان.

حزب الله تعهد بتعويض سكان الجنوب والضاحية الجنوبية عن الاضرار التي لحقت بهم، بل حول خلال الحرب مبالغ لبعض النازحين من اجل دفع الايجار وشراء الاثاث والمعدات الاساسية. وهي اموال بعضها جاء من ايران ايضا. مع تقدم المفاوضات بين اسرائيل ولبنان واستقرار اتفاق وقف اطلاق النار فانه يتوقع تطور حملة اعادة اعمار لبنان الى صراع سياسي قادم بين حزب الله والحكومة اللبنانية، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية بعد ستة اشهر. من المتوقع ان تكون هذه الانتخابات، الاولى بعد الحرب، حاسمة في موقف حزب الله الشعبي والسياسي، سواء في مواجهة خصومه السياسيين أو في مواجهة شريكه نبيه بري الذي ينافسه على تمثيل الطائفة الشيعية. من هنا تاتي اهمية سيطرة الحكومة على مشروع اعادة الاعمار، الامر الذي يحرم حزب الله من نفوذه على سكان الجنوب، وبعد ذلك على كل الساحة السياسية في لبنان.

بالتحديد لان اسرائيل تقلق من نشاطات حزب الله، وتحتج وبحق على عجز حكومة لبنان، فان عليها ان تفحص الصراعات السياسية في لبنان في اطار نهجها تجاه لبنان، وعلى خلفية ذلك يجب عليها النظر الى فائدتها من استمرار السيطرة على المواقع الخمسة في لبنان مقارنة مع الضرر الذي يلحقه هذا التمسك بقدرة حكومة لبنان على استغلال اعادة اعمار الجنوب كوسيلة لتقويض نفوذ حزب الله هناك.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى