هآرتس: أدوات الضغط السعودية تفشل أمام الجدار الإسرائيلي .. الأميركي

هآرتس – تسفي برئيل – 22/9/2025 أدوات الضغط السعودية تفشل أمام الجدار الإسرائيلي .. الأميركي
محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة السعودية، يستطيع أن يسجل لنفسه إنجازا دوليا استثنائيا. مبادرته لدفع الاعتراف بفلسطين وحل الدولتين تحظى في هذه الأيام بقدر اضافي من الشرعية بعد أن اعلنت نحو عشر دول اعترافها بدولة فلسطين. غير أن نجاح الخطوة الدبلوماسية للسعودية يكشف في الوقت نفسه أيضا ضعف المملكة. فابن سلمان – رغم علاقاته الوثيقة، الشخصية والتجارية، مع الرئيس دونالد ترامب – لم ينجح في إقناعه بالاعتراف بدولة فلسطينية وليّ ذراع إسرائيل لكي تتبنى الاعتراف هي أيضا. وبذلك تحول المسار إلى إعلان نوايا، مهما بدا لافتا، وتنفيذُه ما زال بعيدا، إن كان ممكنا أصلا.
لقد تآكلت قيمة “الورقة الرابحة” التي كانت بيد السعودية – التطبيع مع إسرائيل – في الحرب على غزة. لم يعد ترامب يراه رافعة بعد أن تخلت إسرائيل عنه بإصرارها على رفض صياغة حل متفق عليه للمسألة الفلسطينية أو على الأقل وقف الحرب. والأسوأ أن الحرب الآن تضع دول الخليج في مرمى النار بعد هجمات إسرائيل على إيران وعلى قطر. تدرك السعودية ومعها باقي دول الخليج أن أدوات الضغط التقليدية وتعهداتها باستثمار تريليونات الدولارات في اقتصاد الولايات المتحدة تضمن معاملة دافئة من ترامب، لكنها لا تمنحها مكانة دول تستطيع التأثير في سياسته الخارجية.
يبدو أن الحليف العربي الأقرب تحديدا، ابن سلمان، من المفترض أن يكون هو القائد الأكثر إحباطا. ان نجاحه في تجنيد المجتمع الدولي لمبادرته لإقامة دولة فلسطينية – وهي فكرة كانت حتى قبل عامين بعيدة عن قلبه – قد يخدم أي اقتراح مستقبلي لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنه في الوقت الراهن يبدو ميؤوسا منه.
قطع ابن سلمان طريق طويلة ومتعرجة منذ أن “صُنف” كشخصية غير مرغوب فيها في الولايات المتحدة وفي معظم دول العالم بسبب دوره في قتل الصحافي جمال الخاشقجي في العام 2018 وحتى استعادة مكانته الدولية. وبعد عام تلقى ضربة أخرى من “الصديق” ترامب الذي بقي لا مباليا لهجوم الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية على منشآت شركة النفط أرامكو – الامر الذي شل نحو نصف إنتاج النفط السعودي. حينها أوضح ترامب لابن سلمان أنه بالطبع مستعد لمساعدة المملكة – ولكن مقابل ان تدفع. فهمت السعودية والإمارات، شريكتها في الحرب في اليمن ضد الحوثيين، أن الولايات المتحدة حليف بضمان محدود.
تدهورت العلاقات بين الدولتين إلى حضيض عميق في مطلع رئاسة جو بايدن. تعهد بايدن بجعل السعودية “دولة منبوذة” وابتعد عن ابن سلمان قدر استطاعته. إلا أن ارتفاع أسعار النفط اضطر بايدن إلى السفر إلى السعودية في صيف 2022 وطلب من ولي العهد الذي يراه مقيتا زيادة إنتاج النفط. فشلت مهمة بايدن، لكن منذ ذلك الحين فُتحت الطريق لاتصالات منتظمة بين كبار مسؤولي الإدارة في واشنطن وبين البلاط الملكي السعودي. ومع ذلك لم يُدع ابن سلمان إلى البيت الأبيض. أعاد انتخاب ترامب رئيسا الأمل إلى وجه ابن سلمان، لكنه كان قد بدأ يبني لنفسه شبكة علاقات وثيقة مع الصين وروسيا. وفي 2023، وبخطوة دراماتيكية، استأنف بوساطة الصين العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وبعد عام كان قد نأى بنفسه عن ائتلاف الولايات المتحدة الذي حارب الحوثيين ووقع معهم اتفاقا لوقف إطلاق النار.
لم ينكشف ضعف السعودية أمام الولايات المتحدة فقط. ففي الساحة الشرق أوسطية أيضا بدا أن سياستها تدار على يد قائد غير ناضج. بخلاف تركيا وقطر – اللتان رعتا ميليشيات متمردة “خاصة”، ومنها الميليشيات التي أطاحت في كانون الاول ببشار الأسد – لم تنجح السعودية في التأثير على الحرب الأهلية في سوريا. قبل ثلاثة أشهر فقط من إسقاط الأسد أعادت فتح سفارتها في دمشق، وقبل ذلك عملت لإعادة رئيس سوريا إلى حضن الجامعة العربية. نجاح أحمد الشرع السريع فاجأ السعوديين، فسارعوا إلى الاعتراف بحكمه، وبسطوا رعايتهم عليه، والأهم أقنعوا ترامب بمصافحة يد الرجل الذي صُنف إرهابيا. السعودية هي أيضا المانح المحتمل الأكبر للشرع، وهي وقطر شطبتا معا ديون سوريا لدى البنك الدولي.
لكن مهمة تثبيت النظام في سوريا أوكلت تحديدا إلى تركيا وقطر والولايات المتحدة. حصلت السعودية على دور الصراف الآلي.
وكذلك في لبنان – التي كانت طوال سنوات دولة رعاية سعودية – لم ينجح ابن سلمان في إملاء سياسته وانتشالها من يد إيران. عندما حاول عام 2017 إرغام رئيس حكومة لبنان سعد الحريري على إقصاء ممثلي حزب الله من الحكومة، انتهت القصة بفشل محرج: احتجز ابن سلمان الحريري في فندق بالرياض وأجبره على إعلان استقالته. وبضغط من فرنسا أُفرج عن الحريري من “الاعتقال الفاخر”، ولما عاد إلى لبنان تراجع عن استقالته. احتفل حزب الله وكذلك إيران. وفي العام نفسه خاض ابن سلمان مغامرة أخرى، فبادر مع الإمارات والبحرين ومصر إلى فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على قطر. استمر الحصار أربع سنوات، ولم يزد إلا في توثيق روابط قطر مع إيران وأوجد التحالف الاستراتيجي بين قطر وتركيا – إذ حصل الأتراك على إذن بإقامة قاعدة عسكرية في الدوحة. وفي 2019 أُنشئ أيضا مقر عسكري مشترك للدولتين.
لقد أحيا تجديد علاقات السعودية مع إيران الأمل في دفع المفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة. وبالنسبة للسعودية، التي عارضت الهجوم على منشآت إيران النووية، فإن الاتفاق النووي ضرورة استراتيجية لازمة لحماية أمن الملاحة في الخليج الفارسي. صحيح أن ابن سلمان حذر عام 2018 قائلا “إذا حصلت إيران على قنبلة نووية فسنفعل ذلك نحن أيضا في أقرب وقت ممكن”، إلا أن السعودية دخلت في السنة الأخيرة في حوار سياسي مكثف مع قيادة إيران في مسعى لإقناعها بتليين مواقفها. فشلت في ذلك، ولم تنجح أيضا في إقناع ترامب بتقديم ضمانات لعدم الهجوم على إيران، كما طالبت طهران. وهكذا، رغم “أدوات الضغط” التي يفترض أنها بيدها، فقد “تبنت” إيران لدور الوساطة دول مثل عُمان وقطر والإمارات وحتى مصر – وليس السعوديين. ومن مسافة آمنة رأت السعودية إيران تهاجم في حزيران قاعدة جيش الولايات المتحدة في قطر من دون أن تحرك واشنطن ساكنا، وشهدت هذا الشهر أيضا هجوم إسرائيل على منزل خليل الحية في الدوحة، الذي هدف إلى تصفية قيادة حماس. جلست الولايات المتحدة مرة أخرى على المدرجات، كما فعلت حين هوجمت السعودية نفسها عام 2019.
هذا الأسبوع وقعت السعودية وباكستان “اتفاقا استراتيجيا للدفاع المتبادل”. وبموجب الاتفاق يُعد أي هجوم على إحداهما هجوما على كلتيهما. تفاصيل الاتفاق سرية، لكن وزير دفاع باكستان أوضح أنه “وقت الحاجة ستضع باكستان تحت تصرف السعودية كل قدراتها، بما في ذلك القدرة النووية”. سارعت تفسيرات سريعة إلى رؤية هذا الاتفاق ردا استعراضيا على هجوم إسرائيل في قطر أو كوسيلة ردع ضد إيران. غير أن الاتفاق يُطبخ منذ وقت طويل وبدأ التفاوض عليه قبل الهجوم في قطر بوقت طويل. يبدو أن السعودية تدرك أن سعيها إلى تطوير برنامج نووي مستقل على أراضيها، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم، سيظل على الورق، وأن “الحلف الدفاعي” مع الولايات المتحدة – الذي جرى وضعه مع الرئيس بايدن مقابل التطبيع مع إسرائيل – وجد لنفسه مكانا مريحا في التجميد. ان “الحلف الدفاعي” مع باكستان النووية هو ظاهريا إعلان نوايا واستعراض عضلات للسعوديين في مواجهة إيران وفي مواجهة الولايات المتحدة، ولم ترد واشنطن عليه بعد.
سيكون من المثير أن نرى كيف سيُطبق هذا التحالف إذا هاجمت الهند، الشريك التجاري الأبرز للسعودية، باكستان. إن توجه السعودية إلى “إعلان نوايا” علني دليل على التأثير المحدود للمملكة على إدارة ترامب. لا تستطيع السعودية ولا تنوي الانفصال عن مظلة الأمن الأميركية. وقد قال ابن سلمان في مقابلة مع “فوكس نيوز” عام 2023 إن “السعودية تستطيع نقل مشترياتها من السلاح من الولايات المتحدة إلى مكان آخر، لكن سعودية قوية يعني ولايات متحدة قوية، وأنتم لا تريدون أن نفعل ذلك”. ومنذ ذلك الحين تواصل السعودية شراء السلاح منها بمليارات الدولارات وتستثمر أكثر من تريليون دولار في اقتصاد الولايات المتحدة. أما “أدوات الضغط” التي يفترض أن توفرها مثل هذه الصفقات للمملكة، فستضطر إلى التكيف مع اعتبارات ترامب – الذي يسمع ابن سلمان، لكنه يصغي لنتنياهو.