أقلام وأراء

نواف الزرو: الحكومة الصهيونية إذ “تقطع قول كل خطيب” حول الدولة الفلسطينية وتعتبرها تهديدا استراتيجيا لوجودها

نواف الزرو 18-11-2025: الحكومة الصهيونية إذ “تقطع قول كل خطيب” حول الدولة الفلسطينية وتعتبرها تهديدا استراتيجيا لوجودها

في ظل هذه التطورات الدراماتيكية الكبيرة الاخيرة على اجندة الاعتراف الفرنسي- البريطاني-الكندي- الاسترالي -الاوروبي-الأممي بالدولة الفلسطينية، والذي يصل ذروته اليوم بالمشروع الامريكي الجديد المقترح ويشتمل على “مسار محتمل لقيام دولة فلسطينية “، اعلن ان “اسرائيل” تحرك لوبياتها للضغط على الادارة الامريكية لتخفيف صيغة المشروع الذي يعتبره مسؤولون اسرائليون مشروعا خطيرا لا يمكن التنبؤ الى أين سيتطور-الاعلام الاسرائيلي 2025-11-16″، ويجمع القادة الاسرائيليون من نتنياهو الى كاتس الى سموترتش الى بن غفير وغيرهم على رفض فكرة الدولة الفلسطينية جملة وتفصيلا معتبرين انها “ستكون دولة ارهابية تشكل تهديدا وجوديا ل”اسرائيل” التي هي وبالاجماع الاممي تقريبا دولة ارهابية خارجة على القواني الدولية…وكل ذلك رغم ان الوثيقة الامريكية لا تشتمل على جدول زمني يلزم باقامة الدولة الفلسطينية، ولا يشتمل على اطار لمراحل التنفيذ، ولا يحدد اهدافا ثابتة منذ البداية، كما انها لا تشير الى الوحدة بين الضفة وغزة كأفق سياسي.

وفي ضوء الاعتراضات الهستيرية الاسرائيلية لمثل هذا التوجه، نعود لإثارة قضية الدولة في الاستراتيجيات الصهيونية لنتبين الخلفيات والجذور التي تقف وراء الاعتراض الصهيوني الحربي الإبادي القاطع للاعتراف بالدولة الفلسطينية، فنحن نتابع ونعرف حجم الاعتراض على فكرة ومشروع الدولة الفلسطينية اولا من قبل الكثيرين في الوسط الوطني الفلسطيني وخارجه، وحتى ان البعض يذهب الى حد المؤامرة فيعتبر ان من يؤيد فكرة الدولة الفلسطينية يخون فلسطين والقضية وقد سمعت هذا الاتهام من بعض الاصدقاء والرفاق، ولكن في رأيي حتى نتبين استراتيجية الفكرة واهميتها في المشروع الوطني الفلسطيني، دعونا نتابع حالة الاجماع السياسي-الايديولوجي الصهيوني على إبادة فكرة الدولة الفلسطينية وتدمير عناصرها ومقوماتها، بحيث انها وصلت اليوم عمليا الى مستوى المستحيل بفعل المخططات الصهيونية…..!
فلماذا إذن الاجماع الصهيوني على تدمير مقومات الدولة الفلسطينية….!؟

ألا يعتبر اولئك الفلسطينيون والعرب الذي يهاجمون فكرة الدولة الفلسطينية من ذلك…؟!

حتى نتنياهو يعلنها واضحة وفاجرة على مدار الساعة:” لن نسمح باقامة دولة فلسطينية وينبغي قطع تطلعات الفلسطينيين للدولة-الصحف العبرية ووكالات-”، وقبل ذلك اعلن “لن أعترف أبدا وتحت أي ظرف بإقامة دولة فلسطينية/المصادر العبرية / ″، وعن المشروع الامريكي قال نتنياهو:” معارضتي لقيام دولة فلسطينية لم تتغير وغزة ستُجرد من سلاحها”،وجدد رفضه القاطع لإقامة “دولة فلسطين”، واضاف متفاخرا بمعارضته الإرادة الدولية بشأن الدولة الفلسطينية، “تصديت لهذه المحاولات لعشرات السنين، وأفعل ذلك أيضا في مواجهة الضغوط من الخارج ومن الداخل”. وانضم وزيرا الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس والخارجية جدعون ساعر إلى وزيري المالية بتسلئيل سموتريتش والأمن القومي إيتمار بن غفير بإعلانهما أنه “لن تُقام دولة فلسطينية”، على حد تعبيرهم، بل وذهب بن غقير ابعد من ذلك باعلانه:”لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، هذا اختراع ليس له اي أساس تاريخي أو أثري او واقعي، وهم مجموعة مهاجرين من دول عربية إلى أرض اسرائيل ليسوا شعبا وبالتأكيد لا يحق لهم جائزة على الإرهاب والقتل الذي زرعوه …الحل الحقيقي الوحيد في غزة هو دعم الهجرة وليس دولة تكون أساسا لاستمرار الارهاب، وأدعو رئيس الوزراء للإعلان بأن” إسرائيل لن تسمح بإقامة دولة فلسطينية باي شكل”، والواضح من خلال متابعة تصريحاتهم وادبياتهم واجراءاتهم الارهابية على الارض انهم يقفون بالاجماع الى حد كبير وراء موقف بن غفير…!

ونتابع: برغم عشرات القرارات الاممية التي تتحدث عن الحقوق الفلسطينية وفي مقدمتها حق تقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية، وبرغم عشرات مشاريع ومبادرات التسوية السياسية، وبرعم هدر نحو خمسة وعشرين عاما من المفاوضات مع الحكومات الاسرائيلية، وبرغم اتفاق اوسلو الذي تحدث عن دولة فلسيطينية تقام في ايار/1999، وبرغم كل الوثائق التاريخية الاخرى التي تؤكد الحقوق الفلسطينية، إلا ان الشعب الفلسطيني لم ينل أيا من حقوقه التاريخية، والدولة الفلسطينية المنشودة لم تقم، بل اننا نتابع اجماعا صهيونيا على تدمير فرص ومقومات الدولة ، واقرب واخطر الحروب الاسرائيلية في هذا السياق هي حرب ال‘بادة في غزة ، ناهيكم عن الاجراءات الاحتلالية في هذا السياق وقرارات الضم والتهويد لمنطقة الاغوار وشمالي البحر الميت، وهذا ليس عبثا، فالنوايا والمخططات مبيتة….!

وفي هذا السياق كان وثق ناشط السلام الاسرائيلي اوري افنيري في مقال نشر على موقع “كاونتر بنش”الاميركي-27 /5/ 2012، خلاصة تجربته ومعرفته بالاجندات الصهيونية الحقيقية، فكشف النقاب على سبيل المثال عن”ان الاباء المؤسسين للصهيونية قد تبنوا شعارا يقول”ارض بلا شعب لشعب بلا ارض”(وهو ما وضعه في وقت سابق مسيحي بريطاني صهيوني النزعة)، وهم يعتقدون ان ارض الميعاد خاوية على عروشها، لكنهم كانوا يعرفون انه كان فيها شعب”، ويضيف:”الحركة الصهيونية لم تحصل على جواب صريح قط على تساؤلها الاساسي: كيف يمكن اقامة دولة يهودية في دولة يسكنها شعب آخر، ولا يزال التساؤل حتى اليوم من غير جواب”، ويكشف افنيري هنا ما اطلق عليه الرمز الجيني للحركة الصهيونية قائلا:”لكن هذا لم يكن الا ما يبدو على السطح، ففي مكان ما تحت السطح تجد الصهيونية الرد، وهو ما يتضح من تلقاء ذاته، بانه لا حاجة الى التفكير في الموضوع، وقلة كانت لها الشجاعة للاعراب عنه صراحة، انه مكتوب في “الرمز الجيني للحركة الصهيونية، وبالتالي في وليدته دولة اسرائيل، وهذا الرمز يقول: دولة يهودية على كل اراضي اسرائيل، وبالتالي: معارضة كاملة لاقامة دولة فلسطينية – في اي وقت وفي اي مكان في البلاد وباي ثمن”، ويردف افنيري:”وتبدو سياسة اسرائيل الصهيونية مثل نهر ينطلق نحو البحر، وعندما يواجه عقبة، يدور حولها، ينقسم الممر الى اليمين والى اليسار، واحيانا الى الخلف، لكنه يحتفظ بتصميمه العجيب نحو الهدف، والهدف المطلوب هو قبول كل تنازل يمنحنا ما يمكننا ان نحصل عليه في اي مرحلة، ولكن من دون ان نحيد عن الهدف النهائي على الاطلاق، وهذه السياسة تسمح بالتنازل عن كل شي، الا واحدا: دولة عربية فلسطينية تؤكد وجود شعب عربي فلسطيني”.

وفي الجوهر، فان هذا الرمز الجيني للحركة الصهيونية انما يعني تطهيرا عرقيا إباديا شاملا للوجود الفلسطيني، كي تغدو البلاد بلا شعب لشعب بلا ارض، وبينما يستخلص افنيري بان “عملية التطهير العرقي، البديل لحل الدولتين، تبدو مستحيلة، وان الهدف الرئيسي وصل الى طريق مسدود”، فان المشهد الماثل في هذه الايام في فلسطين..في مدنها وقراها وخربها وامكنتها المختلفة، هو ذلك المشهد التدميري الذي لا يبقي ولا يذر من الارض والعرب شيئا…!

في احدث موقف اسرائيلي هجومي على مشروع الدولة الفلسطينية-الافتراضي-، أعربت مصادر إسرائيليّة وُصفت بأنّها رفيعة المُستوى في تل أبيب الاحد/2018-1-7، عن خشيتها العميقة من المعركة الدبلوماسيّة الجديدة(في حينه)التي قرر الفلسطينيون خوضها في الأمم المُتحدّة والجنايات الدولية وعلى مستوى الهيئات الاممية الاخرى للحصول على اعتراف بأنّ فلسطين هي دولة، ولم تعُد تكتفي باعتبارها دولة غير عضو في المنظمة الامميّة .وبحسب المُراسل للشؤون السياسيّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة، فإنّ المصادر عينها اعتبرت الخطوة الفلسطينيّة الجديدة بمثابة تحطيمٍ لجميع الأواني مع إسرائيل، مُشدّدّة على أنّ الحديث يدور عن خطوةٍ فلسطينيّة مُتطرّفةٍ وخطيرةٍ للغاية، يُمكن لرئيس السلطة محمود عبّاس أنْ يتخذّها ضدّ الدولة العبريّة.مع ذلك، طمأنت المصادر نفسها بأنّ مشروع القرار الفلسطينيّ لن يمر في مجلس الأمن الدوليّ لأنّ واشنطن ستلجأ لاستخدام حقّ النقض (الفيتو) لإفشال المُبادرة الفلسطينيّة، كما تلقّى المُستوى السياسيّ معلوماتٍ مؤكّدةٍ من الإدارة الأمريكيّة.

وفي ضوء ذلك، وكي لا يستمر البعض في التوهان والاوهام دعونا نوضح اكثر:

في خضم الجدل الصدامي حول مشروع الدولة الفلسطينية على الاجندة الاممية، فالدولة الصهيونية تعتبر حمل مشروع الدولة الفلسطينية الى الامم المتحدة ومنظماتها، حملة هجومية استفزازية عدائية لها من قبل الفلسطينيين، تهدف الى محاصرة”اسرائيل” ونزع الشرعية الاممية عنها، وكانت وصفته باليوم الاسود على “اسرائيل”..!.

وتعتبر المؤسسة الامنية السياسية الاستراتيجية الاسرائيلية “ان فلسطين ل”اسرائيل”، وان من حقها ان تعمل على تفكيك كافة التهديدات المحتملة لبقاء واستمرار تلك الدولة، وتعتبر ان مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة في مقدمة تلك التهديدات، لذلك تضع تلك الدولة كافة العراقيل التي من شانها تعطيل هذا المشروع حتى لو اضطرت في ذلك الى شن حروب وحروب لا تتوقف على الفلسطينيين…!، ما كان اكده المحلل شالوم يروشالمي في معاريف عن حقيقة موقف نتنياهو تجاه الدولة الفلسطينية قائلا:”نتنياهو مقتنع بان تقسيم البلاد الى دولتين هو مصيبة عظيمة وتهديدا استراتيجيا من الدرجة الاولى على وجود دولة اسرائيل، وهو مقتنع بان الدولة الفلسطينية نفسها هي تهديد ديمغرافي فظيع للصهيونية، بعد أن يتدفق اليها ملايين اللاجئين الذين سيطالبون بجمع شمل العائلات وحق العودة”، وهذه الدولة، برأيه، “ستكون اليوم رأس حربة لهجوم عربي شامل على اسرائيل، وحتى جيش صغير نسبيا، مزود بتكنولوجيا حديثة، يمكنه أن يهدد مدن اسرائيل بشكل مباشر” (“مكان تحت الشمس”، صفحة 339).

وعلى نحو متكامل، لا تقلل”اسرائيل” من خطورة الدلالات الاخلاقية والقانونية والمعنوية للقرارات الدولية المناصرة للحق العربي الفلسطيني ولاقامة الدولة الفلسطينية، لذلك تجند كافة طاقاتها ولوبياتها وادواتها في العمل من اجل احباط مشروع الدولة واسقاطه عن الاجندة الاممية، فهي تعتبر هذا التوجه استفزازا بل حربا اعلامية اخلاقية تشكك بشرعية وجود”اسرائيل”، وفي ذلك قالت صحيفة يديعوت أحرونوت”أن إعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد وحصولها على اعتراف الأمم المتحدة، سيخلق أزمات قانونية عديدة أمام إسرائيل، إلى جانب صعوبات على المستوى الأمنى والمدنى والدبلوماسى”. ونقلت يديعوت عن “ميخال سفراد” الخبير فى القانون الدولى لحقوق الإنسان قوله: “إننى متأكد بأننا سنواجه أزمات مختلفة على مدار الساعة، فإذا تم الاعتراف بدولة فلسطين وتحولت إلى عضو فى الأمم المتحدة فإن إسرائيل ستدخل فى مأزق وتعقيد قانونى أمام المجتمع الدولى”.

والكاتب آري شبيط يقول في هآرتس”العنوان على الحائط: اذا اعترفت الجماعة الدولية بالدولة الفلسطينية، ففي تلك اللحظة ستصبح كل شقة اسرائيلية في التلة الفرنسية غير قانونية، وستنقض كل قاعدة عسكرية في الضفة الغربية سيادة دولة مستقلة عضو في الامم المتحدة، ولن يكون الفلسطينيون ملزمين بنزع السلاح والسلام والاعتراف المتبادل الحقيقي والمصالحة على الاراضي، وستكون اسرائيل ملزمة بانهاء كامل في الحال للاحتلال، وستتحول المواجهة سريعا الى مواجهة شعبية، وعندما يستعمل الجيش الاسرائيلي القوة في مواجهة المتظاهرين الفلسطينيين الذين سيسيرون في مسيرات نحو القدس سيتم التنديد باسرائيل. إن حصارا سياسيا من الخارج وانتفاضة مدنية من الداخل سيخنقان اسرائيل بقوة”.

ولكل ذلك، ولما تنطوى عليه عملية العودة الفلسطينية الى الامم المتحدة ولهيئاتها من تداعيات لا تسر”اسرائيل” بل تزعجها وتقلقها، حيث انها لا تريد اي عودة للقضية الفلسطينية الى المرجعيات الدولية، وحيث تعتبر ذلك حربا ديبلوماسية سياسية فلسطينية. دعونا لا نقلل من اهمية حمل مشروع الدولة الفلسطينية الى الامم المتحدة…!

وفي المشهد كذلك نستحضر الادبيات السياسية الامريكية التي تقف وراء انحياز الادارة الامريكية الى الموقف الاسرائيلي التي تعتبر هذا التوجه الفلسطيني عملا استفزازيا ل”اسرائيل” ولن يسفر عن شيء حقيقي للفلسطينيين، فقد رفضت الولايات المتحدة خطط الفلسطينيين للحصول على اعتراف بدولة مستقلة من جانب واحد في الامم المتحدة قبل التوصل الى اتفاق سلام مع اسرائيل، ويذكر أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان قد واصل سياسات سابقيه من الرؤساء الامريكان، و اكد إن “التصويت في مجلس الأمن لن يقيم دولة فلسطينية”، وإنه يعارض هذه الخطوة، فبات واضحا تماما ان واشنطن ستستخدم الفيتو ضد إعلان الدولة الفلسطينية..

ثم جاء الرئيس ترامب ليواصل ذات النهج باسقاط مشروع “حل الدولتين” على نحو سافر ومدو، ولتغدو الاجندة الامريكية وكأنها اجندة اسرائيلية وكتبت بايد اسرائيلية…؟!

ثم جاء الرئيس بايدن ليواصل ذات النهج والسياسة تجاه الحقوق الفلسطينية ومشروع الدولة المستقلة، ثم أخيرا يأتينا عهد ترامب المشبع بالروحية الصهيونية العدائية للحقوق الفلسطينية مرة اخرى…!

وفي الخلاصة المفيدة: ألا يستخلص كل المهاجمين والمنتقدين الدلالات والعبر من قراءة الادبيات الصهيونية والامريكية-البريطانية المتعلقة بالمشروع الوطني الفلسطيني وإقامة الدولة…..؟.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى