أقلام وأراء

نبيل عمرو: ترامب.. وفائض الولاء في الشرق الأوسط

نبيل عمرو 21-10-2025: ترامب.. وفائض الولاء في الشرق الأوسط

أنفق الفلسطينيون والعرب وقتاً طويلاً في السجال حول طوفان الأقصى، وما ترتب عليه.

أصحابه، ومن معهم، اعتبروه إنقاذاً للقضية الفلسطينية من التبدد والتصفية، وخصومه ومن معهم اعتبروه مخاطرةً غير محسوبة النتائج، بدليل تدمير غزة بالكامل، وقتل وجرح وإعاقة أكثر من ربع مليون إنسان على مدى سنتين. المختلفون تشاجروا كثيراً على الفضائيات، دون أن يقنع طرف الطرف الآخر بروايته.

في الواقع الفلسطيني المنقسم على كل شيءٍ حتى البديهيات، لن يتوقف هذا السجال مهما كانت النتائج الملموسة التي أفرزتها عملية طوفان الأقصى والرد الإسرائيلي عليها بالسيوف الحديدية، هذا السجال سوف يستمر إلى ما لا نهاية، فهذه إفرازات الانقسام، الذي اجتاح الحالة الفلسطينية على مدى سبعة عشر عاماً، وأنتج صراعاً داخلياً لم يفلح الكون كله في إنهائه، بل امتد ليشمل دولاً وقوى عديدةً في المنطقة.

ما نراه الآن على خارطة الواقع وليس خرائط التخيلات، أن غزة دُمّرت بالكامل.

أهل غزة.. خسروا مئات آلاف الشهداء والجرحى والمعاقين، ذلك غير الخسائر التي ستكتشف في قادم الأيام، حيث نسبة الأرامل والأيتام تفوق أي نسبة في الكون كله، ونسبة الأطفال الذين قُتلوا، أو دفنوا تحت الأنقاض، غير مسبوقةٍ في حروب القرن الحادي والعشرين، أمّا الطلاب فقد فاتتهم ثلاث مواسم دراسيةٍ من الحضانة إلى الجامعة.

وبمنطق النسبة والتناسب، فالخسارة جسيمة، والمكاسب تكاد لا تُرى، إلا إذا اعتبرنا التظاهرات التي حدثت في عواصم العالم توازي في أهميتهما ومردودها الخسائر التي وُصفت بالتكتيكية، وليحمنا الله من الإستراتيجية إذا كانت التكتيكية بهذا الحجم.

الرابح الأكبر بالحسابات والنتائج الملموسة هي أميركا التي كانت قيادتها تفكّر بالهرب من الشرق الأوسط إلى أماكن أخرى في العالم، وإذا بها، وبأقل الخسائر، تجد نفسها ملكةً متوّجةً عليه، ما أصاب ترامب بشيءٍ يشبه «الدوار» حين رأى تسابق دول العالم على مبايعته كمخلّصٍ للبشرية ومنقذٍ للشرق الأوسط من التفكك والانهيار.

بأقل الخسائر تمّ تتويج ترامب، ليس ملكاً على إسرائيل فقط، مثلما حدث في الكنيست، بل ملكاً على الشرق الأوسط بحيث لم يحظَ أيّ رئيسٍ أميركي منذ تأسيس الولايات المتحدة بما حظي به، حتى أصبح الرجل يعاني من فائض الولاء له ولأميركا.

من هنا ينبغي تقويم ما حدث بين السابع من أكتوبر 2023، إلى العاشر منه 2025، وما بعده، وحين نرى الحقائق كما هي نكتشف سذاجة السجال بين مَن مع ومَن ضد، فالمع والضد في نهاية الأمر صبّا كل ما لديهما أو ما تبقى عندهما في طاحونة ترامب، وكلٌّ يأمل أن يشمله بعين العطف.

كل مكانٍ تدخلت أميركا فيه كانت تُمنى بخسائر باهظة في الأرواح والمعدات والأموال والهيبة، وما زال عالقاً في الذاكرة هروبها المخجل من فيتنام في منتصف القرن الماضي، وهروبها من أفغانستان في أوائل القرن الحالي، وما نراه الآن هو أن التعويض عن كل ذلك وبأرخص التكاليف يتم في الشرق الأوسط، بينما السجال البائس مستمر، هل ما حدث في السابع من أكتوبر كان نعمةً أم نقمةً؟.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى