معهد INSS – المواجهة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين وتأثيراتها على اسرائيل

نظرة عليا – بقلم اساف اوريون – 16/7/2019
اربعة عقود من النمو الاقتصادي السريع، والى جانبه تقوي واصلاحات عسكرية، مكنت الصين من التعبير عن “حلم تجديد شبابها الوطني”، وتوسيع مدى نفوذها في محطيها وفي العالم، واظهار التصميم المتزايد في سياستها الخارجية، بالاساس منذ الازمة الاقتصادية من العام 2008. في خططها بعيدة المدى اعتبرت القيادة في الصين الحداثة رافعة اساسية من اجل الازدهار، وحددت القدرات التكنولوجية الحيوية لمستقبلها. الولايات المتحدة من ناحيتها استيقظت في السنوات الاخيرة وهي متفاجئة وغاضبة على “العقد المفقود” في حروب الشرق الاوسط، التي خلالها تنازلت عن المنصة للصين، وحتى ساعدت في صعودها. ادارة الرئيس ترامب الذي احتلت الصين مكان رئيسي في حملته الانتخابية، تدير حملة ضغوط شديدة ومستمرة لتحسين الميزان التجاري بين الدولتين العظميين، وتغيير شروط التجارة المتبادلة، التي حسب رأيها تميل الى غير صالح الولايات المتحدة، وتعاني من الظلم. فرض الضرائب الثقيلة على الصين كوسيلة ضغط داعمة للمفاوضات، اعتبر في وسائل الاعلام “حرب اقتصادية”، عنوان كبير يضع الموضوع بدون وجه حق في مركز تنافس الدول العظمى.
في نهاية العام 2017 نشرت الادارة الامريكية استراتيجيتها للامن القومي، واعتبرت علاقتها مع الصين كمنافسة استراتيجية بين الدول العظمى، ووضعتها على رأس سلم اولوياتها. في نفس الوثيقة اعتبرت الحداثة والتكنولوجيا المتقدمة والنمو الاقتصادي دعامة اساسية في الامن القومي للولايات المتحدة. في حين أن المعلومات اعتبرت مورد حيوي في القرن الواحد والعشرين مثل النفط في القرن العشرين. وفقا لذلك، الولايات المتحدة بدأت تعمل بنشاط ضد التهديدات الرئيسية التي تتماهى مع أمنها القومي: نقل تكنولوجيا مكثفة للصين بواسطة التجسس، سرقة تكنولوجيا، نشاطات اكاديمية وتجارية، نقل المعرفة القسرية، تأثير وسيطرة اجنبية على أصول البنى التحتية، المعرفة والتكنولوجيا، ضمن امور اخرى، بواسطة الاستثمارات والصفقات التجارية؛ اعتماد امريكا على عناصر من انتاج اجنبي في اطار سلاسل تزويد بالتكنولوجيا الحيوية، بما في ذلك في مجال الدفاع والجيش؛ ابعاد الولايات المتحدة عن الفضاء الهندي – الباسفيكي بواسطة دمج تعاظم عسكري صيني مع وسيلة تأثير اقتصادية – سياسية بنيوية تحتية “جيواقتصاد“، وعلى رأسها مبادرة “الحزام والطريق” التي اعلن عنها الرئيس الصيني في 2013، سعي الصين الى تغيير النظام العالمي والمؤسسات الدولية، التي تم تشكيلها برئاسة الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية؛ تحدي الديمقراطية الليبرالية كنموذج للحكم السليم في العالم بواسطة نظام مستبد واقتصاد مركزي ورقابة وثيقة وقمعية على الاقليات ومعارضي النظام.
ازاء هذه التهديدات الواسعة والمتنوعة، التي تمتد الى أرجاء كل العالم، الولايات المتحدة توجد في المراحل الاولى من بلورة سياسة ورد، سواء في الداخل أو ازاء شركاء وحلفاء. تغيير العلاقات التجارية ربما هو الجهد الاكثر نضج في تطبيقه، كما وصف أعلاه. وليس بعيدا خلفه يوجد مجال الاتصالات، وفي مركزه الجيل الخامس من وسائل الاتصال الخلوية. هذه هي البنية التحتية المستقبلية والحيوية لـ “الانترنت” والسيارات بدون سائق والريبوتات والنشاطات الاقتصادية التي تحتاج الى خبرة واسعة والنشاطات العسكرية. في هذا السياق لاحظت الولايات المتحدة شركة الاتصالات الكبيرة في الصين “هاواوي” و”زيد.تي.اي” واعتبرتها لاعبات اساسية في المنافسة على تشكيل خارطة الاتصالات والمعلومات في العالم. بعد عقد من الاعلانات عن دور “هاواوي” في خدمة الحزب الشيوعي في الصين، الجيش والحكومة، بدأت الولايات المتحدة بعدة خطوات ضدها، بما في ذلك وضعها في قائمة الشركات التي يسري حظر على بيع أجزاء وخدمات لها. اتهام شخصية كبيرة فيها بخرق العقوبات، وخطوات قانونية واقتصادية مختلفة. الولايات المتحدة ايضا دعت اصدقاءها المقربين في ناتو “العيون الخمسة” (بريطانيا وكندا واستراليا ونيوزلندا) وشركات اخرى في العالم الى الامتناع عن دمج منتوجات هاواوي في بنى اتصالاتها التحتية، بل وهددت بتداعيات قاسية على التعاون الاستخباري والامني لها مع الولايات المتحدة اذا لم تفعل ذلك، لكنها اجيبت بردود مختلفة. على كل الاحوال، يبدو أن سياسة الولايات المتحدة ستسعى بالتدريج الى فصل انظمة عالمية معينة (في مجال الاتصالات المتقدمة) وفي مجالات اخرى ستواصل العمل في اطار اقتصاد العولمة المندمجة، وفي تطوير علاقاتها مع الصين بشروط محسنة.
الصين هي الآن “موضوع ساخن” في الولايات المتحدة، سواء في اوساط جهات مختلفة في الادارة أو في اوساط الجمهور، في السياسة وفي القطاع الخاص. تشخيصها كتهديد رقم واحد على الامن القومي يحولها الى رافعة للدفع بأجندات مختلفة ومتنوعة، بدء من بناء القوة لاذرع الجيشالامريكي ومرورا بالحفاظ على وتطوير وظائف في الصناعة الامريكية التقليدية وتكنولوجيا متطورة وانتهاء بالقلق على حقوق الانسان. حسب اقوال احد الخبراء في واشنطن في سياسة الولايات المتحدة في آسيا “تهديد الصين هو الآن محرك النمو لكل تنظيم في الولايات المتحدة”. وحجم المنشورات في وسائل الاعلام ولهجتها، تعكس ذلك بشكل جيد. من يعملون في هذا المجال يتحدثون عن تحول كبير للخبراء الامريكيين في الشؤون الصينية الى مواقف صقورية أكثر، بما في ذلك من كانت لديهم مواقف معتدلة نسبيا في السابق. في السياسة الامريكية المتقاطبة والمنقسمة جدا، الصين تظهر بالتحديد كموضوع فيه يسود توافق سلبي بين الحزبين.
في موازاة ذلك، في العقد الاخير حدث نمو سريع في العلاقات بين اسرائيل والصين، اللتان اختارتا التركيز على الدفع قدما بالعلاقات الاقتصادية والتجارية وتجاوز الفجوات بينهما في مجالات سياسية وامنية واستراتيجية. في بداية 2017 اسس الطرفان “شراكة شاملة للحداثة”. وبهذا عبرا من ناحية عن اساس الاهتمام المشترك، ومن ناحية اخرى امتنعا عن ذكر كلمة “استراتيجية”، مثل الكثير من شبكات العلاقات الصينية في العالم. منذ ازمات العقد السابق (الغاء صفقة طائرات الانذار “فالكون” في العام 2000 والسلاح المارق “هاربي” في العام 2005، بضغط الولايات المتحدة) من الواضح للطرفين أن التصدير الامني وحتى مزدوج الاستخدام من اسرائيل الى الصين هو خارج المجال. اسرائيل هي حقا لاعبة صغيرة وهامشية في المنافسة العالمية، لكن تقارب مصالح القوى العظمى في ميزتها النسبية والابتكار التكنولوجي وتكنولوجيا الانترنت، كل ذلك يعزز تحدي السياسة التي تواجهها. كبوابة محمية جدا، حيث من كلا طرفيها، ضمانات واسعة، فان الاجهزة الامنية في الماضي تتضاءل بسبب التوسع المستمر في الامن القومي للدول العظمى.
اصداء عاصفة الاتصالات في الولايات المتحدة تصل ايضا الى اسرائيل. في السنة الماضية حدثت زيادة تدريجية في حجم المنشورات في الولايات المتحدة، التي تصف بقلق نمو العلاقات الاسرائيلية مع الصين وتعتبرها دمج بين الخطر على الامن القومي الامريكي وبين انكار الجميل من قبل حليفتها المقربة. في اساس هذه الامور توجد فجوة عميقة بين ادراك التهديد في امريكا وفي اسرائيل: في حين أنه بالنسبة لاسرائيل تشكل الصين خطر امني معين، التي تجربتها معه مقلصة نسبيا، فانه بالنسبة للولايات المتحدة الصين هي التهديد الاول للامن القومي: عسكريا وأمنيا واقتصاديا وتكنولوجيا واستراتيجيا وايديولوجيا. حسب ما نشر في وسائل الاعلام فقد ركزت استفسارات مسؤولين امريكيين على مخاوف الولايات المتحدة حول ثلاث قضايا رئيسية: مراقبة الاستثمارات الاجنبية، مشاركة الصين في ميناء حيفا، ازالة الصين من البنى التحتية للاتصالات في اسرائيل في المستقبل. حسب التقارير، فان تحذيرات امريكية حول ذلك اسمعت في لقاءات رسمية بين ممثلي الحكومتين، ومؤخرا ايضا تم ذكرها في مشروع قرار للجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ.
سياسة اسرائيل في مثلث العلاقات مع الصين والولايات المتحدة مطلوب منها الموازنة بين استغلال الامكانيات الكامنة الكبيرة للصين من اجل تطوير اقتصاد اسرائيل وبين ادارة المخاطر التي تنبع من ذلك: سواء بشكل مباشر على أمن اسرائيل نفسها أو بشكل غير مباشر على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، التي تشكل الركيزة الاساسية للامن القومي فيها. في قرارات الحكومة التي نشرت حول هذا الشأن (آخرها رقم 1687 من العام 2014) هناك تأكيد واضح على استغلال الفرص مقارنة مع ادارة المخاطر. يبدو أنه في السنة الاخيرة حدث تغيير معين في هذا الوضع، وحكومة اسرائيل منشغلة في بلورة رد على معظم المجالات والعثور على نقطة التوازن الصحيحة بين الاعتبارات الاقتصادية والامنية. وكما هو متوقع، فان جدول اعمال مليء والانتخابات المعادة لا تسهل على التقدم، المرتبط اصلا بتسوية التوترات بين جهات ومصالح متنوعة. في المقابل، تدير الحكومة حوار متواصل مع الادارة الامريكية من اجل ازالة مخاوفها. رد الحكومة على تحدي الدبلوماسية العامة ما زال في مهده.
سياسة اسرائيل تعتبر الولايات المتحدة حليفة استراتيجية وتعتبر الصين شريكة اقتصادية هامة. على سبيل النظام، هذا يعني تأييد الولايات المتحدة في كل المجالات التي تقتضي ذلك، وزيادة تحسين العلاقات مع الصين في جميع المجالات على اساس تقييم مخاطر مستقل وحوار وثيق مع الولايات المتحدة، من الصواب أن تستجيب اسرائيل لطلبات امريكا في القضايا التي اعتبرت فيها تهديد خطير على أمنها القومي، بلورة رد منظم يقتضي وقوف قاطع الى جانبها. في المجالات التي فيها ترى الولايات المتحدة نفسها خطر اقل في العلاقات مع الصين أو ما زالت تبلور رد وسياسات، يكون قد بقي لاسرائيل فضاء مرن اكبر لمواصلة تطوير علاقاتها التجارية مع الصين.
هكذا، يبدو أنه بين المسائل التي طرحت امام اسرائيل، امن البنى التحتية للاتصالات مع التأكيد على الجيل الخامس، هو المسألة الناضجة المحددة والاهم للولايات المتحدة، وبعد ذلك تأتي مسألة الرقابة على الاستثمارات الاجنبية. في القضية الاولى من المعقول أنه لا يبدو هناك عناصر صينية ذات اشكالية في البنى التحتية للاتصالات المتقدمة في اسرائيل، وفي المسألة الثانية سيستمر تقدم كل العمليات الحكومية لادارة المخاطر. بخصوص ميناء حيفا، حسب ما نشر وحسب المحادثات مع شخصيات رفيعة مقربة من السياسة الامريكية، يبدو أن خطورة التهديد في نظر الادارة أقل من المسألتين الاوليين، وأن المخاطر المحتملة المرتبطة به يمكن ادارتها بصورة مسؤولة دون الغاء الصفقة.
بالنسبة للمستقبل يمكن لاسرائيل الافتراض أن العلاقة بين امريكا والصين ستستمر في كونها الاهم في العالم لعقود قادمة. وأن التوتر بينهما لن ينقضي مع تبدل الادارات والرؤساء. الديناميكيات والديالكتيك في علاقات الدول العظمى وفي سياسة الولايات المتحدة تلزم اسرائيل بتحديث سياستها بصورة مستمرة وفقا للتطورات والحوار المستمر. التحديات القادمة تظهر في مجال الذكاء الصناعي، اشباه الموصلات والروبوتات والحوسبة الكوانتية والفضاء والتكنولوجيا الحيوية والابتكار بشكل عام، وكل ذلك ينطوي على امكانيات هائلة في مجال الاقتصاد والامن والشؤون العسكرية. وفي الدول العظمى حددوا هذه المجالات بالفعل، لكن المناطق نفسها والسياسة بخصوصها في تشكل مستمر. سواء في حد ذاتها أو في الحوار مع واشنطن وبكين. من المهم جدا لاسرائيل أن تتعلم تجربة الدول الاخرى في العالم التي تشترك معها في اصول مماثلة وأن تسعى الى العمل في الفضاء الذي يقع بين القوتين العظميين.
حسب خصائص التحدي، على ادارة السياسات القومية تضمين العناصر التالية:
•ادارة العمليات التي يقوم بها مكتب رئيس الوزراء من وجهة نظر تكاملية لجميع الاعتبارات المتعلقة بادارة مثلث العلاقات مع امريكا والصين: الاستراتيجية والامنية والاقتصادية والعلمية.
•زيادة الموارد المستثمرة حاليا في التعامل مع هذه المسالة في الهيئات الامنية ووزارات الحكومة.
•حوار مستمر متعدد المنظمات مع الادارة الامريكية، وفقا للهيئات المختلفة المشاركة في ذلك في الولايات المتحدة.
•تعميق الشراكة التقنية والاقتصادية مع امريكا وحتى السعي من اجل “تحالف استراتيجي للابتكار” معها وبالتالي تعظيم رصيد اسرائيل بالنسبة لها.
•ادارة استباقية لتحديات الدبلوماسية العامة في اسرائيل وامريكا وفي وسائل الاعلام وفي مجلس النواب وفي السياسة حيث بقيت المنصة هناك حتى الان في ايدي الاصوات الانتقادية فقط.
•وفي المقابل استمرار التقدم في العلاقات التجارية مع الصين في المجالات التي يكون فيها ذلك ممكنا وصحيحا من منظور شامل.
•تسريع البنية التحتية للمعرفة القومية والاكاديمية لاسرائيل عن الصين الحديثة الذي لا يناسب مكانة الصين في العالم الآن وفي المستقبل ولا حتى تحديات السياسة التي تواجه الحكومة الاسرائيلية.



