ترجمات عبرية

معاريف: هل يحتاج النظام السعودي سلاماً معلناً مع إسرائيل؟

بقلم: جاكي خوجي، معاريف 15/7/2022

في لحظة نشر هذه السطور، يشق الرئيس الأمريكي طريقه إلى مستشفى أوغستا فكتوريا في شرقي القدس. ومن هناك سيواصل الطريق للقاء أبو مازن في بيت لحم. بالنسبة للجمهور الأمريكي، المكان أهم مما سيقال في الغرفة. 45 دقيقة فقط خصص الطاقم للقاء، وفهمت قيادة السلطة الرسالة جيداً. صحيح أن الضيف يعطي الشرف، لكنه يرغب في رفع العتب.

ليست السلطة ولا إسرائيل هما هدف زيارة بايدن إلى المنطقة. العلامة التجارية “فلسطين” في العام 2022 هي سهم من حالة هبوط، لم تعد ساحرة لكل من رغب في عزتها، ولا حتى لأولئك الذين تاجروا فيها لسنوات طويلة. فالسعودية تشغل بال بايدن أكثر بكثير. الرياض اليوم، بخلاف السنوات الماضية، هي شعلة ينبغي إطفاؤها قبل أن تتطور إلى ضرر حقيقي للمصالح الحيوية للولايات المتحدة. في قائمة هذه المصالح، اتفاق سلام إسرائيلي – سعودي ليس في قمة سلام أولويات بايدن، ولا السعوديين أيضاً. ليس لأنه لا يشكل إنجازاً بل لأن هناك أموراً ملحة أكثر منه: إعادة العلاقات الطيبة إلى سابق عهدها مثلاً، وكبح جماح ارتفاع أسعار النفط. يصل بايدن إلى هناك في ختام سنة قاسية في علاقاته مع القصر السعودي (وجيرانهم في الإمارات). قد نفهمهم: في مفاجأة كبرى وعلى مدى أكثر من سنة، شاهدوه يجري محادثات نشطة مع إيران لتسوية موضوع النووي. بعد ذلك، مع نشوب الحرب في روسيا، واصل تقريه من كريهة أنفسهم قطر.

أمسك القصر السعودي بورقة منتصرة منذ الأزل، لكنه قلل من استخدامها. العرب يسمون هذا “سلاح النفط”. كلما قلل كميات الإنتاج ارتفع سعر البرميل في السوق العالمية. السعودية واحدة من ثلاث دول الأكبر إنتاجاً في العالم (إلى جانب روسيا والولايات المتحدة). لهذا السبب، فإنها تتحكم بالأماكن الإسلامية المقدسة، بل وتمسك بصنبور النفط العالمي. إذا ما زادت إنتاج البراميل فستنخفض الأسعار وتهدأ الأعصاب. يسير بايدن نحو مهمتين وطنيتين: أن يتصالح مع بيت سعود بعد الشرخ الذي نشأ عقب التقارب مع طهران والدوحة، وإقناعهم بالمساهمة في استقرار أسعار النفط. وسيتطلع هو ومضيفوه لتوثيق بنود مفتوحة في عدة صفقات سلاح موجودة على الطاولة.

صحيح أن الحديث يدور عن رئيس خبير، سياسي قديم له باع في العلاقات الخارجية، لكن ثمة قوانين خاصة لأبناء القبائل في الخليج. القانون الأول يقول: لا يوجد إلا رب بيت واحد في خيمتي. الوجيه بين الضيوف لن يكون ابن بيت ولن يقرر القواعد. وإذا ما تصرف بشكل غير مناسب، فيجب وضعه في مكانه. كان يسعدني لو كنت ذبابة على الحائط حين يتحدثون في الغرفة عن إيران وقطر.

عودة إلى القناة الفلسطينية

تدخل إسرائيل إلى داخل السياسة ثائرة الأعصاب هذه. الابنة المدللة المحبوبة، الذكية التي تأسر عيون كل من يراها، لكنها تحمل معها منذ نعومة أظفارها عقدة: تحتاج بيأس للاعتراف والعناق. الصحافيون الأجانب الذين تابعوا النقاش الإعلامي الذي جرى هنا في الأسابيع الأخيرة سيفهمون بالخطأ بأن السلام مع السعودية خلف الزاوية. سيهبط بايدن هنا، وسيحصل منا على مباركة الطريق، ثم يسافر إلى هناك ويعلن انضمام السعودية إلى اتفاقات إبراهيم. لكن الحياة أحياناً تدمر الواقع. وفي الحياة نفسها، لم يفكر الأمريكيون والسعوديون بجلب اتفاق سلام جديد في هذه الزيارة.

النظام السعودي لا يحتاج لسلام رسمي ومعلن مع إسرائيل. كل ما يحتاجه منا يحصل عليه من تحت الطاولة: التعاون على أنواعه في مواضيع الأمن، وشراء المنظومات المختلفة، وتبادل المعلومات الاستخبارية. أما الثمار فتجنيها إسرائيل في الحقل الأمني. عندما يسكن العدو هناك، بعيداً عنا، وباستطاعة إسرائيل مصارعته أمام ساحته، فسيكون تفوقها عليه كبيراً. هكذا فعل الإيرانيون. بنوا “حزب الله” ويستعينون به كذراعهم الطولى على عتبة إسرائيل.

إضافة إلى ذلك، للسعوديين مكانة سياسية ملزمة؛ فهم الذين وضعوا مشروع السلام العربي، الذي سمي في بدايته المبادرة السعودية. وقضى ذاك المشروع بأن تحظى إسرائيل بسلام كامل مع جيرانها إذا ما نفذت انسحاباً كاملاً من كل المناطق العربية التي احتلتها. وقد أقر هذا رسمياً من الدول العربية كلها في مؤتمر الجامعة العربية في 2002. لم يكن هذا إعلاناً فحسب؛ فبمجرد إقرار هذا المشروع، حطم العرب اللاءات الثلاث لقمة الخرطوم في 1967: لا للاعتراف بإسرائيل، لا للمفاوضات، ولا للسلام معها. ومنذئذ، تحطمت مبادئ الخرطوم المرة تلو الأخرى.

إذا سارت الرياض نحو السلام مع إسرائيل هذه الأيام، دون انسحاب من “المناطق” [الضفة الغربية] فإنها ستخجل نفسها. فأي وجه سيكون لها بعد أن أقنعت الدول العربية كلها بترك الفكرة التي عملت عليها والتضامن العربي مع الفلسطينيين والأقصى. فلا حاجة حيوية ستنشأ عن مثل هذا الاتفاق. الاحتياجات الحيوية كما أسلفنا تحصل عليها على أي حال.

لا مكانة دينية وسياسية محترمة لأختيها، البحرين والإمارات، كما هو حالها. ولهذا، فقد كانتا محررتين لصنع السلام مع إسرائيل، أما السعودية فلها مكانة عليا، والمكانة ملزمة. من جهة أخرى، هي تريد التقرب من القدس. وعليه، فقد وجدت الطريق الوسطى: أن تسخن ببطء وبشكل مقنون، وفي كل مرة تفتح فتحة أخرى في النافذة. لهذا السبب، منحت إسناداً كاملاً لجارتيها حينما أرادتا التقرب من إسرائيل، وبدأت بنفسها تشرع في سلسلة بادرات طيبة صغيرة: إعلانات تأييد سياسي لنا، طيران إلى الهند يسمح له بالمرور في مجالها الجوي، واذن لصحافيين إسرائيليين بالزيارة هناك علناً. بعض ذلك استهدف إظهار نية طيبة للرئيس بايدن. والباقي لإطلاق رسالة لإسرائيل بأن الوقت ليس ناضجاً لعلاقات كاملة، لكن النية الطيبة موجودة بالتأكيد.

في اليوم الذي ترغب فيه السعودية في إذابة الثلج مع إسرائيل، سيتعين عليها أن تدفع بالقناة الفلسطينية. ألقي بالفلسطينيين إلى القناة من قبل السادات بعد أن لم يكسبوا شيئاً من السوفييت، وتبين لهم أن الكلاشينكوف وعبوات المسامير سيف مرتد، وخاب أملهم من الأمريكيين، وسيكتشفون في السنوات القادمة العناق السعودي. البقرة بنفسها سترغب في الإرضاع، إذ تزيد بذلك احتمال استقرار التقرب من إسرائيل في قلوب العرب.

يمكن تحديد الموعد الذي قد تنطلق فيه المسيرة على الدرب. رحيل الملك سلمان بن عبد العزيز. فسلمان شيخ وضعيف، وابنه محمد يدير معظم شؤون المملكة. في سنواته السبع بصفته ولياً للعهد، عمل الابن على تصفية المعارضين – في العائلة، وفي هيئات الأمن، وفي أوساط النخبة الدينية، وعليه فإن طريقه مفتوحة لخلافة أبيه. إذا لم يقع خلل في طريقه ستكون هذه هي المرة الأولى التي يعين فيها حفيد مؤسس المملكة، ابن سعود، ملكاً.

وإذا لم يكن الأمر ملموساً، فهذه السنين هي سنين تغيير الوردية. الملك في آخر أيامه (في كانون الأول سيبلغ 86 سنة)، مثل أبو مازن أيضاً الذي احتفل بـ 87 سنة. في وقت ما في المستقبل المنظور، سيرثه ابنه محمد بن سلمان. التقرب من إسرائيل جزء من رؤياه العلنية. وهي تستهدف تعزيز المكانة الدولية لبلاده وقدرتها على إيلام الإيرانيين بعض الشيء. إذا ما جند القضية الفلسطينية كي يسهل الخطوة، ستجد إسرائيل نفسها تتصدى لعصا وجزرة: من جهة عناق منشود من مملكة السعودية، ومن جهة أخرى إعادة مراجعة لعلاقاتها مع الفلسطينيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى