ترجمات عبرية

معاريف: قليل جدا، متأخر جدا

معاريف – نحمان شاي – 1/8/2025 قليل جدا، متأخر جدا

عندما نزل موسى من جبل سيناء، يحمل الواح العهد، لاحظ أن أبناء شعبه، إسرائيل، يحتفلون حول عجل من الذهب. ويحكم، قال وحطم الواح العهد. الشعب غير جدير بتلقيها، قال لنفسه. 

لنتنياهو لم يعد هناك الكثير مما يحطمه. هذا الأسبوع سقط أيضا الاعلام الرسمي (الهسبرا). الحقيقة، نوع من العجل الذهبي الذي بدأ الإسرائيليون فجأة السجود له، ينمون ايمانا مغلوطا ما لانه سيجلب لحياتهم، لحياتنا، النجاة والامل. إذن لا. الحقيقة هي في الواح العهد، الحقيقة هي السياسة التي اتخذتها وتتخذها إسرائيل – وهذه السياسة هي عجل ذهبي لا يمكنه ان ينقذنا حقا.

أنا مؤمن كبير بالاعلام الرسمي، او بتعريفه الادق – “الدبلوماسية العامة”. ولماذا الادق؟ لانه يعزوها لعالم الدبلوماسية ويبرز جانبا جديدا ومختلفا جدا من هذا العالم: إدارة شؤون الدبلوماسية في العلن، في شفافية وتجاه جماعات واسعة، شعوب كاملة أو مجموعات وطوائف تتجاوز أحيانا الحدود الجغرافية والقومية. هكذا تعمل الشبكات الاجتماعية في أيامنا. 

لقد كان الامريكيون هم الأوائل الذين جعلوا الدبلوماسية العامة أداة في سياستهم الخارجية، فيما عززوها سواء بالادوات وبالوسائل للتأثير والاقناع ام في الأبحاث العميقة التي مهمتها فحص التأثير، توثيقه وتحسينه.

لقد اندفعت الدبلوماسية العامة الى مقدمة الساحة الرئيس بعد الحرب العالمية الثانية في المعركة التي وقعت بين القوتين العظميين الولايات المتحدة وروسيا على النفوذ في العالم ما بعد الحرب. وقد أفلت فور سقوط برلين في نهاية الثمانينيات في ما مال الناس ليسموه خطأ “نهاية التاريخ”، لكنها عادت وبقوة عندما انهار البرجان التوأمان في 11 أيلول ودخل العالم في معمعان في الحرب الحضارية، ومرة أخرى اضطر للدبلوماسية العامة، للاقناع وللتأثير.

التاريخ الإسرائيلي مليء هو الاخر بالدبلوماسية العامة. في بداية أيام الدولة وفي فصول أخرى، مثلما بعد 1967 وبقدر ما بعد 1973 تمتعنا برأي عام إيجابي وبعطف كبير. لكن ينبغي الاعتراف باننا بالتدريج فقدنا ائتماننا الدولي. فالسيطرة المتواصلة في “مناطق”، الرفض الثابت لكل تسوية سياسية، وفي النهاية الصراع العلني والجماهيري على الديمقراطية الإسرائيلية – سحق مكانتنا في الاسرة الدولية وصعب الحال علينا.

وعندها جاء 7 أكتوبر. كانت هذه لحظة رهيبة في تاريخ إسرائيل، تاريخ الشعب اليهودي – والعالم ذهل. إسرائيل خرجت الى معركة كبرى، عادلة وشرعية، وضربت اعداءها من كل حدب وصوب. هذه المعركة استقبلت جيدا، وإسرائيل تمتعت بدعم واسناد، ولكن بعد 20 شهرا من القتال انهارت تماما. ما نراه في الأسابيع الأخيرة، في الأيام الأخيرة، هو انهيار في المكانة الدولية لإسرائيل، لمؤسساتها، وكما رأينا – لمواطنيها أيضا أولئك الذين يعيشون فيها وأولئك الذين يحملون اسمها في ارجاء العالم. 

على مدى السنين نجحت إسرائيل في  صد حملة الـ BDS. لقد حاول الفلسطينيون عبثا ان يلصقوا بنا وصمة العنصرية، السلب والتطهير العرقي، وقدرنا عليهم. صحيح اننا لم نفعل هذا وحدنا. دول، منظمات دولية، أصدقاء إسرائيل وبالطبع جاليات يهودية ارتبطت معا كي تزيل عن إسرائيل هذه الوصمات وتبعد عنها التهديدات المختلفة.

اما الان فهي تتحقق امام ناظرينا.

بالقوة فقط؟ 

عندما ضاق الحال عليهم، توجه الإسرائيليون الى الاعلام الرسمي (الهسبرا)، الى الدبلوماسية الإسرائيلية العامة. لو أن، هم يقولون، لو أن فقط الهسبرا كانت نشطة، لو انه كان لنا اعلاميون جيدون وميزانية مناسبة، لكان كل شيء مختلفا. انا مؤمن عظيم بالهسبرا، عملت بها، كتبت وبحثت. لكن الحالة التي امامنا باتت اكبر من الدبلوماسية العامة. 

صحيح، لو كنا حققنا بعضا من توصيات مراقب الدولة، توصيات لجان التحقيق المختلفة، الطواقم المهنية الخاصة، لكان اسهل علينا بكثير. لكن، أيها الأصدقاء والصديقات، ما كان بوسعنا بمعونتها ان نصد هذه الهجمة. هذا الفشل ليس هو فشل الدبلوماسية العامة بل فشل الحكومة. الهسبرا يمكن أن تشرح السياسة. بل يمكنها حتى ان تؤثر عليها. لكن من اللحظة التي انطلقت فيها السياسية الحالية للقوة وفقط القوة على الدرب، كان يمكن أن نتوقع “الانفجار الكبير”.  صفر مراعاة للرأي العام، لاصدقائنا المختلفين، باستثناء، بالطبع الولايات المتحدة، وتجاهل تحذيرات مسبقة أدى بنا الى الكارثة.

من كان يصدق ان بعد 7 أكتوبر ان تعترف فرنسا، بريطانيا ودول أخرى او تفكر بان تعترف بدولة فلسطينية؟ ما الذي حصل، هل جن العالم؟ هل يتلقى الفلسطينيون الان جائزة على أفعال قتل واغتصاب وتنكيل، وبالطبع – على احتجاز مخطوفينا؟ الى هذا المكان جاءت بنا الحكومة، وزراؤها ونوابها، بتصريحات غير مسؤولة وبافعال تجاهلت القانون الدولي، النقد والتحذيرات المسبقة. 

الجوع الذي انتشر في غزة هو على ضميرنا. صحيح لهذه اللحظة، تحاول إسرائيل ان تغطي على قصورات الآونة الأخيرة و “تغرق” غزة بالغذاء. لا اعرف ان كان الحال هكذا، وحتى ان كان، احد لا يمكنه أن يمحو دفعة واحدة الضرر المتراكم واحد لا يمكنه أن يحول الميول المتبلورة في العالم تجاه إسرائيل. قليل جدا ومتأخر جدا.

إذن انتم تسألون، هل سنخرج من هذا؟ وكيف سنخرج من هذا؟ أولا، لست واثقا على الاطلاق باننا سنخرج. لكن ربما الطريق الوحيد ليس مؤتمرا صحفيا آخر، اعلانا او تعيينا لمتحدث لمنظومة الهسبرا الفاشلة بل سياسة تأخذ بالحسبانه بانه خلف حدودنا يوجد ناس – نساء، شيوخ، أطفال وحتى رجال – ممن ليسوا رجال حماس وليسوا نشطاءها. هم يدفعون الثمن.

صحيح حماس تفعل ما تعرفه، لكن الادعاءات توجه الينا لأننا القوة المسيطرة في القطاع – 75 في المئة من الأرض، كما يجدر التذكير. لأننا دولة، وهم منظمة إرهاب حقيرة. وفي النهاية، لا تنسوا، نحن يهود ولنا اخلاقنا، ولن نتخلى عن قيمنا، ولا حتى لغرض استمرار القتال في غزة. الحرب هناك ستنتهي في يوم من الأيام، اضرارها من الداخل ومن الخارج لا بد اننا سنحملها لسنوات طويلة. 


مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى