معاريف: في غزة أقمنا الدولة الفلسطينية

معاريف – افرايم غانور – 14/8/2025 في غزة أقمنا الدولة الفلسطينية
لم يسبق أن كان الحلم الفلسطيني لاقامة دولة مستقلة خاصة بهم على هذا القرب مثلما في هذه الأيام – في الوقت الذي تدفع فيه حكومة اليمين ورئيسها بنيامين نتنياهو بالجيش الى مواصلة القتال في غزة الى حملة أخرى، الى خطوة أخرى عن النصر الذي لا يرى.
بينما لا تكف الحكومة عن الهذر لشعب إسرائيل بعد نحو سنتين من القتال دون إعادة مخطوفينا، بان النصر المطلق وتقويض حماس هما حقا هنا، خلف الزاوية بين غزة ورفح – فان الدولة الفلسطينية آخذة في التجسد.
مثلما يبدو هذا فانها أقرب بكثير الى تحقيق إقامة الدولة منها الى النصر المطلق على حماس. في الشهر القادم ستنعقد الجمعية العمومية للأمم المتحدة لتبحث في المبادرة الفرنسية للاعتراف بدولة فلسطينية، بتأييد لم نشهده ولم نحلم به من قبل، فان رئيس الوزراء نتنياهو لا يمكنه أن يقول – “لم يوقظوني”، “لم يشدوا طرف ردائي”. ستكون هذه ثمرة فجة لسلوك سياسي وعسكري فاشل، ان لم نقل مجرم، حين لا يكون شك بان الحرب التي لا تنتهي في قطاع غزة، مع الصور القاسية التي تخرج من الى العالم الواسع هي المحفز الذي جلب صورة الوضع الحالي.
اليوم، نحو 150 من أصل 193 دولة في الأمم المتحدة تؤيد الاعتراف بدولة فلسطينية. على مدى التاريخ شهدنا إخفاقات وتصويتات قاسية وأليمة في أروقة الأمم المتحدة، هذه المرة هذا ليس فقط اليما، هذا مقلق، لانه يعكس موقف العالم من دولة إسرائيل واساسا في ضوء حقيقة أن دولا صديقة تؤيد وأيدت دولة إسرائيل على مدى السنين، تؤيد اليوم إقامة دولة فلسطينية وليس بالضرورة انطلاقا من تعاطف وعطف بل بقدر اكبر احتجاج على سلوك دولة إسرائيل.
لا شك في أخلاقية جنود الجيش الإسرائيلي، وواضح تماما ان الجيش الإسرائيلي لا يدير سياسة تجويع ضد السكان الغزيين، لكن الواقع الفاشل الذي نشأ في غزة بعد نحو سنتين من القتال هو واقع قاس. مئات الالاف يعيشون تحت قبة السماء بلا شروط أولية، في أيام ترتفع فيها درجة الحرارة الى ما فوق 30، والكثيرون منهم لا يتمكنون من الوصول او لا يحصلون على التموين الإنساني الذي يرسل بكميات كبيرة الى القطاع.
عند رؤية الاف الصور من غزة لاطفال يستجدون وجبة طعام في ظل خرائب المدينة، يخلق هذا عداء، غضبا وحتى كراهية تجاه إسرائيل. حتى لو صرخنا الف مرة في اليوم – “هذا كله بسبب حماس” – فهذا لن يجدي نفعا.
“ثأر دم طفل صغير لم يخلقه الشيطان بعد”، كتب بيالك في قصيدته عن “الذبح”. هذا صحيح ويتعلق بكل طفل وليس فقط بطفل يهودي. العالم حساس لهذه الصور، التي بسلوك ذكي وصحيح كان يمكن منعها. المشكلة هي ان الحكومة قررت واتبعت سياسة فاشلة في انه ما لا يحقق بالقوة سيحقق بمزيد من القوة، وهذه هي النتيجة.
هذا بالتأكيد سيكون “أيلول اسود” من ناحية دولة إسرائيل، حين سنرى في الجمعية العمومية للأمم المتحدة دول مثل بريطانيا، استراليا، فرنسا، كندا، البرتغال وغيرها تنضم الى دول سبق أن اعترفت بالدولة الفلسطينية في اثناء الحرب، وبينها ايرلندا، النرويج، اسبانيا وسلوفانيا، ناحيك عن دول سبق أن اعترفت منذ زمن بعيد بالدولة الفلسطينية مثل الارجنتين، البرازيل، المكسيك، الصين، الهند وعمليا معظم دول آسيا.
مقلق وأليم ان هذا لا ينتهي بالاعتراف بدولة فلسطينية. إسرائيل توجد منذ الان في عزلة مقلقة، آخذة في الاتساع في مجالات عديدة. في الأيام القريبة القادمة سينعقد في الاتحاد الأوروبي في بروكسل بحث ميله ابعاد – تجميد إسرائيل عن برنامج “هورايزن أوروبي” – برنامج البحوث والحداثة الكبير والهام جدا، الذي يقدم للمشاركين فيه منحا هامة للبحث والتطوير – خطوة يمكنها أن تمس باوجه تعاون إسرائيل في مجال التكنولوجيا العليا، القاطرة الرائدة لاقتصاد إسرائيل.
هذه الحكومة الهاذية، التي تعمل ضد رئيس المحكمة العليا، المستشارة القانونية، المساواة في العبء، إقامة لجنة تحقيق رسمية ولا تتوقف عن العمل لتنفيذ انقلاب سلطوي – هي التي اقتادتنا الى هذا الواقع المرير.