معاريف: ازدواجية اردوغان
معاريف – د. موشيه العاد – 10/11/2025 ازدواجية اردوغان
“نحن نشهد إبادة جماعية في غزة”، اعلن رجب طيب اردوغان مؤخرا في خطاب مشحون امام جمهور حماسي في أنقرة. بعد بضعة أيام من ذلك صادق على 37 أمر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين اذا ما وصلوا الى تركيا او مروا في سمائها. “إسرائيل ستحاكم على جرائمها ضد الإنسانية”، صرخ. ثمة شيء ما شبه مأساوي بل وربما سخيف أيضا في أن الرئيس التركي بالذات، الرجل الذي يجلس على رأس دولة بنت هويتها القومية على النفي المنهاجي لابادة جماعية تاريخية، يدعي اليوم انه بوق الضمير العالمي.
مرت اكثر من 100 سنة منذ الإبادة الجماعية الأرمنية – خراب جماعة أهلية عتيقة، التي فيها قتل، عذب او هجر الى حتفهم اكثر من مليون ونصف ارمني على ايدي حكم الإمبراطورية العثمانية. لكن تركيا، حتى في القرن الواحد والعشرين ترفض بعناد الاعتراف بالحقائق. وبصفته مواصل درب أولئك الذين تنكروا لجرائمهم، والذي يعرض نفسه كدرع الشعب الفلسطيني، هو أيضا الرجل الذي يقمع الشعب الكردي بوحشية. منذ صعوده الى الحكم حول اردوغان الجنوب الشرقي الكردي من تركيا حقل تجارب سياسية وامنية. صحافيون ونشطاء أكراد يلقى بهم في السجن. مدن كاملة دمرت وزعيم حزب العمال الكردستاني (PKK) عبدالله اوجلان يحتجز في جزيرة – سجن معزول.
هكذا تبدو الازدواجية الأخلاقية بكامل قوتها: الرجل الذي يندد بالاخرين على “إبادة جماعية” يتجاهل تماما العنف، القمع والاضطهاد الذي يجري في ساحته. لا حاجة للمرء أن يكون مؤيدا لإسرائيل كي يعترف بهذه الازدواجية. حتى اكثر منتقدي إسرائيل حدة في العالم العربي والغربي يذهلون من قدرة اردوغان على أن يعرض نفسه كبوصلة أخلاقية. فهو يستغل كل مواجهة في الشرق الأوسط كي يحمس الشارع المسلم لكنه لا ينظر ابدا في المرآة.
يفهم اردوغان جيدا قوة سردية الضحية. وهو يبني قوته السياسية على غضب أخلاقي زائف، على تعظيم “العدالة الإسلامية” وعلى توجيه اصبع اتهام تجاه الخارج كي يطمس جرائم الداخل. هذا تكتيك معروف للأنظمة المطلقة: تحويل العدو الخارجي الى ستار دخان يخفي القمع الداخلي.
في عالم يدعي فيه كل واحد بانه يملك الحقيقة الأخلاقية خاصته، يخيل أنه مطلوب شجاعة لاجل النظر الى الوراء ومراجعة اخطائك. ليس لاردوغان مثل هذه الشجاعة. هو يتحدث باسم التاريخ لكنه يرفض الاعتراف به. يطالب بالعدالة للاخرين لكن يغلق الباب في وجه العدالة لابناء شعبه. انظروا من يزايد علينا: رجل يسكن امام مظالم شعبه، يخاف من حقيقة التاريخ ويسعى لغسل ماضيه الدامي بخطابات صاخبة عن الاخلاق الكونية.
وربما، في نهاية الامر، ليست هذه الازدواحية موضوعا يتعلق باردوغان فقط. فهو اختبار أيضا للعالم كله: هل نواصل الهتاف لمزايدين زائفين يسعون لان يكسبوا الشرعية بصرخات أخلاقية ام نذكرهم بان الاخلاق الحقيقية تبدأ بالبيت.



