مصطفى إبراهيم: نتنياهو بين الحرب والسجن: حسابات البقاء
مصطفى إبراهيم 24-10-2025: نتنياهو بين الحرب والسجن: حسابات البقاء
يبدو أن بنيامين نتنياهو يخوض أطول معركة في حياته، لكنها لم تعد فقط معركة ضد الفلسطينيين في غزة، بل معركة بقاء شخصي وسياسي. نتنياهو الذي يقدّم نفسه كـ”حارس أمن إسرائيل” يعيش اليوم تحت ضغط مزدوج: من الخارج إدارة أميركية تطلب وقف الحرب دون أن تضغط فعلاً، ومن الداخل ائتلاف يميني متطرف يفلت من يده ويدفعه إلى خيارات لا يريدها، وفي مقدمتها مشروع ضمّ الضفة الغربية.
تصف وسائل إعلام إسرائيلية حال نتنياهو بأنه فقد السيطرة على ائتلافه الحاكم، بعد أن صادق الكنيست بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون لفرض “السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية، خلافاً لرغبته المعلنة. هذا القانون، الذي تقدّم به أفي ماعوز زعيم حزب “نوعام” الصغير، كشف هشاشة سلطة نتنياهو أمام شركائه من اليمين الديني الفاشي، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين باتا يمليان عليه إيقاع السياسة اليومية.
وفي الوقت الذي يتظاهر فيه نتنياهو بالتماسك، يواجه ضغوطاً أميركية من إدارة الرئيس دونالد ترامب لوقف الحرب على غزة، لكنها ضغوط شكلية أكثر منها فعلية. فواشنطن، كما جرت عادتها، تكتفي بتوجيه “تحذيرات” ودعوات عامة إلى إنهاء الحرب، مع استمرار تدفق الدعم العسكري والسياسي بلا انقطاع. ولعل نتنياهو يدرك أن هذه الضغوط لا تحمل في طياتها تهديداً حقيقياً، لذلك يواصل سياساته كما يشاء.
مع ذلك، فإن مشروع الضمّ يفتح جبهة جديدة في علاقاته الدولية. ورغم أن ضمّ الضفة الغربية بالكامل يبدو مستبعداً حالياً بسبب المعارضة الدولية، إلا أن ثمة مؤشرات على احتمال ضمّ مستوطنة “معاليه أدوميم”، خاصة بعد المصادقة على مخطط البناء في المنطقة E1 التي تربطها بالقدس المحتلة، وهو ما يعني عملياً قطع أوصال الضفة بين شمالها وجنوبها.
الولايات المتحدة تعارض هذا المشروع منذ أكثر من عقدين، لكنها نادراً ما تترجم اعتراضها إلى أفعال، تماماً كما حدث في عهد أوباما عندما أُقرّ بناء آلاف الوحدات الاستيطانية خلال زيارة نائبه جو بايدن لإسرائيل دون أي عقوبات تُذكر.
ومع أن إدارة ترامب تطرح خطة لمرحلة ثانية تتضمن انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع ودخول قوات دولية، فإن هذه الخطة تبدو أقرب إلى الوهم منها إلى الواقع. فحماس ترفض نزع سلاحها، والقوة الدولية لم تتشكّل بعد، وإسرائيل ليست في وارد الانسحاب من الأراضي التي تسيطر عليها. كل المؤشرات تدل على أن نتنياهو يراهن على فشل الخطة الأميركية ليبرر استمرار الحرب لأجل غير مسمّى.
لكن خلف كل ذلك، ثمة معركة أخرى تدور في ذهن نتنياهو: معركة النجاة من السجن. نتنياهو المتهم في ثلاث قضايا فساد يدرك أن أي توقف للحرب قد يعني نهاية تحالفه مع بن غفير وسموتريتش، وبالتالي سقوط حكومته وعودته إلى قاعة المحكمة بلا حماية سياسية. لذلك يبدو أن القرار بوقف الحرب لن يتخذ إلا إذا ضمن نتنياهو صفقة قضائية أو عفواً ينقذه من المحاكمة. إنه يقاتل اليوم ليس فقط من أجل “أمن إسرائيل”، بل من أجل حريته الشخصية ومستقبله السياسي.
نتنياهو يدرك أن بقاءه في الحكم هو درعه الوحيد. ولهذا يماطل ويشعل الأزمات ويغذّي الخوف من “العدو” الخارجي كي يبقى ممسكاً بالسلطة. فكل يوم إضافي في رئاسة الحكومة يمنحه فرصة جديدة لتأجيل الحساب، ونتائج اخفاقات الحرب وعدم تشكيل لجنة تحقيق رسمية، وربما للهروب من السجن.
في النهاية إذا كانت غاية الحرب حماية إسرائيل، فإن غاية نتنياهو منها هي حماية نفسه. وربما حين يدرك أن النجاة لم تعد ممكنة، فقط عندها سيتوقف عن القتال – لا من أجل السلام كما يدعي، بل من أجل صفقة تنقذه من الزنزانة.



