كامل جابر: “خط أحمر” أم قطعة جديدة من لبنان بين أنياب إسرائيل؟

كامل جابر 16-8-2025: “خط أحمر” أم قطعة جديدة من لبنان بين أنياب إسرائيل؟

لم تكتف إسرائيل بعد الحرب المفتوحة على لبنان منذ الـ23 من سبتمبر (أيلول) الماضي، التي انتهت باتفاق لوقف إطلاق النار بدأ صبيحة الـ28 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بما أبقته من أراض لبنانية تحت سيطرتها في تلال خمس (عرفت بالنقاط الخمس)، ثم ألحقت بها لاحقاً أجزاء من الجهة اللبنانية في موقع “العباد” المطل على بلدة حولا الحدودية (في قضاء مرجعيون)، ومنعها سكان قرى الحافة الأمامية من العودة إلى بيوتهم المدمرة أصلاً جراء الحرب، وسيطرتها على الأجواء اللبنانية برمتها من خلال طيرانها الحربي والطائرات المسيرة التي لا تكاد تغادر فضاء لبنان ليلاً ونهاراً، فلجأت أخيراً إلى خلق خط “توسعي” جديد يقضم أراضي لبنانية أخرى هذه المرة في أعالي منطقة شبعا التي تحتل إسرائيل مساحات واسعة منها منذ حرب عام 1967، وهي مدى خلاف مع لبنان الذي يعدها منطقة محتلة.
أعلنت إسرائيل أمس عن خط “احتلالي” جديد أو منطقة عازلة جديدة مع لبنان صبغتها هذه المرة باللون الأحمر، وطلبت في خريطة نشرتها عبر وسائل الإعلام من سكان شبعا والجوار عدم تجاوزها. وحملت الخريطة نصاً يقول “يمنع عبور الخطر الأحمر باتجاه الحدود الإسرائيلية. كل من يدخل المنطقة الملونة بالأحمر يعرض نفسه للخطر”. وكانت القوات الإسرائيلية سبقت هذا الإعلان بسلسلة استهدافات بالمدفعية الثقيلة أو من خلال الطائرات المسيرة طاولت المزارعين المتوجهين إلى حقولهم وأراضيهم الزراعية وبساتينهم هناك مما أدى إلى وقوع ضحايا ومصابين في صفوفهم.
خط “احتلالي” جديد
وفيما لم تعلق الجهات اللبنانية الرسمية حتى الآن على الإجراءات الإسرائيلية، طالب متابعون ومحللون سياسيون “بضرورة تقديم شكوى لبنانية عاجلة إلى مجلس الأمن الدولي، لما تشكله الممارسات الإسرائيلية من إعلان احتلالي جديد بالغ الخطر، يقتطع أراضي لبنانية مملوكة من أصحاب معروفين، وتقدر بنحو 50 كيلومتراً مربعاً أو أكثر” بحسب العميد المتقاعد في الجيش اللبناني حسن بشروش، الذي شغل موقع رئيس الفريق اللبناني لترسيم الحدود ورئيس اللجنة الثلاثية التقنية لترسيم الحدود بين 2006 و2017.

ويلفت العميد بشروش إلى أن “الإسرائيليين يسمون الخطوط كيفما يشاؤون، وتحديداً هذه المرة بالخط الأحمر للإعلان عن خطورة الوصول إلى هذه المنطقة، وهي تسمية كثيراً ما رددها الإسرائيليون تباعاً في حروبهم على لبنان أو في الحرب الأخيرة، من إعلان هذه المنطقة أو تلك منطقة حمراء، وهي بذلك تعبر عن احتلالها المباشر أو غير المباشر لمناطق وأراض لبنانية. ألم تجعل إسرائيل منطقة جنوب الليطاني على رغم اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بينها وبين لبنان برعاية أميركية وفرنسية منذ نحو ثمانية أشهر منطقة حمراء؟ لذا تمنع سكان القرى الحدودية من العودة إلى قراهم وبيوتهم وتقتل وتغتال وتدمر وتقصف من البر والجو وتدخل إلى القرى الأمامية متى تشاء، خالقة ما يشبه منطقة عازلة تمنع من خلالها أصحاب الأراضي والبيوت من الوصول إليها من دون رادع يردعها. لقد جعلت منطقة جنوب الليطاني بأكملها ضمن دائرة حمراء”.
الحدود كلها حمراء
ويضيف العميد بشروش أن “لبنان يعترف بالخط الأزرق خطاً لانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان بعد عام 2000، وهو ليس خط الحدود بين لبنان وفلسطين، إذ بقيت نقاط كثيرة عالقة لم تنسحب إسرائيل منها على رغم إعلان الأمم المتحدة أنها أراض لبنانية، ثم أضافت إليها تباعاً مجموعة من النقاط التي تجاوزت منذ تكريس الخط الأزرق عام 2001 الـ39 خرقاً، كان آخرها النقاط الخمس بعد حرب الـ66 يوماً الأخيرة، ثم أضافت إليها نقطة العباد المتفق عليها سابقاً بترسيم الخط الأزرق، واليوم تقتطع منطقة واسعة من أراضي شبعا وكفرشوبا من دون أن تعير اهتماماً للاتفاقات الدولية السابقة برعاية الأمم المتحدة أو للقرارات الدولية الداعية إلى انسحابها من جميع الأراضي اللبنانية التي احتلتها تباعاً، ومنها القراران الأمميان رقم 425 (عام 1978) و1701 (عام 2006) المكرسة بحدود اتفاق الهدنة بينها وبين لبنان عام 1949”. ويشير إلى أن هذا “الخط الأحمر الأخير لا ينفصل عن الإجراءات التي يتبعها العدو الإسرائيلي في حق قرى الحافة الأمامية التي يمنع سكانها من العودة إليها، وبخاصة إلى الأراضي القريبة من الحدود مع فلسطين بغية تحويلها هي الأخرى إلى منطقة عازلة غير مأهولة ومحرمة على أصحابها. ومن الواضح أن إسرائيل باتت تعتبر جميع قرى الحافة الأمامية القريبة من مستعمراتها الحدودية ضمن مصطلح الخط الأحمر الذي ترسمه وفق أهوائها ومتى تشاء، مع العلم أنه لا وجود لما يعرف بالخط الحمر في الاتفاقات الدولية. إنه خط غير موجود، ولبنان لا يعترف به لا من قريب أو بعيد، بل يعترف بالخط الأزرق الذي رسم بين 2000 و2001 ويعتبر خط الأمم المتحدة للانسحاب الإسرائيلي، هو الخط الوحيد الشرعي الصادر عن الأمم المتحدة”.
ويوضح العميد بشروش أن “الخط الأزرق جاء بعد عام 2000 ليحسم هذا الجدل، وهو يختلف عن خط الحدود بعدد من النقاط المختلف عليها تحت تسمية التحفظات والخروق، وقد كانت ثلاثة ثم أضيفت إليها 13 نقطة، وخمس نقاط في صيف 2024، ثم ست، حتى أصبحت 39 نقطة هي خروق للحدود البرية وليست للخطوط (يقابلها نحو 38 خرقاً بحرياً). ولبنان يعترف بما يسمى الحدود اللبنانية – الفلسطينية الدولية الرسمية، وهو أول دولة من دول الطوق (مصر والأردن وسوريا ولبنان) مع فلسطين التي رسمت الحدود منذ اتفاق سايكس – بيكو (1916)، إلى اتفاق بوليه – نيوكومب أو خط بوليه – نيوكومب (1920- 1923)، إلى اتفاق الهدنة (1949)، واستناداً إلى هذه الاتفاقات الدولية والخطوط جاء القرار 1701 ليحسم هذا الجدل”.
خط مرحلي جديد
يقول العميد المتقاعد في الجيش اللبناني منير شحادة، المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى “اليونيفيل”، إن “أول من تحدث عن الخط الأزرق باعتباره خط حدود بدلاً من الحدود الدولية هو الموفد الأميركي أموس هوكشتاين عندما قال في أكثر من مناسبة إن الخط الأزرق هو خط الحدود بين لبنان وإسرائيل، وكرره في أكثر من مناسبة ومكان، وكان ذلك في بداية حرب غزة مطلع أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وطلب من الجهات اللبنانية نسيان الحدود الدولية واعتبار الخط الأزرق خطاً ثابتاً للحدود”.
ويضيف العميد شحادة “عندنا منذ وقف إطلاق النار والاتفاق الذي لم تلتزمه إسرائيل خمس نقاط معروفة، والآن أضحت ست نقاط. وفي سوريا تقدمت إسرائيل من الجولان باتجاه الشمال واحتلت أكثر من تسع نقاط، و13 نقطة مضافة إلى جبل الشيخ، ونرى أن ثمة خطاً جديداً يمتد من ساحل البحر الأبيض المتوسط من نقطة الناقورة مروراً بخمس نقاط أخرى، من ضمنها الأخيرة في شبعا، على طول الحدود بين لبنان وفلسطين، ثم باتجاه مزارع شبعا ومرتفعات الجولان، ونزولاً نحو القنيطرة ودرعا وصولاً إلى حدود الأردن، ويبدو أن خطاً مرحلياً جديداً تنسجه إسرائيل بعد الحرب على لبنان وسقوط نظام بشار الأسد تمهيداً لظهور إسرائيل الكبرى من خلال هذا الخط”.
ويوضح العميد شحادة أنه “مع الجولة الجديدة من الحرب مع إيران وتقسيم سوريا سيكون هذا الخط منطلقاً لتوسع إسرائيل في مختلف الاتجاهات تحقيقاً لمقولة إسرائيل الكبرى. وعندما يقال الخط الأحمر، فهذا يعني جمع النقطة الأخيرة مع ما سبقها من نقاط خمس بما يشير إلى إلغاء الخط الأزرق، وقد توقعت على سبيل المزاح منذ مدة في تصريح متلفز أنه يجب علينا نسيان الخط الأزرق بعدما صار عندنا خط أحمر، وها هي إسرائيل تعلن خطها الأحمر الجديد”.
الخط الأخضر
سبق للبنان أن تعامل مع خط تسوية بينه وبين إسرائيل أطلق عليه في حينه تسمية “الخط الأخضر”، وهو عبارة عن خط وقف إطلاق النار بين إسرائيل والدول العربية التي حاربتها عام 1948، وهي مصر والأردن وسوريا ولبنان، استناداً إلى اتفاقات الهدنة ووقف إطلاق النار التي تم التوقيع عليها بين إسرائيل والدول العربية المذكورة في جزيرة رودوس اليونانية عام 1949، وأنهت الحرب التي اندلعت إثر إعلان تأسيس دولة إسرائيل عام 1948.
وتصف الأمم المتحدة الخط الأخضر بأنه حدود عام 1967، بين إسرائيل من جهة، ومصر والأردن ولبنان وسوريا من جهة أخرى. وتسمى هذه الحدود بحدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967 لإضافة مزيد من الدقة في توصيف حال الحدود قبل الحرب التي اندلعت في اليوم التالي واحتلت إسرائيل خلالها الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وكذلك الجولان السوري وشبه جزيرة سيناء المصرية. وهذا الخط لم يتحول إلى حدود دولية رسمية، وقالت محكمة الجنايات الدولية إن “خطوط ما قبل عام 1967 (الخط الأخضر) تمت كحدود بحكم الأمر الواقع”.
ظهر مصطلح “الخط الأخضر” بعد حرب 1948، عندما توسطت الأمم المتحدة لإبرام اتفاق هدنة بين إسرائيل والدول المجاورة: (مصر والأردن ولبنان وسوريا)، وعرفت خطوط ترسيم الهدنة لاحقاً باسم “الخطوط الخضراء” أو “الخط الأخضر” نسبة إلى اللون المستخدم لرسمها على الخرائط، ويطلق عليه أيضاً خط الهدنة لعام 1949.
وبحسب المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) ومقره في رام الله “أن هناك من يستعمل عوض الخط الأخضر مصطلحاً آخر هو (حدود 1967) للدلالة على الحدود التي اجتازها الجيش الإسرائيلي في عمليات احتلال الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. لكن عملياً الخط الأخضر حدد في 1949 وليس في 1967”.
الخط الأزرق
الخط الأزرق هو الخط الفاصل الذي رسمته الأمم المتحدة بين لبنان من جهة وإسرائيل وهضبة الجولان من جهة أخرى في السابع من يونيو عام 2000، على اعتبار أنه لا يعتبر حدوداً دولية، وإنما أنشئ بهدف وحيد هو التحقق من الانسحاب الإسرائيلي من لبنان.
يبلغ طول الخط الأزرق، أو خط الانسحاب، 120 كيلومتراً، وهو معترف به من قبل الأمم المتحدة منذ عام 2000، وكانت الغاية الأساس منه تأكيد انسحاب القوات الإسرائيلية. وخلال أحد الاجتماعات الثلاثية لمندوبي لبنان وإسرائيل والأمم المتحدة عام 2007، اتفق لبنان وإسرائيل على وضع علامات مرئية على الخط الأزرق على الأرض لتأكيد هذا الخط، على اعتبار أنه لا يمثل بأي شكل من الأشكال حدوداً دولية، ولا يخل بأية اتفاقات حدودية مستقبلاً بين لبنان وإسرائيل.
بعد الانسحاب الإسرائيلي في مايو (أيار) عام 2000 كلفت لجنة عسكرية لبنانية بالتأكد من الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، فاكتشفت أن القيادة الإسرائيلية لم تلتزم بما قررته في الانسحاب إلى الحدود الدولية لعام 1923، بعدما نفذت اللجنة عملها على ثلاث جولات، الأولى ما بين الـ27 من مايو (أيار) 2000 والـ16 من يونيو 2000، وأزالت ثمانية مراكز عسكرية إسرائيلية تتجاوز “الخط الأزرق” وأربع مناطق مقتطعة من دون وجود عسكري، وبقي بعضها فسجل في نهاية المرحلة. وعلى رغم هذه الخروق أعلن الأمين العام للأمم المتحدة في الـ16 من يونيو 2000 أن إسرائيل نفذت القرار 425 المتنازع عليه منذ الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978، لكن لبنان رفض هذا الإعلان.
في الجولة الثانية ما بين الـ19 والـ22 من يونيو 2000 تبين أن الخروق التي سجلت لا تزال موجودة. وبقي الإصرار اللبناني على عدم الاعتراف بتنفيذ القرار 425، وربط ذلك بعدم السماح بانتشار القوات الدولية على الحدود اللبنانية.
وتبين في الجولة الثالثة ما بين الرابع من يوليو (تموز) 2000 والثالث من أغسطس (آب) 2000 وجود تسعة فوارق، وافق الفريق الدولي على تصحيح ستة منها وإزالة الخروق جميعها واستعادة أراض مقتطعة بلغت مساحتها 17756600 متر مربع، وبقيت فوارق في ثلاثة أماكن جرى التحفظ عليها. وأرسل لبنان رسالة إلى الأمم المتحدة يبلغها موافقته على الانسحاب من جنوب الخط الأزرق، وأرفق المراسلة بتحفظه على الخط الأزرق في النقاط التالية: رميش قبالة مستعمرة “مسكاف عام”، الخط الممتد جنوب الطريق من مقابل مستعمرة “المطلة” إلى جسر الغجر، إضافة إلى “مزارع شبعا”.
إسرائيل لا تنتهي خروقها
يقول العميد بشروش “مع مرور الوقت ظهرت إلى العلن مشكلة أخرى تمثلت في وجود مناطق خرق دائم من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي شمال الحدود الدولية والخط الأزرق، وأضيفت إلى نقاط التحفظ الـ13 إلى جانب الأراضي اللبنانية التي بقيت تحت الاحتلال في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وخراج بلدة الماري التي يشمل جزء منها التمدد العمراني إلى بلدة الغجر. وبقي الحديث عن الخروق الإسرائيلية الدائمة محصوراً في اللقاءات الثنائية التي يعقدها الجيش اللبناني مع (اليونيفيل)، أو الثلاثية مع الوفد الإسرائيلي في الناقورة، ولم يثر الأمر إعلامياً”. ويضيف “بعد ظهور خرائط لمناطق الخرق الإسرائيلي الدائم، التي تظهر اقتطاع الخط الأزرق ما مجموعه 736037.475 متر مربع من الأراضي اللبنانية. تبين أن أصغر الخروق تبلغ مساحته 53.24 متر مربع في منطقة حولا العقارية، وأكبرها تبلغ مساحته 719452.09 متر مربع في منطقة الماري العقارية. وتكتسب هذه الخرائط أهميتها لكونها تظهر بوضوح الخروق التي ترتكبها قوات الاحتلال. وبعد مرحلة عام 2017والوصول إلى المرحلة النهائية في عملية وضع العلامات السابقة على الحدود من قبل الفريق التقني اللبناني، وبإشراف قوات الأمم المتحدة الموقتة في لبنان، بدأت تتكشف مناطق خرق دائم ضمن الأراضي اللبنانية وعددها 17 منطقة جديدة ودواليك، ومنذ ذلك الحين فإن إسرائيل لا تتورع عن التقدم نحو الأراضي اللبنانية وضم مزيد من النقاط التي تنسف الحدود الدولية المتفق عليها وفق اتفاق الهدنة عام 1949 وبرعاية الأمم المتحدة وموافقتها”.