ترجمات أجنبية

فورين أفيرز: الشرق الأوسط الذي صنعته إسرائيل

فورين أفيرز 1-10-2025، سنام فاكيل وغالب دالاي: الشرق الأوسط الذي صنعته إسرائيل

ترى دول الشرق الأوسط بشكل متزايد أن إسرائيل هي التهديد المشترك الجديد لها. إن حرب إسرائيل في غزة وسياساتها العسكرية التوسعية وموقفها التعديلي تعيد تشكيل المنطقة بطرق لم يتوقعها الكثيرون. لقد هزت غارتها في سبتمبر على القادة السياسيين لحماس في قطر – وهي الدولة السابعة التي تضربها إسرائيل منذ هجمات 7 أكتوبر 2023، بالإضافة إلى الأراضي الفلسطينية – دول الخليج وألقت بظلال من الشك على مصداقية المظلة الأمنية الأمريكية. في العامين الماضيين، أشاد القادة الإسرائيليون باستئصالهم لقيادة حزب الله في لبنان، وضرباتهم المتكررة على أهداف في اليمن، وضربهم لإيران. ولكن بدلاً من تعزيز القوة الإسرائيلية أو تحسين العلاقات مع الدول العربية التي طالما كانت حذرة من إيران ووكلائها، فإن هذه الإجراءات تأتي بنتائج عكسية. فالدول التي كانت تعتبر إسرائيل في السابق شريكًا محتملاً، بما في ذلك دول الخليج، تنظر إليها الآن على أنها طرف خطير لا يمكن التنبؤ بتصرفاته.

خطة السلام التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض يوم الاثنين، بأنها ستظل منظورا قاتما طالما ظلت إسرائيل تتصرف بعدوانية وتتجاهل مظاهر القلق الفلسطينية.

وعلى الرغم من ترحيب عدد كبير من قادة المنطقة بخطة ترامب إلا أنه من غير المرجح أن توقف الخطة أضرار عامين من الحرب. فقبل هجمات تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كانت إسرائيل وبدعم أمريكي قوي، تأمل في إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالحها، مصورة نفسها كشريك للحكومات العربية وتهميش منافسيها، ولا سيما إيران.

أما الآن، فلم تعزل إسرائيل نفسها فحسب، بل جعلت الدول العربية مترددة في تحمُل التكاليف السياسية وأضرار السمعة المترتبة على العمل معها، كما حولت شركاءها السابقين إلى أعداء حذرين.

وردّت العديد من دول المنطقة على العدوان الإسرائيلي بتنويع شراكاتها الأمنية والاستثمار في استقلاليتها والابتعاد عن التطبيع مع إسرائيل.

ومن المرجح أن تتلاشى سلسلة من المشاريع التي سعت إلى توثيق علاقات إسرائيل بالدول العربية – بمساعدة الولايات المتحدة بشكل رئيسي، وبدعم هندي وأوروبي أيضا. وهذه أخبار سيئة، ليس فقط لإسرائيل، بل للولايات المتحدة أيضا. فالدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل يقوض مكانة واشنطن في المنطقة.

فبينما شجع تهديد إيران دول المنطقة على التمسك بالخط الأمريكي، فإن شبح إسرائيل الخطير يدفع هذه الدول الآن بعيدا عن الولايات المتحدة. ومن هنا يجب على واشنطن أن تدرك التحولات الجارية في الشرق الأوسط. فالإطار المقترح لوقف الحرب لن يصلح وحده العلاقات المتصدعة بين إسرائيل والمنطقة ككل.

وإذا رفضت واشنطن كبح جماح إسرائيل ولم تبحث عن حل سياسي عادل للقضية الفلسطينية، فإنها تخاطر بإضعاف العلاقات مع شركائها الإقليميين الرئيسيين وفقدان نفوذها في النظام الإقليمي الناشئ.

إن الفشل في معالجة القضية الفلسطينية والسماح لإسرائيل بالتصرف بعدوانية مع الإفلات من العقاب من شأنه أيضا أن يؤدي إلى تأجيج موجة جديدة من التطرف الذي يهدد المصالح الأمريكية والاستقرار الإقليمي والأمن العالمي.

لأكثر من عقدين من الزمن، تمكنت إسرائيل من بناء قضية مشتركة مع عدد من الدول العربية. وكانت مصر أول دولة عربية تطبع العلاقات مع إسرائيل نتيجة لاتفاقيات كامب ديفيد عام 1978. وقد صمد السلام بين البلدين لما يقرب من أربعة عقود، على الرغم من عدم تحقق روابط وتبادلات مهمة على مستوى مجتمعي أعمق.

وحتى وقت قريب، كانت مصر تنظر إلى تركيا على أنها منافستها الرئيسية في شرق البحر الأبيض المتوسط. وتدهورت العلاقات بين البلدين بشكل حاد في عام 2013 بعد الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس إسلامي منتخب ديمقراطيا في مصر. وقد دعمته تركيا بقوة وعارضت الانقلاب الذي أوصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى السلطة. ونتيجة لذلك، أبرمت مصر في عهد السيسي صفقات ثنائية مع إسرائيل وعملت معها داخل منتدى غاز شرق المتوسط، وهي منظمة إقليمية تنسق تطوير الطاقة لتشجيع الاستكشاف المشترك لاحتياطيات الغاز البحرية. وكان لهذه التحركات أيضا هدف ضمني يتمثل في مواجهة المطالبات التركية في البحر الأبيض المتوسط. وإلى جانب التعاون في مجال الطاقة، عززت مصر أيضا تنسيقها الأمني ​​مع إسرائيل في صحراء سيناء، مما سمح لإسرائيل بشن ضربات ضد الجماعات المسلحة هناك، وساعد في إدارة حدود غزة.

وقد تغير كل ذلك بعد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وأجبرت الحملات الإسرائيلية القاهرة على اتخاذ موقف مختلف. وفي أيلول/سبتمبر وصف السيسي إسرائيل بـ”العدو”، وهو تحول خطابي كبير عن عقود من الخطاب الحذر من رجال الدولة المصريين.

كما اتخذ خطوة رمزية بتخفيض مستوى التعاون الأمني ​​مع إسرائيل. وأجرت مصر وخصمها السابق تركيا مناورة بحرية مشتركة في شرق البحر الأبيض المتوسط، بهدف تعميق تعاونهما الدفاعي.

ونفس التحول حصل مع دول الخليج التي تحالف بعضها بشكل مبدئي مع إسرائيل لخوفها من التهديد الإيراني. ذلك أن النشاطات الإيرانية بالمنطقة، بما في ذلك رعايتها للجماعات المسلحة في العراق ولبنان وسوريا واليمن وطموحاتها النووية، جعلت التعاون بين دول الخليج وإسرائيل خيارا مناسبا.

كما عزز صعود الإسلام السياسي والانتفاضات العربية عام 2011 هذا التحالف، حيث خشي حكام الخليج وإسرائيل على حد سواء من أن هذه الحركات قد تطيح بالأنظمة، وتعيد تشكيل المنطقة وتقيد دور إسرائيل الإقليمي. وقد انبثقت من هذا السياق اتفاقيات إبراهيم في عام 2020 وتمت بمساعدة الولايات المتحدة. وكان الهدف المركزي لها هو احتواء إيران وحماية الأنظمة عن أي تحول محلي وإقليمي محتمل.

إلا أن منطق التطبيع اليوم ينهار، فعقيدة الدفاع الأمامي الجديدة التي تنتهجها إسرائيل، والتي تسمح لها بانتهاك سيادة الدول الأخرى متى شاءت، تجعل جميع دول المنطقة تقريبا تشعر بالخطر. فالحرب المدمرة في غزة وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والذي غالبا ما يبرر بخطاب ديني ونهج إسرائيل المتشدد في لبنان وضرباتها المتكررة في سوريا واحتلالها أراضي فيها، جعلت من الحفاظ على العلاقات الرسمية مع إسرائيل عبئا سياسيا واستراتيجيا على الحكومات العربية.

في الواقع، أثارت الإجراءات الإسرائيلية غضبا واسعا في جميع أنحاء العالم العربي لدرجة أن أي شكل من أشكال الانحياز الواضح لإسرائيل أصبح مشكلة للأنظمة وشرعيتها وأمنها. ووفقا لتحليل استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجرتها مجموعة الأبحاث “الباروميتر العربي”، لا يزال الدعم الشعبي للتطبيع مع إسرائيل منخفضا جدا في جميع أنحاء المنطقة، حيث لم تتجاوز نسبة التأييد لأي دولة 13%.

وتتردد السعودية، التي كانت في السابق تحت ضغط أمريكي مكثف لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، الآن ليس فقط بسبب المخاطر الداخلية، بل أيضا بسبب الشكوك حول موثوقية إسرائيل كشريك استراتيجي، نظرا لسلسلة الإجراءات الإسرائيلية العدوانية في السنوات الأخيرة. وقد دفعت الإمارات العربية المتحدة، التي كانت في السابق أقرب حليف لإسرائيل في الخليج، ثمنا باهظا لسمعتها بين جماهير الدول العربية والإسلامية لدفاعها عن اتفاقيات إبراهيم، حتى في الوقت الذي يناقش فيه القادة الإسرائيليون علنا إخلاء غزة من سكانها واحتمال ضم الضفة الغربية. ولا تزال الكويت وعمان منعزلتين وحذرتين من الانجرار إلى أي ارتباط بإسرائيل من شأنه أن يقوض الشرعية الداخلية لحكومتيهما، أو يثير غضب شعبيهما، أو يعقد استراتيجياتهما الإقليمية الدقيقة لتحقيق التوازن.

وتعتبر إسرائيل، التي كان بعض صانعي السياسات الخليجيين والأمريكيين يتصورونها يوما ما ركيزة محتملة لأمن الخليج، الآن عبئا وتهديدا يؤثر على الاستقرار.

كما أن تراجع تركيا لافت للنظر بنفس القدر. ولسنوات، أدانت أنقرة معاملة إسرائيل للفلسطينيين لكنها لم تعتبرها منافسا أمنيا مباشرا. ومن جانبها، لم تسع إسرائيل علنا إلى استعداء تركيا في المسائل الجيوسياسية والأمنية. خلال المواجهة التي وقعت عام 2020 بين اليونان وتركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط، اتخذت إسرائيل موقفا أقل تصادمية تجاه تركيا مما فعلته مصر وعدد كبير من الدول الأوروبية. وخلال حرب عام 2023 بين أذربيجان وأرمينيا، دعمت كل من إسرائيل وتركيا أذربيجان وزودت جيشها بالمعدات. إلا أن الحرب في غزة خلقت مسافة بين البلدين، حيث علقت تركيا التجارة مع إسرائيل وأغلقت مجالها الجوي أمامها عقابا لها على حملتها في غزة. كما أثارت الإجراءات الإسرائيلية في سوريا قلقا بالغا في تركيا التي تريد جارا مستقرا وحكومة مركزية في دمشق. وفي المقابل، دعمت إسرائيل الأقليات في جنوب سوريا وتوغلت في أراضيها، مما يقوض جهود الحكومة الجديدة في البلاد ويعزز الانقسام وعدم الاستقرار. ومع تحول سوريا إلى منطقة رئيسية للصراع الجيوسياسي، أصبحت تركيا ترى في إسرائيل تهديدا كبيرا.

كما أن النزعة التصحيحية الإسرائيلية وعدوانها يسرعان من وتيرة العسكرة وتنويع الاستراتيجيات الدفاعية في المنطقة.

وقد استخلصت الدول دروسا خلال عامي الحرب، بما في ذلك ضعف أداء الأسلحة الروسية في الصراع بين إيران وإسرائيل والقيود السياسية والأمنية الناجمة عن الاعتماد على أنظمة الأسلحة الأمريكية.

وتتخذ الحكومات إجراءات تحوطية من خلال الاستثمار في القدرات المحلية وتنويع مورديها. ووسعت المملكة العربية السعودية تعاونها مع الصين في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة، وعملت على زيادة توطين الإنتاج الدفاعي. ووقّعت قبل فترة اتفاقية تعاون دفاعي مع باكستان، معربة عن رغبتها في شراكات أمنية بديلة، ونيتها بناء علاقات مع قوة إسلامية أخرى خارج إطار الهيكل الأمني ​​الذي تقوده الولايات المتحدة.

كما اشترت الإمارات العربية المتحدة طائرات مقاتلة فرنسية، ودخلت في شراكة مع كوريا الجنوبية في مجال الدفاع الصاروخي والطاقة النووية، معززة بذلك قدراتها التكنولوجية ومقللة من اعتمادها على الولايات المتحدة. واستحوذت قطر والكويت على طائرات يوروفايتر تايفون من بريطانيا وإيطاليا، حيث رسختا بذلك حضورهما في شبكات الأمن الأوروبية. وتشتري جميع دول الخليج طائرات تركية مسيرة ليست عالية الكلفة.

من جانبها، كشفت تركيا عن نظام الدفاع الجوي المتكامل “القبة الفولاذية” في آب/ أغسطس، والذي يضاهي نظام “القبة الحديدية” الإسرائيلي للدفاع المضاد للصواريخ، مما يشير إلى تحول عقائدي يشعر فيه المخططون الأتراك الآن بأنهم ملزمون بمقارنة قدراتهم بقدرات إسرائيل.

هذه الشبكة الآخذة في الاتساع من الشراكات تترك مساحة متضائلة لإسرائيل. صُممت المبادرات الإقليمية مثل اتفاقيات إبراهيم؛ والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وهو مشروع تجاري وتواصل تدعمه الولايات المتحدة ويربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وقمة النقب، وهي منتدى أمني إقليمي جمع إسرائيل مع شركاء عرب وغربيين؛ ومبادرة “أي تو يوتو” التي تجمع الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة للتعاون التكنولوجي والاقتصادي، لبناء نظام جديد متجذر في التعاون العربي الإسرائيلي تحت إشراف أمريكي.

وكان الهدف هو ربط الدول العربية بإسرائيل، واستبعاد تركيا، واحتواء إيران. افترض المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون أن التطبيع وقبول إسرائيل بشكل أكبر في المنطقة أمر لا مفر منه، لكن هذه الرؤية تنهار.

وبالمحصلة، حولت السياسة الإسرائيلية هذا الموضوع إلى موضوع سام وجعلت التطبيع خطرا محليا واستراتيجيا على القادة العرب وحكوماتهم. وقد قوض الهجوم على قطر هيبة الولايات المتحدة ومصداقيتها، واستخلص حكام الخليج درسا مفاده أن إسرائيل غير متوقعة وعدوانية، وأن الضمانات الأمنية الأمريكية غير موثوقة.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى