أقلام وأراء

عياد البطنيجي: العبوات الناسفة في غزة: استنزاف للمقاومة بلا جدوى استراتيجية

عياد البطنيجي 15-7-2025: العبوات الناسفة في غزة: استنزاف للمقاومة بلا جدوى استراتيجية

تُعدّ العبوات الناسفة شديدة الانفجار إحدى الأدوات التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لمواجهة التوغلات الإسرائيلية. ومع ذلك، يكشف تحليل معمّق للظروف التشغيلية لهذه العمليات عن عبء تشغيلي هائل وتكلفة باهظة ومخاطر عالية تتحملها المقاومة، مما يثير تساؤلات حول جدواها الاستراتيجية. 

مفارقة التكلفة العالية والأثر المحدود

تُظهر النظرة الفاحصة لعمليات استخدام العبوات الناسفة مفارقة واضحة بين تكلفتها التشغيلية العالية وأثرها الاستراتيجي المحدود. فمتطلبات الاستطلاع والمراقبة الدقيقة، بالإضافة إلى الحاجة لنشر العبوات على نطاق جغرافي واسع، تجعل هذه العمليات محفوفة بمخاطر جمة وتكاليف باهظة على المقاومة. النجاحات، إن تحققت، غالبًا ما تحدث في ظروف استثنائية للغاية، وفي مناطق سبق أن شهدت تواجدًا عسكريًا إسرائيليًا. هذا يمنحها تأثيرًا رمزيًا في المقام الأول، يرفع المعنويات ولكنه لا يُترجم إلى تغيير جوهري في ميزان القوى.

ونتيجة لذلك، تبقى هذه العمليات محدودة، متقطعة، وغير مستدامة على المدى الطويل، مما يثير تساؤلات جدية حول قدرة المقاومة على مواصلة هذا النهج بكفاءة.

التحديات التشغيلية لنشر العبوات الناسفة في غزة

إن متطلبات الاستطلاع والمراقبة الدقيقة، بالإضافة إلى ضرورة نشر العبوات الناسفة على نطاق جغرافي واسع، تشكل عبئًا كبيرًا على المقاومة في قطاع غزة. تكمن الإشكالية التشغيلية الأساسية في صعوبة تحديد المواقع الدقيقة لاقتراب قوات العدو الوشيكة.

هذا يدفع المقاومة إلى اللجوء لمستويات تشغيلية بالغة التعقيد والخطورة. سواء كان ذلك في الاستطلاع المعقد المطلوب لجمع المعلومات، أو في الحاجة إلى نثر العبوات عبر مساحات شاسعة لتعويض نقص الدقة في تحديد الأهداف. كل هذا يضاعف بشكل كبير المخاطر التي تواجه عناصر المقاومة ويرفع من التكاليف اللوجستية والبشرية لهذه العمليات.

تحديات نشر العبوات الناسفة: استطلاع معقد ومخاطر متصاعدة

تتجلّى تحديات نشر العبوات الناسفة على مستويات عدة، تفرضها متطلبات الاستطلاع الدقيق والمراقبة المستمرة:

محيط غلاف غزة: في هذه المنطقة، يكون دخول قوات الجيش الإسرائيلي معروفًا ومحددًا مسبقًا للمقاومة. هذا يتيح فرصة لزرع العبوات في مسارات الجيش المتوقعة، لكنه يتطلب استطلاعًا مكثفًا، وينطوي على مخاطر عالية جدًا لخلايا المقاومة التي تعمل بالقرب من المنطقة.

داخل مناطق التوغل: تتطلب هذه المرحلة استخدام الاستطلاع والمراقبة في المناطق التي توغل بها الجيش بالفعل وأثناء عملياته، بهدف تحديد أماكن تحركاته ثم زرع العبوات في مساره. هذا النوع من العمليات يحمل مخاطر عالية جدًا على خلايا المقاومة بسبب القرب المباشر من قوات العدو.

المناطق المُخلاة مسبقًا: في بعض الحالات، يُخلي الجيش الإسرائيلي مناطق القتال مسبقًا عبر إنذارات ورسائل معينة قبل بدء عملياته. هنا، تبرز الحاجة إلى نشر العبوات الناسفة على مساحات جغرافية واسعة، نظرًا لعدم القدرة على تحديد نقاط اقتراب القوات بدقة. هذا يُجبر المقاومة على نثر العبوات بشكل مكثف لتغطية المساحات المحتملة، مما يرفع من المخاطر والتكاليف بشكل هائل.

استنزاف داخلي بلا تحول استراتيجي

على الصعيد الاستراتيجي الأوسع، لا يغير استخدام العبوات الناسفة ميزان القوى في الميدان بشكل ملموس، ولا يجبر إسرائيل على إعادة تقييم استراتيجيتها أو التراجع عن أهدافها العملياتية. بل على العكس، غالبًا ما تؤدي هذه العمليات إلى كشف خلايا المقاومة وجعلها عرضة لردود فعل عنيفة من قبل الجيش الإسرائيلي، والتي قد تشمل الإبادة والتدمير الشامل للمواقع التي تنطلق منها هذه الخلايا.

إن تكتيك العبوات الناسفة، بهذا المنطق، يتحول إلى استنزاف داخلي للمقاومة، إذ يفتقر إلى القدرة على تحقيق أي ثقل استراتيجي ملموس، ولا يترك خلفه سوى تأثير رمزي يغذي وهم الانتصار.

 فالتكلفة التشغيلية عالية جدًا والنجاحات استثنائية، وعدم تحقيق تغيير استراتيجي ملموس، يوضح بوضوح أن النتائج لا تتناسب مع الجهود المبذولة والمخاطر العالية. وذلك، يستدعي ضرورة البحث عن تكتيكات بديلة يمكن أن تكون أكثر فعالية أو أقل تكلفة، وكذلك عن البدائل الممكنة لتحقيق الأثر الاستراتيجي المطلوب بفاعلية أكبر. 

الحاجة إلى استراتيجية مقاومة جديدة

إن الاستمرار في النموذج العسكري لمقاومة الاحتلال، كما تتبعه حركة حماس، لن يحقق الأهداف المرجوة. لقد أثبت هذا النموذج فشله المتكرر، ويتضح ذلك بشكل خاص في جولات المفاوضات حيث تفتقر الحركة إلى أوراق تفاوضية ذات تأثير حقيقي. فالأدوات الميدانية المستخدمة، مثل العبوات الناسفة شديدة الانفجار، والخلايا الهجومية، والقذائف المضادة للدروع، تفتقر إلى الوزن السياسي اللازم. هذه الأدوات، على الرغم من فاعليتها التكتيكية المحدودة، تبقى عاجزة عن التحول إلى أوراق تفاوضية ضاغطة تجبر إسرائيل على التراجع ميدانياً أو إعادة تقييم أهدافها من الحرب. ببساطة، لا تمكّن هذه الأدوات الحركة من تقديم خيارات ضغط مؤثرة على طاولة المفاوضات.

لذا، أصبح من الضروري، قبل كل شيء، التخلي عن هذا النموذج القتالي الذي يثبت عجزه المستمر.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى