عبد الغني سلامة: جامعة خضوري تستضيف معتز العزايزة

عبد الغني سلامة 9-7-2025: جامعة خضوري تستضيف معتز العزايزة
في خطوة شجاعة ومسؤولة قررت جامعة خضوري استضافة الصحافي الفلسطيني معتز العزايزة لتقديم محاضرة.. ولكن لماذا استضافة صحافي فلسطيني في جامعة فلسطينية خطوة شجاعة؟ السبب أن من تستضيفه يتعرض لحملة تشويه ممنهجة منذ أزيد من سنة!
معتز شاب من غزة، اشتهر في الأشهر الأولى من عمر الحرب، حيث قام بتغطية متميزة لأهوالها وأخبارها، ملتقطاً صوراً فريدة بينت حجم الكارثة الفلسطينية، وفضحت مستوى الإجرام الذي مارسه جيش الاحتلال، وقد بذل جهوداً خارقة وعرّض نفسه لخطر الموت من أجل نقل الحقيقة للعالم. وفي لحظة ما قرر مغادرة القطاع، بعد أن رأى الموت عشرات المرات، وصرح بأنَّ «حياتي مهمة»، غادر حقول الموت ليكمل رسالته الوطنيّة حول العالم، فاكتسب شهرة عالمية، وقد تجاوز عدد معجبيه 12 مليوناً، استضافته كبرى الجامعات المرموقة في العالم، والعديد من المؤسسات الإعلامية، اعتبرته مجلة التايم من الشخصيات الأكثر تأثيراً، رُشح لنيل جائزة نوبل للسلام، وبات شخصاً ملهماً ومؤثراً لملايين الشبان.
على المستوى الداخلي، بعد أن كان صحافياً وطنياً ينقل الحقيقة، فجأة تحول إلى «مطبل»، و»متخاذل»، و»عدو للمقاومة»، وأُلصقت به أقذع الأوصاف وأكثرها انحطاطاً! في عمّان خرجت مظاهرة حاشدة خصيصاً لشتمه، فقَدَ عدة ملايين من متابعيه مرة واحدة.. كيف حدث ذلك، ولماذا؟
حين كان داخل غزة كان موضع إجماع باستثناء أصوات قليلة شككت به، وبمجرد مغادرته القطاع انقسم الرأي العام حوله باستقطاب حاد، بين من يراه ممثلاً للحقيقة ونموذجاً رائعاً للفلسطيني الذي نريد، وبين من يراه انتهازياً وجباناً.
ومن الواضح أن من وراء حملة تشويهه هم جماعة الإخوان، وأنصار حماس، وجمهور قناة الجزيرة عموماً.. والسبب أنه بقوله «حياتي مهمة» أحدث صدمة لدى الجماهير المخدرة لأنه كسر رواية «المقاومة»، ورواية الجزيرة، وأعلن بكل «وقاحة» أن حياة الفلسطيني مهمة.. كيف تكون حياة الفلسطيني مهمة، وبالذات الغزاوي؟ هؤلاء منذورون للموت، وقرابين، والموت أسمى أمانيهم.. كيف فجأة تصبح حياتهم مهمة؟! معقول! مش عيب هالحكي؟
الفلسطيني (وبالذات الغزاوي) شخص واحد له طبيعة واحدة: متشدد، عنيف، مسلح، لا يؤمن بالسلام، غير مستعد لأي تسوية، لا يؤمن بالمجتمع الدولي ولا بالقانون الإنساني، لا يعرف سوى المقاومة المسلحة والصواريخ وتدمير تل أبيب.. معتز يقدم صورة مغايرة وغير معهودة.. بكل «وقاحة» يطالب بوقف الحرب ويدعو للسلام العادل.
صورة الغزاوي النمطية: شخص متدين وملتحٍ، متباكٍ، متسول، معفر الثياب، يشتم الأنظمة العربية، مستعد للتضحية بأبنائه كرمى للمقاومة، يتحمل الجوع والعطش ويستمد طاقته بالتمثيل الكلوروفيلي.. معتز يرتدي بدلة أنيقة وربطة عنق، وسيم، يتكلم الإنجليزية بطلاقة، ويتحدث العربية بهدوء ومنطق ودون شعارات، يطرح رأيه بجرأة وموضوعية، لا يتسول، وعندما يجمع تبرعات يعلن عن بياناتها بكل شفافية.. يعني معتز خرّب الصورة المعهودة عن أهل غزة.
وفوق ذلك، التقى بالرئيس محمود عباس والتقط صورة معه.. عباس خذل غزة وباعها، ومعتز ابن غزة وقادم من وسط الميدان يتصافحان! مثل هكذا صورة تخلخل وتهز السردية الإخوانية حول السلطة والمنظمة، وبالتالي يجب أن يكون معتز قد خذل غزة وباعها!
أهل غزة مجبرون على تحمل كل ما يتعرضون له من قصف وتقتيل وتدمير، أهل غزة هم فقط حاضنة للمقاومة، أهل غزة أبطال خارقون، صمودهم أسطوري، لا يشتكون، لا يتألمون أو يتألمون بصمت.. هذا دورهم الوظيفي.. معتز خرج وانتقد وتكلم واشتكى.. وبالتالي نقل صورة مختلفة عن الصمود الأسطوري والبطولات الخارقة..
عائلات كاملة استشهد جميع أفرادها، ومسحوا من السجل المدني، عائلة معتز قدمت عشرات الشهداء فقط، وللأسف نجا هو من الموت، وكان يجب أن يلتحق بركب الشهداء، حتى نكتب فيه قصيدة رثاء، الآن نحن مجبرون على الرد على أقواله وتفنيد تصريحاته، مجبرون على التفكير واستخدام عقولنا.
تاريخياً، في كل حرب يظهر: إعلاميون انتهازيون، ومحللون شعبويون، ومثققون مأجورون، ومصورون يبحثون عن لقطة يبيعونها، وطبعاً «أثرياء الحرب».. معتز كسر هذه الحلقة، وغرد عكسها، وهذا لعب بالمحظور.
الفلسطينيون يبحثون دوماً عن وجه يمثلهم، ويختزل قصتهم ويقدمها للعالم بصورة جاذبة، لأنها قصة معقدة ومركّبة ومملّة، في الآونة الأخيرة ظهرت وجوه متميزة عبرت عن حكاية فلسطين بصورة مكثفة: عهد التميمي، محمد الكرد، أبو الرعد، معتز العزايزة، وغيرهم.. وبعد أن لاقت قصصهم صعوداً سريعاً اختفت سريعاً، ليس لخطأ في شخوصهم أو مصداقيتهم؛ بل لأنهم تعرضوا لحملات تشويه؛ لأنهم قدموا صورة مغايرة للسردية الجاهزة والمتداولة، ولأن قصصهم بقيت فردية دون رعاية جماعية تفتح أمامهم طريقاً طويلاً يحوّلها من قصص شخصية الى رواية وطنية، وبدلاً من تحويلهم إلى أيقونات ملهمة ومحرضة حولناها إلى حملات تشويه.
معتز واحد من بين عشرات ومئات الكتّاب والصحافيين الفلسطينيين الذين يبذلون جهوداً حقيقية ومخلصة لنقل الحقيقة، ولتقديم صورة حضارية عن الفلسطيني، وعرض القضية الفلسطينية بطريقة واقعية واعية.. بمجرد أن ينتقد حماس، أو لا يمدحها يتعرض للتشويه، هذا حدث مع الزميل الإعلامي المتميز عصمت منصور، ومع تيسير عبد الله.. وسيحدث مع كل من يتجرأ على نقل الحقيقة، وتوجيه النقد، وحث الجمهور على التفكير واستخدام عقولهم، والانحياز لإنسانيتهم ولشعبهم في غزة الذي يُذبح بصمت وبكل وحشية.
قد أتفهم دوافع الإخوان و»الجزيرة»، لأنها جهات منظمة لديها أجندات سياسية وأيديولوجية حزبية.. وقد أتفهم دوافع الجمهور العريض ممن هم خارج فلسطين، لأنهم تشربوا دعاية الجزيرة وغُسلت أدمغتهم ولا يعرفون حقيقة الواقع الذي تعيشه غزة، وهم مستمتعون بأخبار التفجيرات وبطولات المقاومين، لأنها تعوض عجزهم وخواءهم، وتمنحهم شعوراً بالعزة والكرامة، وتشفي غليلهم.. هذا كله مفهوم وتحدثنا عنه كثيراً.. ولكن من غير المستوعب أن يشترك في حملات التشويه ضد الأصوات المعارضة والمنتقدة من يقيمون في الضفة الغربية.. فإذا كانوا مقتنعين بمنهج مقاومة حماس، ويرونها ممثلاً حصرياً للمقاومة، فما الذي يؤخرهم عن الانضمام للمعركة! كيف تريد للغزاوي أن يضحي بنفسه وعائلته وبلده ومستقبله.. بينما تمتنع عن تقديم أبسط أشكال المقاومة، وتكتفي بالمزايدة والاتهام؟ هذه ليست مزاودة وحسب، ولا مجرد تناقضٍ وانفصامٍ في الشخصية، ولا تَعامٍ عن رؤية الواقع، هي أكثر من نفاق ومن تفكير أناني؛ إنها عطب في المنظومة الأخلاقية والإنسانية.