أقلام وأراء

صلاح مخلوف: المشهد الفلسطيني بعد عامين من مقتلة السابع من اكتوبر، تحولات في الوعي والسياسة والاعتراف الدولي

صلاح مخلوف 10-10-2025: المشهد الفلسطيني بعد عامين من مقتلة السابع من اكتوبر، تحولات في الوعي والسياسة والاعتراف الدولي

بعد مرور عامين على حرب الإبادة الجماعية في قطع غزة ، يمكن القول إن الساحة الفلسطينية والإقليمية شهدت تغيرات جوهرية في المواقف والموازين، سواء على المستوى السياسي أو الشعبي أو الدولي. رغم الدمار الكبير الذي لحق بقطاع غزة وما رافق الحرب من خسائر إنسانية غير مسبوقة، إلا أنّ القضية الفلسطينية استعادت مكانتها في الوعي العالمي، وأصبحت محور اهتمام سياسي وإعلامي متجدد بعد سنوات من التهميش.

أحد أبرز التحولات تمثّل في ازدياد عدد الدول التي اعترفت بدولة فلسطين ككيان ذي سيادة. فقد أعلنت دول أوروبية مثل إيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا ومالطا خلال عام 2024 اعترافها الرسمي بفلسطين، تبعتها موجة من دول أميركا اللاتينية مثل جمايكا وباربادوس وترينيداد وتوباغو. كما انضمت دول أخرى إلى هذا التيار مثل المملكة المتحدة وكندا وأستراليا وفرنسا ولوكسمبورغ وبلجيكا والبرتغال. هذا الاعتراف الواسع لم يكن حدثًا رمزيًا فحسب، بل شكّل تعزيزًا للشرعية الدبلوماسية الفلسطينية على المستوى الدولي، وفتح الباب أمام إمكانية المطالبة بعضوية كاملة في الأمم المتحدة وإعادة صياغة العلاقات السياسية والدبلوماسية مع العديد من القوى الغربية.

في المقابل، تراجعت الرواية الإسرائيلية بشكل غير مسبوق في الغرب، إذ انكشفت السياسات العدوانية الإسرائيلية أمام الرأي العام العالمي عبر الصور الحية والتقارير الحقوقية التي أبرزت حجم المأساة الإنسانية في غزة. هذا التراجع انعكس على المواقف الشعبية في الغرب، حيث خرجت مظاهرات ضخمة في عواصم أوروبية وأميركية دعماً لفلسطين، وتزايدت الدعوات لمقاطعة إسرائيل ومراجعة العلاقات الاقتصادية معها. كما عبّرت منظمات دولية وحقوقية عن إدانتها لجرائم الحرب في غزة والضفة الغربية، مما أوجد عزلة سياسية غير مسبوقة لإسرائيل حتى في المحافل التي كانت داعمة لها.

ورغم هذه التحولات، فإنّ العملية العسكرية التي قادتها حركة حماس لم تحقق أهدافها السياسية أو العسكرية، إذ فشلت في إدارة الصراع بصورة تضمن مكاسب ملموسة للفلسطينيين. بل إنّ الحرب الطويلة أدت إلى تدمير هائل للبنية التحتية وتفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع، دون أن تفرض على إسرائيل تنازلات جوهرية. وبذلك، لم يتحقق بعد أي حل سياسي يلبّي طموحات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعودة اللاجئين والسيادة على القدس، وهو ما يعكس استمرار المأزق السياسي الراهن.

كما يمكن القول إنّ الصراع أخذ منحى أكثر خطورة بتحوّله من صراع وطني شامل بين الشعب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي إلى صراع يُقدَّم في الخطاب الدولي على أنه مع فصيل واحد هو حركة حماس، مما ساهم في تقليص البعد الوطني الشامل للقضية الفلسطينية. هذا التحول يخدم الرواية الإسرائيلية التي تسعى إلى تفكيك الوحدة الوطنية الفلسطينية وإضعاف الإجماع الدولي حول الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

في المقابل، برزت القيادة الفلسطينية عبر تبنّيها نهج المقاومة الشعبية والدبلوماسية الدولية كخيار استراتيجي أكثر فاعلية وأقل كلفة. فقد استطاعت من خلال العمل السياسي والدبلوماسي أن تُحدث اختراقات في المواقف الدولية، وتعزز حضور فلسطين في المنظمات الأممية، وتكسب تعاطفًا عالميًا متزايدًا. إن هذا النهج، رغم بطئه مقارنة بالكفاح المسلح، إلا أنه أثبت قدرة على تحقيق نتائج ملموسة بتكاليف إنسانية أقل، كما حافظ على الشرعية الدولية للنضال الفلسطيني. ويُثمن هذا الخيار باعتباره مساراً عقلانياً طويل الأمد يسعى لتجديد المشروعية الوطنية وتوسيع قاعدة الدعم الدولي دون الانجرار إلى مواجهات عسكرية مدمّرة.

من هنا، يمكن استخلاص أن مستقبل القضية الفلسطينية يعتمد على مراكمة هذه الإنجازات الدبلوماسية، وبناء استراتيجية موحدة تجمع بين المقاومة الشعبية والعمل السياسي، وتحقيق مصالحة وطنية شاملة تعيد تعريف الصراع بوصفه صراعاً تحررياً عادلاً ضد احتلال استيطاني، لا مجرد نزاع عسكري بين إسرائيل وفصيل فلسطيني.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى