أقلام وأراء

رياض قهوجي: خطة ترامب تسعى لنظام إقليمي جديد يُعزّز علاقات إسرائيل بجيرانها وتستهدف محور إيران

رياض قهوجي 18-10-2025: خطة ترامب تسعى لنظام إقليمي جديد يُعزّز علاقات إسرائيل بجيرانها وتستهدف محور إيران

يراقب العالم خطوات تطبيق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة، والتي شهد يوم توقيعها احتفالات في تل أبيب وشرم الشيخ، إن دلّت على شيء، فهو أن نظاماً أمنياً جديداً بدأ يتشكّل في الشرق الأوسط، وستكون مفاعيله وأبعاده دولية. فبالرغم من أن تطبيق هذا الاتفاق في غزة سيشهد بعض التعقيدات والمناوشات بين “حماس” وإسرائيل وأطراف أخرى، فإنه سيقود إلى مرحلة جديدة تتعدّى الوضع داخل غزة. وإنّ موافقة “حماس” على بنود الخطة، وتحديداً التخلي عن السلاح، تؤشّر إلى حجم التغيير، حتى وإن راوغت الحركة في موضوع السلاح كما يفعل “حزب الله” في لبنان اليوم، فكلاهما يفتقران إلى خيارات مجدية للاستمرار على النهج القديم، إذ تقلصت قدراتهما العسكرية والمالية بشكل كبير، وإمكانيات العودة بعقارب الساعة إلى الوراء باتت مستحيلة بحكم التغيّرات التي أحدثتها الحروب التي تلت عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

النظام الجديد الذي ينشأ في المنطقة سيحلّ مكان النظام الأمني الذي وُلد بعد حرب تحرير الكويت وانهيار الاتحاد السوفياتي، مع انطلاق مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وما تبعه من مبادرات واتفاقيات أنهت حروباً في المنطقة، ومنها الحرب الأهلية في لبنان بواسطة اتفاق الطائف. وكان نظام بشار الأسد حينها جزءاً من الدول التي ساهمت في إحداث التغيير، وكسب منها بقاء قواته في لبنان بما تضمنه ذلك من المحافظة على “حزب الله” ومنحه دوراً في الساحة اللبنانية. وتأثر هذا النظام بالحرب الأميركية على الإرهاب بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، وما تلاها من اجتياح العراق، الذي أطلق العنان لإيران وميليشياتها في المنطقة، وولّد الحركات الأصولية مثل “داعش”. وعملت طهران عبر محور الممانعة على فرض نفسها كلاعب محوري في النظام الأمني للمنطقة، ونجحت في ذلك بعد التوصّل إلى الاتفاق النووي مع إدارة الرئيس باراك أوباما.

لكن زلزال “طوفان الأقصى” دمّر أركان هذه المنظومة الإقليمية. وبسقوط نظام الأسد فقدت طهران جسر الدعم إلى قلب منظومتها الأمنية، أي “حزب الله”، الذي كان قد فقد معظم قيادات الصف الأول والثاني وحتى الثالث، والذين كان لهم الفضل الكبير في تنامي نفوذ هذا المحور. ورغم استمرار جهود إيران لإحياء “حزب الله” وإبقائه قوة عسكرية فاعلة، فإن الوقائع الميدانية ستحول دون ذلك. وكلما ازداد الدعم الدولي للرئيس أحمد الشرع وترسّخ حكمه في سوريا، تضاءلت فرص إعادة بناء “حزب الله” كما كان، وازداد ضعفه محلياً وإقليمياً. إنّ تثبيت التغيير السياسي في سوريا سيثبّت التغيير في لبنان، مهما شهدت ساحته من صعوبات.

لكن “حزب الله” يعمل جاهداً على تجييش قاعدته مذهبياً، إنما ليس لحرب ضد إسرائيل، بل لإبقاء نفسه ضمن المعادلة السياسية اللبنانية. وبعد سحب سلاحه من جنوبي الليطاني والتزامه باتفاق وقف إطلاق النار رغم الغارات الإسرائيلية اليومية على مواقعه ومقاتليه، يسعى اليوم لتجنّب الحرب. وقراره بالاحتفاظ بالسلاح له أهداف داخلية، إلى جانب إبقائه فاعلاً كخط دفاع أول لطهران ضمن استراتيجية إيران العسكرية. فالحزب يخوض معركة بقاء، ولذا، يجب عليه إضعاف الحكومة المركزية. لذلك، تبدو سياسة الحكومة والعهد باستيعاب الحزب ومراعاة مشاعره عقيمة، وستؤدي إلى تصعيد عسكري.

كان خطاب ترامب في الكنيست واضحاً من حيث الالتزام الأميركي بحماية إسرائيل ومصالحها، لكنه شدّد على موضوع ترجمة الانتصارات العسكرية بإنجازات سياسية على خطّ الاتفاقيات الإبراهيمية. وطبعاً هذا يعني ضرورة استعداد إسرائيل لتقديم تنازلات للوصول إلى اتفاقيات سلام جديدة مع دول عربية وإسلامية. لكن قبل الوصول إلى هذه النقطة، لمح ترامب إلى خطوات ربما تأتي على شكل جولات حروب جديدة مع إيران و”حزب الله”. ووجّه ترامب رسالة مباشرة إلى الرئيس اللبناني جوزف عون داعياً إياه إلى المضي في سحب سلاح “حزب الله”، وقال إن دعم أميركا للجيش اللبناني هو لتحقيق هذا الهدف. كما وجّه دعوة إلى طهران للانخراط في المنظومة الإقليمية الجديدة، وهي خطوة لم تُقدم عليها واشنطن عند الدعوة إلى مؤتمر مدريد للسلام. ومع انطلاق عملية تطبيق اتفاق غزة، يسود الترقّب لمعرفة أين ستكون الجبهة التالية.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى