أقلام وأراء

رفيق خوري: العلاقات اللبنانية السورية وتحديات الفرص والأخطار

رفيق خوري 10-9-2025: العلاقات اللبنانية السورية وتحديات الفرص والأخطار

ملف العلاقات اللبنانية – السورية مثقل بقضايا تراوح بين البساطة والتعقيد، بعضها كان التصور أنه محلول وفي إطاره الطبيعي، وبعضها الآخر لم يكن من الوارد إيجاد حلول له لأن الأزمة هي الوضع الطبيعي.

شيء من المراوحة بين الأُخوّة والعداء، وشيء من الرهان على الأخطار بدل الفرص، ولا شيء اسمه علاقات عادية بعد أعوام قليلة من استقلال البلدين في أربعينيات القرن الماضي، وخسارة النخب اللبنانية الحاكمة لنظراتها من النخب السورية الحاكمة والصديقة بسبب الانقلابات العسكرية، بدءاً من انقلاب حسني الزعيم على الرئيس شكري القوتلي عام 1949.

ففي أوائل الخمسينيات جاءت القطيعة الاقتصادية بقرار من خالد العظم في دمشق، بحجة الحماية الوطنية للصناعة من سياسة التجارة في بيروت، ولم تكد الأمور تأخذ مساراً مقبولاً خلال عزّ الديمقراطية في سوريا بين عامي 1954 و1958، على رغم اتهام بيروت بأنها مركز التآمر الأجنبي على سوريا، حتى جاءت الوحدة بين سوريا ومصر ثم حكم البعث بعد الانفصال، وبالتالي حكم الأنظمة السلطوية التي تضيق بالنظام الديمقراطي اللبناني ولو كان شكلياً، وما كان دفعُ الفصائل الفلسطينية المسلحة إلى العمل من قواعد في لبنان قبل “اتفاق القاهرة” وبعده سوى جزء من تخطيط النظام السوري لتغيير النظام اللبناني.

في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024 انتهى كابوس ثقيل على صدور السوريين واللبنانيين بفرار بشار الأسد وانهيار النظام، وكان من الطبيعي أن تبدأ الرهانات على الإدارة السورية الجديدة بالنسبة إلى تنظيم العلاقات اللبنانية – السورية، بصرف النظر عن التساؤلات حول الأهداف الحقيقية للقوى الإقليمية والدولية التي أخذت “هيئة تحرير الشام” من إدلب الى دمشق على طريق عسكري مفتوح، وبالطبع سارع رئيس الحكومة السابقة نجيب ميقاتي، ثم رئيس الحكومة الحالية نواف سلام، إلى زيارة دمشق مع وفود وزارية لمحادثات مع الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، كما التقى رئيس الجمهورية جوزاف عون مع الشرع على هامش القمة العربية والإسلامية.

وتعددت المواعيد حول زيارة وفد وزاري سوري إلى بيروت للبحث في تنظيم العلاقات من دون حصول أية زيارة، باستثناء زيارة وفد تقني سوري لا يزال يدرس الملفات الجديدة عليه، فهل هي عقدة “الاستعلاء السوري” على لبنان من خلال غطرسة القوة منذ حكم آل الأسد، في مقابل ما تمارسه أوساط في لبنان من “عقده التفوق” الوهمي؟ وهل المشكلة في دمشق هي معاملة لبنان كأنه المسؤول عما فعله “حزب الله” في سوريا خلال مشاركته في الحرب دفاعاً عن النظام، كما أن المشكلة في بيروت هي ما فعله نظام الأسد وعسكره بالناس على مدى ثلث قرن وأكثر؟

الرئيس أحمد الشرع يقول إنه لا يريد التدخل في الشؤون الداخلية للبنان ولا التعامل مع الطوائف، بل تنظيم العلاقات من دولة إلى دولة، وهو أعلن أخيراً أمام وفد إعلامي عربي أنه أغلق ملف “حزب الله” في حرب سوريا، كما يردد المسؤولون اللبنانيون أنهم وضعوا وراءهم كل ما فعله نظام الأسد في لبنان، لكن كل شيء لا يزال بطيئاً على الصعيد العملي، فالمطلوب إعادة النظر في ملف العلاقات وخصوصاً في تركة آل الأسد، “معاهدة الأخوة” ومئات الاتفاقات، وهي مسألة ضرورية وملحّة، والمرغوب فيه هو الشعور بأن الأشياء بدأت تتغير نحو الأفضل للدوران في المدار الصحيح، والظاهر أن لبنان ليس بين الأولويات في سوريا حالياً، فالملحّ بالنسبة إلى الإدارة الجديدة هو ايجاد حل سريع لقصة السجناء الإسلاميين السوريين وغير السوريين في لبنان، بحجة أن التهم الموجهة إليهم تتعلق بنشاطات ضد نظام الأسد، والملحّ بالنسبة إلى بيروت هو إيجاد حل لعبء كبير على الوطن الصغير عبر وجود أكثر من مليون نازح سوري.

لكن المسألة أكبر وأوسع، فالرئيس حافظ الأسد كان يستخدم تعبير “شعب واحد في دولتين”، والواقع هو “شعبان في دولة واحدة” كان يحكمها الأسد، وما كان قبل إقامة علاقات دبلوماسية ظل يطالب بها لبنان طويلاً من دون تجاوب سوري لم يتبدل كثيراً بعد العلاقات وتبادل السفراء وقيام المجلس الأعلى اللبناني – السوري، وليس أمراً بلا دلالات أن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني جال ولا يزال يجول على كثير من عواصم المنطقة والعالم، بما في ذلك التفاوض مع وزير إسرائيلي في باريس برعاية أميركا من دون أن يزور بيروت، ولا مجال لرهن العلاقات اللبنانية – السورية بملف المسجونين الإسلاميين السوريين في لبنان، ذلك أن أكثر بلدين يحتاج بعضهما بعضاً هما الشقيقان السوري واللبناني، وإعادة النظر في تركة الأسد هي فرصة لإقامة علاقات طبيعية عادية تخدم البلدين، لا مميزة على حساب الشقيق الصغير، ولا أخوية ساعة بلا جدران فاصلة وساعة بحدود مغلقة.

صحيح أن الإدارة الجديدة خرجت على بقايا النظام الاشتراكي وصارت مفتوحة على أميركا وبقية الغرب، ولم تعد في حاجة إلى لبنان المصرف ولبنان الشاطر في تجاوز العقوبات الدولية عليها، لكن الصحيح أيضاً أن سوريا تبقى العمق العربي للبنان الذي بقي الشرفة البحرية لسوريا، وأن التكامل الاقتصادي بينهما في ظل السيادة ضرورة قصوى لازدهار اقتصادي في البلدين، ولا ازدهار، بطبائع الأمور، من دون علاقات سياسية واجتماعية وأمنية في مواجهة الإرهاب والتهريب والمخدرات.

مفهوم أن صورة سوريا الجديدة لم تستقر بعد، لا بين المركز والأطراف، ولا في السباق التركي – الإسرائيلي على النفوذ والسيطرة، لكن ترسيم الحدود بين البلدين براً وبحراً ليس مهمة مستحيلة على صعوبتها، ولا استقرار في لبنان من دون استقرار في سوريا والعكس، والفرصة المفتوحة كبيرة أمام دمشق كما أمام بيروت، شرط الجرأة على أخذ الفرصة مهما تكن الأخطار والمجازفات.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى