أقلام وأراء

رفيق خوري: العقوبات أو التفاوض: خيار إيران الصعب

رفيق خوري 4-9-2025: العقوبات أو التفاوض: خيار إيران الصعب

فرنسا وبريطانيا وألمانيا نفذت ما هددت به، تفعيل “آلية الزناد” في مجلس الأمن الدولي استناداً إلى القرار 2231 أساس الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة “5+1” عام 2015 الذي انسحبت منه أميركا بقرار من الرئيس دونالد ترمب. والصين وروسيا تعملان على مشروع قرار في مجلس الأمن لتمديد مدة القرار 2231، وكل شيء يدور حول اللعبة بين أميركا وإيران، معاودة التفاوض على اتفاق جديد أو معاودة الحرب. والمؤكد، إن لم تذهب طهران إلى التفاوض في مهلة شهر، هو عودة العقوبات الدولية التي جرى رفعها بعد الاتفاق النووي من دون قرار جديد في مجلس الأمن. وكالعادة، فإن الرياضة الوطنية في إيران هي سياسة الهرب إلى الأمام، ومجلس الشورى جاهز لطبع القوانين المطلوبة. فبعد القصف الأميركي والإسرائيلي للمنشآت النووية في نطنز وأصفهان وفوردو واغتيال القيادات العسكرية وعلماء الذرة، كانت المسارعة إلى قطع العلاقات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية واتهامها بالتواطؤ والتحيز، مع أن طهران مضطرة إلى التعامل مع الوكالة، مما حدث أخيراً بصرف النظر عن قانون مجلس الشورى. وبعد قيام “الترويكا” الأوروبية بتفعيل “آلية الزناد”، بدأ طبخ قانون الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي، وهو أمر بالغ الخطورة لأنه يضع حتى الجانب السلمي من البرنامج النووي الإيراني خارج الشرعية الدولية، ويسمح لأميركا أو إسرائيل بقصف أي تحرك للعمل في هذا البرنامج تحت عنوان المنع لأي نشاط عسكري.

ولا أحد يجهل خطورة العودة لفرض العقوبات الدولية، إضافة إلى العقوبات الأميركية المفروضة حالياً، لا فقط على الوضع المالي والاقتصادي والاجتماعي، بل أيضاً على الرغبة في استعادة القوة العسكرية بعد الضربة الشديدة خلال حرب الـ12 يوماً. فوزير الاقتصاد الذي عمد إلى تشخيص الأزمة وتوصيف الحل، سحب مجلس الشورى الثقة منه. وأقل ما كشف عنه هو أنه “خلال الأعوام السبعة الماضية زاد عدد الفقراء في إيران 10 ملايين”. والرئيس مسعود بزشكيان الذي اضطر المرشد الأعلى علي خامنئي إلى الدفاع عنه، قال بصراحة رداً على معارضي التفاوض مع أميركا “ألا تريدون التفاوض؟ حسناً، ماذا تريدون؟ هل تريدون أن تخوضوا حرباً؟ حسناً، إذا جاء العدو وضرب منشآتنا ونحن الآن بصدد تصليحها، فإنه سيأتي ويضرب ثانية. الحوار أو التحدث لا يعني الهزيمة أو الاستسلام”.

والوضع الاقتصادي الصعب هو “عقب أخيل” النظام الإيراني، والمعاناة ليست فقط من العقوبات الأميركية، بل أيضاً من سوء الإدارة الداخلية والفساد، إذ صارت الأولوية لدى خامنئي هي للالتفات إلى الاقتصاد. فالشكوى الشعبية تكبر، والقمع لا يحل المشكلة. وما “رسمل” عليه النظام خلال الحرب من وقوف المعارضين إلى جانبه دفاعاً عن الوطن بصرف النظر عن الخلاف مع النظام، لم يؤدِّ إلى انفتاح على المعارضة بل إلى مزيد من القمع والعنف. والقدرة على الإنفاق العسكري وتمويل الأذرع الإيرانية في الخارج محدودة جداً، ولا تغيير من دون رفع العقوبات. فكيف إذا أضيفت إليها العقوبات الدولية؟ وكيف إذا كانت حرب غزة ولبنان كشفتا عن عجز طهران عن دعم وكلائها الذين تضربهم إسرائيل، كما أكدت حرب إيران أن الوكلاء عاجزون عن دعم المركز الإيراني؟

قبل ثلاثة أعوام كان خامنئي يقول “إن اليد العليا في متغيرات المنطقة هي لإيران، ونحن اليوم نقود العالم في مواجهة أميركا، وهذا فجّر قنبلة أقوى بمئات المرات من قنبلة هيروشيما”. واليوم تعرضت إيران لضربة قاسية أميركية وإسرائيلية وبدأت تخسر أذرعها في المنطقة تحت ضربات إسرائيل. وخرجت من سوريا وتواجه الخروج من لبنان عبر قرار مجلس الوزراء سحب السلاح من “حزب الله” واستعادة حصرية السلاح وقرار الحرب والسلم ومشروعها الإقليمي في انحسار. وما عادت قادرة بكل وسائلها على تغطية ما سماه كريم سادجادبور “الثمن الكبير للهيمنة الإقليمية في نصر إيران الفارغ”. ولا هي تستطيع الاستمرار في مخالفة التزاماتها بموجب القرار 2231 عبر تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة بدلاً من 3.6 في المئة المسموح بها، وتوسيع البرنامج الصاروخي بعد تعهدها “عدم القيام بأي نشاط يتعلق بالصواريخ الباليستية المصممة لتكون قادرة على إيصال أسلحة نووية”.

أكثر من ذلك، فإن المنطقة ذاهبة إلى نوع من التسويات عبر ما قالت سوزان مالوني في” فورين أفيرز” إنه “نظام إقليمي جديد بدأ يظهر، لا تحتل إيران وأذرعها مركز المسرح فيه”. وهذه مشكلة كبيرة لـ”نظام الفوضى الإيراني”، إذ “ترى طهران فرصة في الفوضى”. وبحسب مالوني، فإن سياسة كبح إيران وصلت إلى نقطة حاسمة، “إيران أضعف وأكثر عزلة مما كانت عليه، لا تستطيع فرض إرادتها على المنطقة أو حتى الدفاع عن حدودها وشعبها”. لكن مالوني تحذر من “يأس إيران الخطر”، فهي “تحت” غير أنها ليست “خارج” اللعبة، وتبقى “لاعباً خطراً ومصدراً قوياً لعدم الاستقرار”. والفارق هائل بين قوة الاقتدار وقوة اليأس.

وكلما آمنت إيران بأن ضمان النظام هو امتلاك القنبلة النووية، واجهت قراراً حاسماً من أميركا وأوروبا والصين وروسيا لا قنبلة للنظام، وبعضهم في أميركا وبالطبع في إسرائيل يتصور أن الساعة دقت لتغيير النظام بدلاً من الرهان على وهم اسمه تغيير السلوك. والسؤال الآن هو أين اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة الذي تقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن من الممكن تحويله بسرعة إلى نسبة 90 في المئة وصنع “22 قنبلة نووية خلال خمسة أشهر”. والجواب لن يبقى لغزاً.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى