رجب أبو سرية: نتنياهو يفتح باب التهجير لأرض الصومال
رجب أبو سرية 30-12-2025: نتنياهو يفتح باب التهجير لأرض الصومال
بعد أن أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير خارجيته جدعون ساعر، اعتراف إسرائيل بما تسمّى دولة «أرض الصومال»، كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية النقاب عن زيارة قام بها رئيس الإقليم الصومالي الانفصالي عبد الرحمن محمد عبد الله، في الصيف الماضي، أي قبل نحو ستة أشهر من الآن، وتأكيداً لصحة هذه المعلومة جاء نشر جدعون ساعر على منصات التواصل الاجتماعي لصورة تجمعه بالرجل المدعو رئيساً لصومالي لاند، كذلك أشارت المعلومات إلى أن عبد الله التقى في زيارته السرية كلاً من رئيس الحكومة ورئيس «الموساد» إضافة إلى ساعر.
وقد جاء إعلان الاعتراف الإسرائيلي بصومال لاند كدولة، بعد توقيع اتفاق مشترك بين الطرفين، يتضمن اعترافاً متبادلاً، حيث اعتبر الجانب الإسرائيلي أن هذا يأتي ضمن اتفاقيات أبراهام، وذلك بالنظر إلى أن «أرض الصومال» إقليم صومالي، ضمن الدولة العضو في جامعة الدول العربية، في محاولة – على ما يبدو – لإقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن الطريق للاتفاقية التي يعتبرها أهم منجزاته حتى الآن والتي تمت خلال ولايته السابقة، يمكنه أن يكون دون بوابة الدولة المحورية في العالمَين العربي والإسلامي، وفي الشرق الأوسط، أي السعودية، لأن ذلك يتطلب ثمناً حكومة نتنياهو غير قادره على دفعه، وهو الاعتراف بدولة فلسطين، والموافقة على فتح مسار مؤكد يفضي إلى قيامها.
أما «أرض الصومال» فهي إقليم انفصالي يقع في شمال البلاد، أي قريباً من باب المندب، لذلك دأب مقاتلو ذلك الإقليم على اعتراض طرق البواخر كما كان يفعل قراصنة البحار قبل قرون، يحد الإقليم من الشمال جيبوتي، ومن الغرب إثيوبيا ومن الشرق بحر العرب، أما من الجنوب فحدوده مع دولته الأم أي جمهورية الصومال، يسكن الإقليم 3.5 مليون نسمة حسب إحصائيات عام 2017، لكن مساحة الإقليم شاسعة نسبياً وتبلغ 177 ألف كم2، والإقليم رغم إعلانه الانفصال عن باقي دولة الصومال، وذلك منذ عام 1991، إلا أن إعلانه ذاك لم يقابل باعتراف ولا أي دولة في الأمم المتحدة، ولا حتى أي منظمة دولية لا في إفريقيا ولا في غيرها، لذلك بدا الإعلان الإسرائيلي أمراً مستغرباً بل ومستهجناً، لدرجة أنه قوبل من الرئيس ترامب نفسه بالسخرية، حين
رد على سؤال لصحيفة «ذا بوست» إن كان سيحذو حذو نتنياهو ويعترف بانفصال ذلك الإقليم، قائلاً: هل يعرف أحد حقاً ما هي أرض الصومال؟ ثم تابع: إنه لن يفعل هذا.
وبالطبع فقد قوبل الإعلان الإسرائيلي بردود فعل غاضبة، خاصة من قبل جمهورية الصومال نفسها، حيث اعتبر الرئيس حسن شيخ محمود رئيس جمهورية الصومال اعتراف نتنياهو بانفصال الإقليم الصومالي عملاً عدائياً، وعدّه انتهاكاً للقانون الدولي، كذلك كان هناك رفض مصري، واجتماع خاص لجامعة الدول العربية، والأهم اجتماع لمجلس الأمن الدولي، حيث إن سوء حظ نتنياهو تمثل في كون الصومال بالتحديد هي الرئيس الدوري الشهري للمجلس حالياً، وهذه إشارة إلى أن إعلان نتنياهو جاء في هذا التوقيت، أي عشية لقائه بالرئيس الأميركي، وتحديداً قبل ثلاثة أيام، ليكون ورقة ضمن أوراقه التي جمعها في ملفه الذي يحمله، عسى أن يساعده على صد الهجوم السياسي المتوقع أن يشنه عليه الرئيس ترامب.
أما الصحف الإسرائيلية، التي أعلنت وعلّقت على إعلان نتنياهو الاعتراف بانفصال إقليم أرض الصومال، فلم تتوقف كثيراً عند توقيت الإعلان وعلاقته بلقاء نتنياهو ترامب، لكنها أشارت بوضوح إلى الدافع والهدف الرئيس من وراء الإعلان – الاتفاق، وهو إحياء فكرة تهجير سكان قطاع غزة، حيث كان إقليم أرض الصومال مرشحاً منذ زمن ليكون وجهة لذك التهجير، ورغم أن الرد على ما كان يشاع قبل أكثر من عام، وتحديداً حين تم طرح فكرة ريفيرا الشرق الأوسط في غزة، من قبل الرئيس ترامب بعد دخوله البيت الأبيض، كان حاسماً من قبل وزير خارجية جمهورية الصومال، صاحبة السيادة الرسمية على البلاد، بما في ذلك الإقليم الانفصالي، لكن عملياً وعلى أرض الواقع، وبسبب وجود حدود بحرية وبرية لأرض الصومال مع الخارج، فإن طريق التهجير سيكون بذلك مفتوحاً، من جهة الاستقبال بالتحديد.
لكن فكرة التهجير لم تعد ضمن أجندة البيت الأبيض، الذي فضّل السير على طريق الصفقة الكبرى، الشرق أوسطية، من خلال مدخل غزة، حيث يمكن أن يكون الإعمار بوجود سكان القطاع جزءاً أو مدخلاً مرغوباً فيه من قبل الشركاء الإقليميين، لتنفيذ مشروع ترامب الاستثماري في المنطقة، وبهذا بدأ الافتراق بينه وبين نتنياهو حول مستقبل قطاع غزة، بعد أن بلغ التوافق بينهما ذروته حين طرح ترامب مقترح الريفيرا، لأنه كان يتضمن التهجير وهو هدف إسرائيلي، يسبق إقامة الريفيرا التي هي هدف استثماري أميركي.
أما التراجع الأميركي عن التوافق مع نتنياهو حول التهجير فقد كان مبعثه، الرفض الإقليمي، العربي والإسلامي، خاصة من حلفاء أميركا الشرق أوسطيين من غير إسرائيل، نقصد كلاً من مصر، وقطر وتركيا وهي الدول الراعية لمسار وقف الحرب، وهي من ضمن الدول الأساسية في تنفيذ مشروع ترامب الشرق أوسطي، حيث إن الأمر يتطلب مشاركتها في كل مراحل الانتقال من حالة الحرب إلى حالة الاستقرار ومن ثم الاستثمار، بما في ذلك تشكيل قوة الاستقرار الدولية، ولجنة التكنوقراط من الفلسطينيين المستقلين الذين سيديرون غزة، كهيئة تنفيذية موجهة من قبل مجلس السلام برئاسة ترامب نفسه.
مع ذلك لا يمكن القول إن نتنياهو يراهن على إقناع ترامب بالعودة لاعتماد فكرة التهجير مجدداً، لذلك فإن إقدامه على تعبيد الطريق بين إسرائيل وشمال الصومال، يهدف إلى تعزيز اليمين داخل إسرائيل، وقد دخلت إسرائيل في العام الأخير من ولاية الكنيست الحالي، وحيث لم تعد هناك حرب رسمياً، تبرر له أن يؤجل موعد الانتخابات، حيث لا يمكن النظر إلى تلميحات نتنياهو بتبكير موعدها كأمر جدي، فهو أولاً قد تجاوز احتمال فرط عقد الكنيست من قبل اليمين المتطرف على وقع الحرب على غزة، أو فرطه على وقع الخلاف مع الحريديم بسبب مشروع قانون التجنيد، وذلك بعد الاتفاق على مشروع الميزانية للعام 2026، لكن استطلاعات الرأي ما زالت لا تمنح اليمين الأغلبية، لذلك يحتاج نتنياهو إلى تحقيق إنجازات يمينية حاسمة، بعد أن انقطع الأمل في «تغيير الشرق الأوسط» بما يعني قيام إسرائيل كدولة إقليمية عظمى، وهنا لا بد من القول: إن كل ما حققته إسرائيل من إنجازات عسكرية لا يتجاوز الجانب التكتيكي، وإسرائيل بالتأكيد لم تخض حرباً إقليمية مدة عامين، قامرت خلالها بمكانتها الدولية، حتى تحولت لدولة منبوذة، من أجل تحقيق هدف الردع العسكري، وحتى هذا الهدف، آني ومؤقت، حيث بعد سنوات قليلة، يمكن أن تعود إيران وحلفاؤها إلى إعادة ما كان لديهم من قدرات عسكرية في كل الجبهات.
حتى الآن يمكن القول: إن كل ما حققته إسرائيل هو احتلال بعض القرى الإضافية في جنوب لبنان وبقاعه، كذلك في جبل الشيخ السوري وفي ريف القنيطرة، واحتلال أكثر من نصف مساحة قطاع غزة، تحديداً 53% وراء الخط الأصفر، ومن الواضح تماماً لنتنياهو أن مواصلة تنفيذ خطة ترامب، بالانتقال للمرحلتين الثانية ثم الثالثة، ومجرد الانتقال بين هذه المراحل يعني أن واشنطن موافقة على مضمون التنفيذ، سيجبر إسرائيل على الانسحاب إلى حدود ما قبل 7 أكتوبر، كذلك طريق ترامب الإقليمي يعني أن تطبيع علاقات إسرائيل مع كل من لبنان وسورية سيجبرها على الانسحاب لما وراء الحدود الدولية، وأن جل ما ستحصل عليه هو مناطق أمنية منزوعة السلاح، ولأن فلسطين تبقى هي الشوكة في حلق مشروع إسرائيل الكبرى، فإن الإبقاء على احتمال تهجير قطاع غزة قائماً يبقي على ائتلاف الشر الحالي قائماً، لأنه دون غزة، لن تقوم دولة فلسطينية مستقلة حقيقية، فحتى دولة فلسطينية في الضفة الغربية بلا اتصال مائي خارجي تبقى «دولة «محلية بين إسرائيل والأردن، هذا إضافة لما تملكه غزة من ثروة غازية، أغرت ترامب نفسه قبل نحو عام، ليفكر فيها كمشروع استثماري سياحي.
يبقى أن نقول: إن محاولة نتنياهو إبطاء الانتقال للمرحلة التالية يهدف إلى استمرار تعطيل مظاهر الحياة ومنع عودة الحياة الطبيعية لقطاع غزة، لدفع السكان للخروج إلى أرض الصومال، بعد أن وجدت الوجهة التي كانت معدومة، أي أن التهجير يحتاج لوجهة -هدف، ولمخرج مفتوح، وهنا تبقى الممانعة المصرية، كذلك أمور أخرى يمكن اللجوء إليها، تهدف لإغلاق أبواب أرض الصومال أمام تنفيذ أخطر جرائم حرب الإبادة، هي الرد على نتنياهو.
مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook



