رجب أبو سرية: ترامب يهاجم الجميع

رجب أبو سرية 26-9-2025: ترامب يهاجم الجميع
في خطابه في الأمم المتحدة هاجم الرئيس الأميركي الجميع بمن فيهم الرئيس السابق بايدن، وادعى أن الولايات المتحدة تعيش عصراً ذهبياً بفضل قيادته فقط، وقام باستعراض ممل أثار ردود فعل صاخبة في كل الاتجاهات، كون خطابه الذي استمر ساعة كاملة، تضمن أكاذيب لا حصر لها، وفق وسائل الإعلام الأميركية، فقد وصفت «نيويورك تايمز» الخطاب بأنه تضمن سلسلة من الادعاءات المضللة والكاذبة، وقد فندتها واحدة واحدة، وحيث إن ترامب سبق أن كان رئيساً للولايات المتحدة، ما بين عامي 2016 – 2020، فقد وثق مدققو الحقائق في صحيفة «واشنطن بوست» 30573 ادعاءً كاذباً أو مضللاً له خلال ولايته، أي بمعدل 21 ادعاءً يومياً، في حين أحصت صحيفة «تورنتو ستار» 5276 ادعاءً كاذباً ما بين كانون الثاني 2017 – حزيران 2019 بمعدل ستة ادعاءات يومية، وهكذا وصف مدققو الحقائق كذب ترامب بأنه غير مسبوق في السياسة الأميركية، وهو جزء من هويته التجارية والسياسية.
هاجم ترامب الأمم المتحدة قائلاً إنها تتمتع بقدرات هائلة، لكنها لا ترقى حتى ولو بالقليل إلى المستوى المطلوب، وادعى على غير الحقيقة أن الأمم المتحدة فشلت في إنهاء النزاعات ولم تدعم ما وصفه جهود بلاده على هذا الصعيد، ولم يشر بالطبع إلى دور بلاده في استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على فلسطين وقطاع غزة، بسبب عدد المرات التي اتخذت فيها حق النقض الفيتو، وكان آخرها قبل أسابيع قليلة، ضد مشروع قرار تقدمت به الدول العشر ذات العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، والذي صوتت له 14 دولة، وأميركا فقط كانت ضده، وأجهضته بالفيتو، وادعى أنه أنهى سبع حروب، يبدو أنها حروب سرية، لا أحد يعرف عنها شيئاً، ولم يتلقَ حتى مكالمة هاتفية من الأمم المتحدة تعرض عليه المساعدة!
وهاجم سياسة الأمم المتحدة الخاصة بالاحتباس الحراري معتبراً أن كل التوقعات الأممية بهذا الخصوص كانت خاطئة، وادعى أنه أنهى سبع حروب، وأنه اضطر للقيام بهذا بدلاً من الأمم المتحدة، وربما لأجل هذا يشعر أو يروج إلى أنه يستحق جائزة نوبل للسلام!
وهاجم أوروبا قائلاً إن أوروبا في ورطة كبيرة، بسبب الهجرة غير الشرعية حسب وصفه، مطالباً قادة أوروبا بوضع حد للهجرة، وإلا فإن دولهم ستذهب إلى الجحيم، داعياً إياهم إلى أن يحذو حذوه، وهو البارع في هذا الأمر، وطالبهم بوضع حد للحدود المفتوحة، بما يعني التخلص من فكرة الاتحاد الأوروبي، وكان أسوأ ما قاله ترامب حين أشار إلى عمدة لندن المسلم من أصول آسيوية «صادق خان»: انظر إلى لندن لديهم عمدة فظيع والمدينة تغيرت كثيراً، والآن يريدون تطبيق الشريعة
الإسلامية، ليرد عليه عمدة لندن بالقول إن ترامب عنصري، ومعادٍ للمسلمين، مع العلم أن السجال بين الرجلين ليس جديداً.
وانتقد الصين قائلاً إنها لا تحب مزارع الرياح وتفضل عليها الفحم والغاز، بينما أشارت نيويورك تايمز إلى أن الصين تمتلك أكبر قدر من مزارع الرياح والطاقة المولدة منها في العالم.
وهدد روسيا بفرض عقوبات اقتصادية صارمة بسبب الحرب مع أوكرانيا، وادعى أن أوكرانيا قادرة على الحاق الهزيمة بروسيا وأن النصر النهائي لكييف، بالعودة لحدودها السابقة – أي تحرير أراضيها، بل وصف روسيا بأنها «نمر من ورق»، ما دفع ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي، والذي سبق له أن كان رئيساً وكذلك رئيساً لوزراء روسيا، إلى الرد فوراً على ترامب ساخراً من الرئيس الأميركي المعتاد على التراجع عن تصريحاته بعد يومين، أما المتحدث باسم الكرملين فقد قال إن روسيا ليست نمراً من ورق بل دب.
ولم يوجه ترامب أي انتقاد لإسرائيل على خليفة حرب الإبادة التي تقوم بها منذ عامين ضد الشعب الفلسطيني في غزة، بدعوى الرد على 7 أكتوبر والسعي لهزيمة حماس، وفي الضفة رغم أن حماس لا تحكم الضفة، ولم يخرج منها أي مقاتل ضمن من اشتركوا في 7 أكتوبر، بل إن ترامب هذا الذي اعتبر مشاركته في الحرب على دولة ذات سيادة، ودون أي تفويض أممي، نقصد مشاركته في الحرب الإسرائيلية لمدة 12 يوماً على إيران في حزيران، عملاً سلمياً، أكثر من كل هذا نطق فيما يخص موقفه من جملة الاعترافات الدولية بدولة فلسطين، بلسان حكومة الحرب الإسرائيلية، وأدان تلك الاعترافات، قائلاً إنها مكافأة لحماس، تماماً كما يقول نتنياهو، ولم يتطرق ترامب إلى قرار إدارته المنافي لاتفاقية المقر بمنع الرئيس محمود عباس من الحضور وإلقاء كلمة فلسطين في نيويورك.
كما أنه كرر كذبه الذي يقف على حقيقته كل مراقب لتفاصيل وأحداث حرب الإبادة وما يرافقها من مفاوضات من أجل صفقة تبادل المختطفين بوقف الحرب، وقال ترامب إن حماس هي من يعرقل وقف الحرب، والغريب أنه يكذب دون أن يرف له جفن، أو كما لو أنه يخاطب «أطفالاً» في روضة أو حضانة، وليس كل العالم، فعلى الأقل إن مسار التفاوض، منذ دخل البيت الأبيض شهد ثلاث محطات مهمة بتقديرنا هي: الأولى كانت صفقة كانون الثاني، حيث شارك موفده ستيف ويتكوف في التوصل لها، وبعد تنفيذ المرحلة الأولى منها الخاصة بإطلاق عدد من المحتجزين الأحياء والأموات، مقابل إدخال مساعدات إنسانية لغزة، توقف نتنياهو عن متابعة الصفقة إلى المرحلة التالية الخاصة بمناقشة كيفية إنهاء الحرب، خشية سقوط ائتلافه، بتهديد سموتريتش وبن غفير.
والثانية كانت في 18 آب الماضي، حين وافقت حماس على مقترح ويتكوف في حزيران وهو مقترح إسرائيلي أصلاً، وينص على إطلاق نصف المحتجزين الأحياء والأموات، وفي الأسبوع الأول من 60 يوماً وقفاً لإطلاق النار، وبعد أن راهن نتنياهو على رفض حماس كون المقترح إسرائيلياً تماماً، لم يرد حتى اللحظة، بل رد «بجدعون 2»، والمحطة الثالثة هي قصف الدوحة، واستهداف وفد حماس المفاوض، وهذا دليل قاطع على أن من يريد اغتيال المفاوض، يريد وقف التفاوض، ونتنياهو وترامب لا يفكران في صفقة، بل في استسلام تفرضه القوة العسكرية أولاً، ومن ثم تهجير سكان غزة، لوضع يد ترامب التجارية على غزة، بما فيها من شاطئ سياحي ومن غاز، وضم الضفة لإسرائيل، بحيث تكون الصفقة في الحقيقة بين ترامب ونتنياهو فقط.
لا بد من الإشارة إلى أن خطاب ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبغض النظر عما احتواه من ادعاءات وأكاذيب، باتت تميز شخصية هذا الرئيس الأميركي، إلا أنه تناول موضوعات لا علاقة للعالم بها، فما شأنه هو بما في تفاصيل أوروبا والصين وروسيا، كما لو كان يقدم خطاب الاتحاد أمام الكونغرس، وهذا يدل على أنه يفكر بعقلية من يحكم العالم، ويريد من كل الدول أن تتلقى أوامره وتعليماته وتنفذها، ومشكلة هذا الخطاب رغم أنه جاء مع افتتاح الدورة الثمانين للجمعية العامة، أي قبل إلقاء العديد من رؤساء وممثلي الدول كلمات بلادهم، إلا انه جاء بعد «مؤتمر نيويورك 2» الذي عقد من أجل حل الدولتين وكان نجمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتحول إلى احتفالية عالمية بفلسطين باعتبارها ضمير العالم، كذلك يأتي قبل خطاب بنيامين نتنياهو، ولقائه ترامب يوم الإثنين القادم، أي بعد أسبوع من مؤتمر حل الدولتين.
خطاب ترامب أظهر أن العالم كله في واد، وأميركا في واد آخر، وستؤكد هذا الأمر كلمة نتنياهو التي سيلقيها اليوم، حيث يمكن القول إن خطابي الرجلين متأثران تماماً باعترافات دول الغرب بدولة فلسطين، كذلك بما تضمنته خطب العديد من رؤساء الدول في الجمعية العامة، ومنهم رئيس كولومبيا غوستافو بيترو الذي طالب بملاحقة ترامب جنائياً بسبب الغارات الأميركية في الكاريبي بحجة ملاحقة مهربي المخدرات والتي أسفرت عن مقتل 14 شخصاً، ومطالبة رئيس تشيلي غابرييل بوريك خلال كلمته أمام الجمعة العامة بأنه يود أن يرى نتنياهو ماثلاً أمام المحكمة الدولية بتهمة الإبادة الجماعية في غزة كما حدث في البلقان وروندا.
هكذا يضع ترامب ونتنياهو العالم أمام خطر اندلاع حرب عالمية، ذلك أن إصرارهما على عدم وقف حرب الإبادة أولاً، وعلى عدم الإقرار بأن مفتاح السلام هو قيام دولة فلسطين، يجبران العالم، وبالتحديد الأوروبيين على التحرك لوقف الحرب وعدم الاكتفاء بإعلان المواقف، ولعل الوقت لا يسعف ترامب في جولة أخيرة من التفاوض حول صفقة، فناقوس الخطر قد دق بإرسال إيطاليا ثم إسبانيا سفينتين حربيتين، لحماية أسطول كسر الحصار، والأيام القليلة القادمة ستشهد لحظة حاسمة، لم يعد فيها الانتظار حلاً لأحد.