أقلام وأراء

د. هاني العقاد: العالم يرد على جرائم إسرائيل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية

د. هاني العقاد 28-9-2025: العالم يرد على جرائم إسرائيل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية

الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية شكلت تحرك دولي هام ضد الاحتلال الإسرائيلي وضد حرب الابادة وجرائم الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة وضد محاولات نتنياهو تصفية القضية الفلسطينية وتغير الخارطة الجيوسياسية الفلسطينية ,وشكلت تلك الدول حالة دولية لم تكن تتوقعها إسرائيل بالرغم من قيام وزارة الخارجية الإسرائيلية بتشكل خلية عمل قبل شهور لمواجهة هذا الاحتمال الا ان كل التحركات الإسرائيلية المضادة فشلت لان إسرائيل لم توقف حربها ضد المدنيين الفلسطينيين وهي حرب ليست اعتيادية كردة فعل على احداث السابع من أكتوبر لكنها في الحقيقة تعدت هذا الموضوع كثيراً وتحولت الى حرب انكار وجود للفلسطينيين وقتلهم وسرقة أراضيهم واستيطانها وضمها وتصفية وجودهم ومحو مدنهم وجعل حياتهم مستحيلة في القطاع تهيئة لسيناريو تهجير شامل للفلسطينيين ليس من قطاع غزة فحسب بل من الضفة الغربية أيضا . عامين من الحرب البشعة على الكل الفلسطيني استخدمت فيها إسرائيل كل ما تملك من سلاح حتي السلاح المحرم دوليا واسلحة لم يكشف النقاب عنها بعد فهي أسلحة تعمل علي تبخر الجثث  ولا تبقي منها شيء , حرب راح ضحيتها  عشرات الالاف  من المدنيين الأطفال والنساء واحدثت حالة تهجير قسري لأكثر من 2 مليون مواطن ,حرب استخدمت فيها اسرائيل التجويع كسلاح ممنهج  تسبب في وقوع مجاعة في كافة المناطق الفلسطينية ومخيمات النزوح في غزة ,مات على اثرها المئات من الأطفال وكبار السن ,حرب جعلت الحياة المدنية مستحيلة في قطاع غزة , حرمت اكثر من نصف مليون طفل من الذهاب للمدارس بسبب تدمير اسرائيل مدارسهم وحرمت اكثر من  مليوني مواطن  من العلاج بعدما دمرت المستشفيات ومنعت دخول الدواء والعلاج.

قرأ العالم هذه الحرب  في البداية بشكل مكن إسرائيل من التمادي فيها عندما تصور ان اسرائيل تدافع عن نفسها وتحارب منظمات إرهابية كانت سببا في قتل المئات من الإسرائيليين لكن مع استمرار الحرب وتعديها  مستوي الدفاع عن النفس بكثير  اصبحت هذه الحرب حرب إبادة شاملة وتطهير عرقي وتهجير ما كان له الأثر الكبير في تغير موقف كثير من الدول التي ايدت الحرب في البداية وهذه الدول هي التي سابقت للاعتراف بالدولة الفلسطينية اليوم ورفعت العلم الفلسطيني فوق مؤسساتها الحكومية كشكل من اشكال دعم الصمود الفلسطيني على الأرض وكسياسة رسمية للرد على اسرائيل ومناهضة حرب الإبادة بطريقة تحدث حالة انحياز لصالح الرواية الحقيقية وطريقة دبلوماسية وحضارية يمكن ان تساهم في خلق توجه دولي شامل تجاه حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ودعم حقيقي لمبدا حل الدولتين كخيار استراتيجي وحيد من اجل وقف الحرب على غزة وحل الازمة هناك بالطرق السلمية والمفاوضات لان النار والمدافع والقتل والصواريخ والإبادة الجماعية والتطهير العرقي لا يمكن ان تحل صراعات بل تدخل المنطقة والعالم كله في حالة عدم استقرار وضياع.   

اعتراف أكثر من 157 دول حتى الان بالدولة الفلسطينية شكل ثلثي اعضاء الأمم المتحدة، كان اخرهم عشرة دول في الاجتماع السنوي ال 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة ومن على منصة الأمم المتحدة يعني ان هذا الاعتراف جاء امام العالم اجمع ومن على منصة الهيئة الدولية الأولى بالعالم والتي ترعي الامن والاستقرار الدولي  وتنشر مبادئ السلام والتسامح والمساواة بين الشعوب وترعي حقوق الأنسان وتدافع عن حقوقهم المنهوبة من قبل أي سلطات للاحتلال مهما كانت قومية او دين او عرق هذه الشعوب . فرنسا , بلجيكا , لوكسمبورغ, بريطانيا ,كندا ,استراليا ,البرتغال، مالطا، أندورا وموناكو هي   الدول التي أعلنت اعترافها بدولة فلسطين امام الجمعية العامة للأمم المتحدة وما زالت هناك 39 دول لا تعترف بفلسطين دولة منها اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية وكوريا الجنوبية وسنغافورة واليابان والكاميرون وبنما ومعظم بلدان اوقيانوسيا.  الحرب على غزة وتمادي إسرائيل في القتل والتدمير وسحق المدن وهدمها ومحوها عن الوجود كانت سببا رئيسيا لكل هذه الاعترافات فقد أحدثت حالة انقلاب دراماتيكي في المواقف ويبدوا ان المزيد من الدول في طريقها للاعتراف بالدولة الفلسطينية، فاليابان قال رئيس وزرائها انه يفكر رسميا في الاعتراف بالدولة الفلسطينية وهذا ما ينسحب على معظم الدول بالعالم.  في أمريكا نفسها هناك سبعة أعضاء ديموقراطيين من مجلس النواب الأمريكي قدموا مشروعا للكونغرس الأمريكي الشهر الماضي للاعتراف بالدولة الفلسطينية وهذا بالفعل يشير الي بداية تغيير في الموقف الأمريكي الرسمي تجاه إسرائيل بسبب الحرب على الفلسطينيين بالرغم من التأييد الجامح للرئيس ترمب والحزب الجمهوري لإسرائيل وسياستها العدائية تجاه الفلسطينيين بل وحربها ضد الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة. 

جن جنون نتنياهو من هذه الاعترافات التي انطلق قطارها ولن يتوقف، وجن حنونه أكثر عندما انسحبت وفود معظم الدول من قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل ان يلقي كلمته وظهرت ملامح الغضب والامتعاض على ملامح وجهه الشاحب وكأنه تلقي صفعة لم يكن يتوقعها من هذه الدول لأنه يعتقد انه محصن بالموقف الأمريكي الرسمي الذي لم يسعفه في هذا الموقف بالرغم من حديث وكلمة ترمب التي بدت وكان نتنياهو او مستشارية هم الذين كانوا يلقنوا ترمب عبر جهاز التلقين الذي ادعي ترمب انه اغلقه ليزعم ان حديثه من القلب الى القلب والذي شن فيه هجوم غير مسبوق على الأمم المتحدة وصور نفسه انه بديل عنها عندما انهي سبعة حروب في العالم …!. نتنياهو من قلب الأمم المتحدة بلا حياء او خشية او احترام لحرمة هذه الهيئة الأممية امر بإغلاق معبر الكرامة الفلسطينية بين الضفة الغربية والأردن ليمنع الوزراء الفلسطينيين المتواجدين بالأردن او الخارج من العودة الي الضفة الغربية وبذلك يفرض حصار سياسي واقتصادي كبير على أكثر من 3 مليون فلسطيني في الضفة الغربية، كما وتوعد نتنياهو بإجراءات غير مسبوقة لعقاب السلطة الفلسطينية  وتقليص صلاحياتها السياسية والإدارية كرد فعل على الاعترافات الجماعية بالدولة الفلسطينية حتي ان نتنياهو توعد بضم الضفة الغربية الي السيادة الاسرائيلية وخاصة مناطق (ب, ج) التي تديرها السلطة الفلسطينية بموجب برتوكولات اتفاق أوسلو. لم يدرك بعد نتنياهو ان هذا قد يزيد غضب المجتمع الدولي ضد حكومته ولن يزيل تهم ارتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية من ملفاته امام محكمة الجنايات الدولية، وهنا اعتقد انه كلما تمادي نتنياهو في استخدام القوة ضد الفلسطينيين كلما حظي الفلسطينيين بمزيد من الدعم والتأييد والاعراف بنضالهم المشروع من اجل الحرية والاستقلال. 

 إذا استمرت الحرب في غزة ودمرت مدينة غزة ونفذ نتنياهو تهديداته بحق السلطة الفلسطينية ونفذ مخططات تقويضها وحصارها ماليا واستطاع تفكيك كينونتها والمضي قدما في تدمير مدن قطاع غزة وتهجير سكانه, اعتقد ان العالم سوف يستمر في معاقبة اسرائيل بطريقته وقد يتجاوز الامر مسالة الاعترافات بأبرام اتفاقيات اقتصادية وسياسية ودعم مالي مع السلطة الفلسطينية في مقابل  فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على اسرائيل وسوف تنسحب العديد من الدول من اتفاقيات ابرمتها سابقا مع اسرائيل عندما كانت دولة تطلب السلام وتسعي اليه لتصبح  اليوم دولة معزولة تماما ومواطنيها مبغوضين من قبل الشعوب الحرة , لكنها ستبقي على علاقة ما مع ببعض الدول التي تؤيدها والتي بتنا نتوقع ان يتناقص عددها كلما ارتكبت اسرائيل جريمة جديدة بحق الشعب الفلسطيني وكلما مضت في سياسات التطهير العرقي والإبادة الجماعية . الحقيقة ان اسرائيل باتت تخسر المزيد من علاقاتها مع ما يقارب ثلثي دول العالم وتخسر أمريكا في المقابل مكانتها بالعالم العربي واوروبا واسيا وافريقيا بسبب دعم اسرائيل عسكريا واقتصاديا وسياسيا وستحتاج الي عقود لتصلح ما افسدته علاقة الانحياز التام لإسرائيل وتقديم الدعم المالي والعسكري والمشاركة في حروبها الوحشية.  

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى