د. هاني العقاد: “اسرائيل الكبري” الشرق الأوسط الجديد..!!

د. هاني العقاد 28-8-2025: “اسرائيل الكبري” الشرق الأوسط الجديد..!!
لم يستطع نتنياهو التكتم على طموحه او ان يخبئ احلامه الايدلوجية بإقامة “إسرائيل الكبرى” فهي ليست فكرة بل يعتبره استحقاق ديني توراتي يمتد عبر أراضي عدة دول عربية تشمل كل فلسطين وجنوب سوريا حتي حدود دمسق وجنوب لبنان حتي حدود الليطاني وكل شبه جزيرة سيناء حتي قناة السويس وأجزاء من العراق وكل الأردن ومنطقة تبوك بالسعودية بامتداد البحر الأحمر وبالتالي السيطرة على الممرات المائية وقناة السويس وخليج العقبة بالإضافة لامتداد حدود هذه الدولة لتصل نهري النيل في مصر والفرات في العرق وهذه ليست مجرد فكرة بل رؤية توراتيه عبر عنها نتنياهو في تصريح ادهش الجميع في المنطقة وخاصة الدول التي تقيم علاقات سلام مع دولة الاحتلال وانما لكثير من الدول المحبة للحرية والسلام وهي بالفعل تعكس ايدلوجيا صهيونية تأسست على رؤية قديمة لقادة دولة الكيان منذ ان انشا هذا الكيان . لعلها تصريحات ان دلت على شيء فأنها تدلل على وجود برنامج سياسي توسعي كبير يتبناه نتنياهو الذي يعتبر نفسه زعيما يهوديا باعث “إسرائيل الكبرى”.
هي إسرائيل التي لم تتغير ولم تطمح للعيش بسلام في المنطقة العربية بل تبحث عن ذرائع امنية وتشن حروب دامية لتقتطع من أراضي الغير مناطق تقول عنها مناطق عازلة بدعوي حفظ الامن وهي تتنكر لحقيقة واضحة يتفق عليها الجميع بان السلام الحقيقي هو الذي يوفر الامن والاستقرار للجميع دون استثناء وتعتقد انها بالقوة والنار والدمار وبالدم تصنع سلام يحقق لها توسع لتصبح دولة كبري وهذا اعتقاد ايدلوجي خاطئ بالدرجة الاولي ,وهذا الاعتقاد لا يؤمن نتنياهو ومعظم وزراء ائتلاف اليمين ,انه اعتقاد خاطئ لانهم يحلموا بان يكونوا قادة تاريخيين لإسرائيل باعتبارهم من بعث إسرائيل الجديدة. قد لا يقبل هذا التصور الكثير من المفكرين الاستراتيجيين الإسرائيليين لانهم يعتبروا ان تمدد إسرائيل وتوسعها على حساب بعض الدول العربية بالنار والدمار والدم قد يجر عليهم مصائب لا نهاية لها سيؤدي في النهاية لانحصار الدولة وتفككها وليس لتمددها . نتنياهو وسموترتش وبن غفير ومعظم اليمين المتطرف يسعون في الواقع لأنشاء هذه الدولة حتى لو خاضت إسرائيل حروبا على مدار سنوات باعتقادهم ان الوقت الحالي هو الفرصة المواتية لتنفيذ هذا المشروع لأنهم الان في نشوة ليس بعدها نشوة يعتقدوا انهم استطاعوا تفكيك المحور الإيراني واسكات كل الجبهات وتدمير غزة وسحق بنيتها المدنية وهو في الطريق لتنفيذ سيناريو لتهجير سكان غزة ومن ثم ضمها لإسرائيل وفرض السيادة على أراضيها والسماح للمستوطنين ببناء مستوطنات دائمة هناك . ,لعل موضوع الضفة الغربية أيضا يسير على قدم وساق لحسم المشهد هناك بعد إقرار الحكومة الإسرائيلية تنفيذ مخطط E1 والذي سيعيق أي تواصل جغرافي للمدن الفلسطينية مع مدينة القدس ويمنح ربط جغرافي يتيح للمستوطنين الوصول الي مدن المركز والقدس ومستوطناتهم المنتشرة بالضفة الغربية شمالا وجنوبا وهذا يعتبر في الحقيقة ضم فعلى لأراضي الفلسطينيين في مناطق C وفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على تلك المناطق ولا اعتقد ان عملية الضم هي اخر سيناريوهات التهويد بل ان المخطط أوسع من ذلك ففي جعبة الحكومة الإسرائيلية الحالية حكومة الحروب والإبادة الكثير من الأفكار العنصرية وأفكار التطهير العرقي تبني على أساس تهجير كامل سكان الضفة الغربية الي دول اخري غير الدول التي تقول عنها انها ضمن الدولة الكبرى .
اما مدينة القدس والمسجد الأقصى فان المخطط الإسرائيلي اليميني المتطرف يسير قدما في بناء الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى ولكن سيكون ذلك على مراحل وبهدوء ودون اثارة عاصفة دينية بالمنطقة، واليوم قال زعيم الصهيونية الدينية سموترتش لرئيس بلدية القدس الغربية (موشية ليون) “بانه على استعداد لدفع المال لبناء الهيكل” أي ان إسرائيل ستغير سياستيها فيما يخص الأماكن الدينية الإسلامية وحتى المسيحية منها ,ولا اعتقد ان إسرائيل سوف تزيل كل المعالم الدينية الإسلامية والمسيحية من مدينة القدس في الوقت الحالي ولا المستقبل بل ستبقي بعض الأماكن رمزيا لتعزيز الادعاء الصهيوني بان “إسرائيل الكبرى” دولة ديموقراطية تقبل بتعدد الديانات وتسمح لأصحاب الديانات الأخرى بأداء شعائرهم الدينية في مقدساتهم بالمدينة المقدسة مع الخشية انه لن يبقي هناك مسلمين ولا مسيحيين في اطار الدولة القومية الجديدة . يعتقد المينيين الإسرائيليون المتطرفون أن المسجد الأقصى أقيم على أنقاض هيكل بناه نبي الله سليمان، ويطالبون بتدمير المسجد لإعادة بناء الهيكل وازالته لكن الحكومة الإسرائيلية تخشي في هذه الآونة وكل اونه ان يفجر إزالة المسجد الأقصى حربا دينية لذلك ستنفذ ذلك بهدوء وصمت وبعيدا عن الاعلام عبر حفر أنفاق تحت المسجد الأقصى تؤدي في النهاية لانهياره وكان الامر طبيعي وليس بفعل فاعل.
ان موضوع “إسرائيل الكبرى” مرتبط بفكرة الشرق الأوسط الجديد والذي يسوق لها نتنياهو منذ بداية الحرب على غزة باعتبار ان إسرائيل اليوم من خلال هذه الحرب التي ما تزال تستمر منذ ما يقارب العامين ستغير وجه الشرق الأوسط وهي بالفعل قد تكون نجحت الى حد ما بتفكيك بعض الجبهات التي تدعمها ايران حسب زعم إسرائيل واستطاعت ان تتواجد على أجزاء كبيرة من الجنوب السوري والجنوب اللبناني وتفرض خرائط انتشار وتوسع جديد في المنطقة , عند سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 سارع نتنياهو و وزير جيشه للوقوف على احدي قمم جبل الشيخ السوري والتي احتلها الجيش الإسرائيلي مؤخرا واعلن ان بقاء إسرائيل في هذا المكان سيكون لفترة طويلة , وبعد ثلاثة شهور أي مارس 2025 عاد الي زات المكان ليقول” لقد غيرنا وجه الشرق الأوسط ” وبحسب اعتقادي فان هذا ليس مجرد حديث اعلامي بل احتفاء بما حققه نتنياهو على الجبهات في سوريا ولبنان وحتي ايران بتدمير مفاعلاتها النووية .
يوم 8 مارس (آذار)، أعلن نتنياهو، وفق صحيفة (معاريف)، أن الجيش الإسرائيلي لن يسمح لقوات النظام الجديد في سوريا بالتمركز في أي منطقة جنوب دمشق، وستحافظ إسرائيل على نفوذها هناك حتى يتم توقيع اتفاق تطبيع سوري إسرائيلي .لا اعتقد أن تموضع قوات الاحتلال في منطقة الجنوب وبقائها على بعد 15 كيلو متر من العاصمة دمشق يرمي إلى الوصول إلى اتفاق سلام ينهي حالة الحرب، وحالة الـ لا حرب ولا سلم ,بل انه جزء من مخطط للاستيلاء على منطقة استراتيجية على الحدود لضمها الي دولة الاحتلال في اطار السعي لأنشاء إسرائيل الكبرى , وقد كشفت بعض التقارير ان جيش الاحتلال سمح لمستوطنين إسرائيليين متطرفين مؤخراً بإقامة بؤر استيطانية جديدة في تلك المناطق حتي ان بعض المتدينين يزعموا ان من حقهم أداء الصلوات التلمودية في المناطق التي تخضع لسيطرة جيش الاحتلال بسوريا ولبنان. نتنياهو كان قد كشف ان إسرائيل تعمل الان مع واشنطن وبعض الشركاء الإقليميين الي جلب سوريا بقيادتها الجديدة الي (اتفاقيات ابرهام )والهدف بالطبع ليس التوصل الي السلام قائم على احترام حدود وموارد كل دولة للأخرى بل انتهاز الفرصة التي تبدو فيها سوريا في اضعف احوالها كي يضم نتنياهو اكبر قدر من الأراضي السورية لإسرائيل بدءا من الجولان الغربي وحتي منطقة السويداء في الجنوب ,وقد يكون الامر ابعد من ذلك فان الإسرائيليون يتكلمون عن (محور داوود)، والسيطرة عليه في حال انسحب الامريكان منه والذي يمتد من جنوب الجولان وحتى (التنف) ، ومن هناك إلى دير الزور والحدود مع كردستان العراق.
اما سيناء فان نتنياهو لا يخبئ قلقة الكبير من تركيز السيطرة المصرية لجيش مصر على كامل أراضي سيناء والمعروف ان إسرائيل حاولت في السنوات الأخيرة ان تمد مخلبها الأسود الي هذه المنطقة التي تعتبرها استراتيجية ولا يمكن ان تقبل تمركز وتموضع قوات مصرية في خطوط دفاعية ثلاث في سيناء ليس من اجل منع تهجير سكان غزة اليها فقط وانما من اجل نزعها من مصر باعتبارها زات بعد استراتيجي للأمن الإسرائيلي الا ان مصر تدرك الابعاد الاستراتيجية وراء محاولات إسرائيل فتح الحدود بين غزة ومصر مستغلة حالة الحرب التي تدور الان على الشعب الفلسطيني وهو في وجهة نظري ليس الا لأطماع إسرائيلية بحته في سيناء لان الخطوة التالية ستدفع اسرائيل بقوات لداخل سيناء بعد تهجير الفلسطينيين بحجة حماية أراضيها من الفلسطينيين المتواجدين في سيناء. كل هذا يجعلنا نقول ان إسرائيل قد تكون تخطط للاستغناء عن (اتفاق ابرهام) التطبيعي ولا تريد التوسع دبلوماسيا والعيش المشترك مع الشعوب العربية لان اطماعها ابعد من ذلك فأطماعها توسعية ضمن ارض إسرائيل الكبرى.
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook