د. ناصيف حتي: الأمم المتحدة في العيد الثمانين

د. ناصيف حتي 6-10-2025: الأمم المتحدة في العيد الثمانين
تكمل منظمة الأمم المتحدة رسمياً عامها الثمانين في 24 أكتوبر (تشرين الأول). سؤال يطرح باستمرار في أجواء هذه الذكرى، يتناول تحول المنظمة الدولية مع الوقت وبشكل متزايد من إطار لصنع القرار في جميع مجالات دور وصلاحيات المنظمة والعمل على تنفيذه، حسب طبيعة كل قرار، إلى منتدى للحوار أو منصة لإطلاق المواقف، ولكن دون ترجمة ذلك الحوار إلى قرارات تحمل أو تطلق سياسات فاعلة، بل يبقى أكثرها ذا طبيعة رمزية. والجدير بالذكر أن الكثير من المنظمات الدولية والإقليمية تعاني بدرجات متفاوتة من هذا «المرض» لغياب المساءلة فيما يتعلق بتنفيذ القرارات أو لعدم الاكتراث الكلي من قبل الأعضاء، إنما فقط من قبل طرف أو أطراف يهمها هذا القرار أو ذاك، فيرفع الصوت لعدم تنفيذه فيما يتجاهل ما يتعلق بقرارات أخرى.
من المفارقات المهمة أننا نعيش لحظة على الصعيد العالمي نحن في أشد الحاجة فيها إلى تعزيز التعاون الدولي المتعدد الأطراف، وبأشكال وصيغ مختلفة مستفيدين من دروس الماضي، في القرية الكونية التي نعيش فيها، وذلك لمصلحة الجميع ولو بدرجات مختلفة حسب كل قضية أو تحدٍّ مطروح. العالم يعيش اليوم في خضم جدلية الصراع والمواجهة بين عولمة جارفة حملت إلى جانب نتائج إيجابية في مجالات معينة تداعيات سلبية كبيرة، طالت دولاً ومجتمعات متعددة وبدرجات مختلفة، وأنعشت ردود فعل قام مجملها على الانغلاق والتقوقع والتطرف وانتشار «الفوبيا» وإعادة بناء الجدران في السياسات والمواقف والخطاب بشكل خاص تجاه الآخر المختلف. وأنتجت مواقف تعميمية وتبسيطية تحمل الآخر المختلف في الهوية بأشكالها المتعددة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع التي يعاني منها فرد أو جماعة.
خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الجمعية العامة للأمم المتحدة يقدم خير دليل على ما سميناه رد الفعل الشعبوي الاختزالي والمتشدد، الذي يغذي تلك السياسة الأحادية الحادة التي ينتهجها ضد جميع أشكال التعاون المتعدد الأطراف والجماعي، إنه صدام بين رؤيتين للعالم؛ واحدة تقوم على تعزيز ثقافة وآليات التعاون الدولي، وأخرى على الأحادية الحادة التي تحمل جميع المصائب والمصاعب لثقافة وسياسات التعاون الدولي، الأمر الذي لا يعني بتاتاً أن سياسات التعاون الدولي وطرحها والمؤسسات التي تنتج وتحتضن هذه السياسات ليست بحاجة إلى مراجعة نقدية للمسار والتجارب التي تشكل إرثها البعيد والقريب.
الأمين العام للأمم المتحدة أطلق في مارس (آذار) الماضي تحت عنوان «الأمم المتحدة 80» ما سماه مسارات عمل ثلاثة ضرورية للإصلاح. تتلخص فيما يلي: أولاً في تحسين الكفاءة والأداء والتخلص من البيروقراطية الضاغطة، وثانياً فيما يتعلق بتنفيذ التفويضات المعطاة من الدول الأعضاء، والتضخم الضاغط في هذا الإجمال، من الضروري مراجعة هذه التفويضات حتى تقوم الدول الأعضاء لاحقاً، وهذه مسؤوليتها، بإعادة تحديد هذه الأولويات أو دمج بعضها وذلك نحو تخفيض عددها بالطبع من خلال إعادة النظر في تنظيم المهام التي تشكلها، وإعادة توزيع هذه المهام على الأجهزة المعنية. وثالثاً إعادة النظر كلياً في إعادة هيكلة منظومة الأمم المتحدة لإعطائها مزيداً من الفاعلية ولتخفيض نفقات كبيرة لا داعي لها في وقت تعاني فيه المنظمة من أزمة مالية حادة تنعكس على قدراتها ودورها.
خلاصة الأمر أن عملية إصلاح شامل متعدد ومترابط الأبعاد تزيد من فاعلية دور المنظمة الدولية وتعطيها المصداقية المطلوبة في مهامها القائمة والقادمة. تساؤل لا بد منه في هذا الإطار وهو أن من ينتقد بقوة وشدة الأمم المتحدة ودورها ومصداقيتها ساهم بشكل أساسي في إفقادها لهذه المصداقية وذلك الدور؛ من خلال رفض أو تجاهل قرارات الأمم المتحدة وبالأخص قرارات مجلس الأمن التي لولا موافقته لما صدرت (بسبب حق النقض) وتجاهل كلياً بعد ذلك ضرورة العمل على فرض تنفيذها.
خلاصة الأمر أننا نشهد تبلور نظام عالمي جديد من حيث طبيعة وعدد أقطابه. في هذا النظام والقواعد التي ستشكل وتنظم العلاقات الدولية في إطاره تزداد الحاجة إلى تعزيز التعاون الدولي بصيغ وأشكال مختلفة بعضها بحاجة لتجديد، كما أن هنالك الحاجة لابتكار صيغ جديدة للتعاون. في العيد الثمانين «للبيت الدولي» يبقى أن تجديد هذا البيت لتعزيز دوره وفاعليته كما جاء في المقترحات/ المسارات المشار إليها سابقاً وغيرها أمر أكثر من ضروري، حتى لا تتصدع سقوف وجدران المنزل، ولا يعود قادراً على توفير الأمن والأمان لسكانه.