د. سنية الحسيني: تصاعد التوتر بين مصر وإسرائيل

د. سنية الحسيني 18-09-2025 تصاعد التوتر بين مصر وإسرائيل
جاء وصف الرئيس المصري عبّد الفتاح السيسي لإسرائيل بالعدو في قمة الدوحة قبل أيام، ليعكس تصدعاً واضحاً بين البلدين، اللذين حافظا على علاقة مقبولة، على مدار حوالي نصف قرن. في تواتر للأحداث، خصوصاً بعد حرب غزة التي بدأت قبل حوالي العامين، بدأ التوتر يشوب العلاقة المصرية الإسرائيلية. ورغم أنه كان سلاماً بارداً طوال سنواته ال٤٦، فبقيت إسرائيل الخطر الأول على مصر، ولم يقبل الشعب المصري يوماً بحالة التصالح والسلام مع إسرائيل، إلا أن العلاقات الأمنية والتجارية بين البلدين تطورت طردياً بشكل ملحوظ، بسبب الترتيبات والضغوط الأميركية في المنطقة. والسؤال المطروح اليوم، إلى أي مدى يمكن لهذه العلاقة أن تبقى مستقرة في ظل قنوات التعاون والتنسيق التي صمدت لسنوات، وما بين التوترات المتصاعدة بإطراد بين البلدين؟
بعد توقيع مصر على إتفاق سلام مع إسرائيل في كامب ديفيد في العام ١٩٧٩، حافظ البلدان على حالة من الاستقرار في العلاقة، التي تطورت بهدوء ودون أضواء، بسبب طبيعة العداء، الذي بقي حاضراً في أذهان المصريين. ساهمت الولايات المتحدة بشكل كبير بتطوير تلك العلاقة بين البلدين، فأقرت المعونة الأميركية في العام ١٩٨٠ لمصر، وهي الأكبر بعد تلك الموجهة لإسرائيل، مشترطة بقاءها باستمرار تلك العلاقة بين مصر وإسرائيل. كما تعاونت الولايات المتحدة مع مصر في المجال العسكري لبناء منظومة دفاعية تعتمد على الأنظمة والسلاح والتدريب الغربي، مع الإلتزام بالقاعدة العامة، وهي الحفاظ أو ضمان تفوق إسرائيل. وفي المجال الأمني، والتعاون بين البلدين، كانت اتفاقية كامب ديفيد، والقواعد الأمنية التي أرستها لمنطقة سيناء، موجهاً مهماً لرسم حيثيات التعاون الأمني بين البلدين في تلك المنطقة. ورغم ارتفاع مستوى التعاون في لمحاربة الإرهاب في سيناء مطلع العقد الثاني من الألفية الجديدة، بقيت العلاقة العسكرية والأمنية بين البلدين تعمل ضمن ضوابط معينة دون انفتاح واسع، فلم تتعمق لتصل لتدريبات أو مناورات مشتركة، أو تعاون مفتوح.
في العام ٢٠٠٤ أرست الولايات المتحدة إتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة، بين مصر والولايات المتحدة وإسرائيل، والتي سمحت فيها لمصر بتصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة دون رسوم جمركية، إذا التزمت مصر باحتواء تلك المنتجات على مكون إسرائيلي، فتعززت الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة والتعاون الصناعي المصري الإسرائيلي، خصوصاً في مجال المنسوجات والمنتجات الكيمياوية والبلاستيكية، ضمن تلك النافذة.
إلا أن تطور التعاون في مجال الطاقة فتح نافذة مهمة للتعاون المتبادل، وتحقيق المصالح المشتركة بين البلدين بشكل كبير. بدأ ذلك في العام ٢٠٠٨، حيث شيد خط أنابيب غاز العريش عسقلان تحت البحر، والذي يعد العامود الفقرى لنقل الغاز بين البلدين. وكانت ينقل الغاز في البداية من مصر إلى إسرائيل، إلا أن اتجاه تدفقه قد انعكس في العام ٢٠٢٠، بعد اكتشافات الغاز في حقلي تمار وليفياثان في إسرائيل. وتعاني مصر حالياً من نقص حاد في إنتاج الغاز المحلي، وارتفاع تكلفة شراء الغاز المسال، خصوصاً بعد الحرب الروسية الأوكرانية، لذلك يعد الغاز الإسرائيلي القادم عبر الأنابيب مصدراً مهماً لمصر، الذي لا يغطي حاجتها المحلية فقط، بل يسمح لها بتصدير الغاز إلى أوروبا أيضاً. إن ذلك يفسر أهمية مشروع تشييد خط أنابيب غاز نيتسانا البري اليوم بين البلدين، الذي أعلن عنه مؤخراً، والذي سيعزز حجم صادرات الغاز وأمنها. ومن هنا تبدو أهمية أو خطورة تصريحات نتنياهو الأخيرة التي هدد فيها مصر بعرقلة صفقة غاز بقيمة ٣٥ مليار دولار، مبررا ذلك بانتهاكات مصرية مزعومة تتعلق بانتشار عسكري في سيناء. ويبدو أن ذلك يأتي في إطار التوتر المصطنع الذي تحدثه إسرائيل للضغط على مصر.
بدأت ضغط إسرائيل على مصر بعد إنفجار الحرب في غزة في السابع من أكتوبر في العام ٢٠٢٣، وتصريحات إسرائيل بنيتها تهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء، وهو ما رفضته مصر بثبات، معتبرة أن ذلك التهديد يوجه مباشرة لأمنها الوطني. وخلال العام الماضي تصاعدت أزمة بين البلدين في أعقاب سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفي، بسبب اخلال إسرائيل بالإتفاق الأمني بين البلدين، فيما يخص الحدود. واعتبرت جهات مراقبة أن هناك انخفاض ملحوظ في مستوى التنسيق الأمني بين البلدين. ويبدو أن التوترات في تصاعد، فبعد الإعتداء الإسرائيلي على قطر، صدرت تهديدات بامكانية تكرار ذلك في المستقبل، ليس تجاه قطر فقط، بل تجاه كل دولة تستقبل فوق أراضيها قيادات من حركة حماس، في إشارة لمصر وتركيا، التي يمكن أن تكون الهدف القادم لاعتداءت إسرائيل.
ورغم إقرار مراكز التفكير الأميركية والإسرائيلية بتوتر العلاقة بين البلدين خلال العامين الماضيين، وتوصيتها لإسرائيل بالاحتفاظ بالعلاقة مع مصر، لأهميتها في ضمان حالة من الاستقرار في المنطقة خصوصاً لصالح إسرائيل، إلا أنه على ما يبدو أن حكومة بنيامين نتنياهو لها أهداف مختلفة. لم يخف نتنياهو خطته ضد مصر، فمقاربته لشرق أوسط جديد، تضع إسرائيل بدلاً من مصر كمركز للتواصل بين الشرق والغرب، ورؤيته لإسرائيل الكبرى تشير لنوايا تآمرية مبيته ضد الأراضي المصرية، واصراره على خرق التعهدات الحدودية في رفح، وتهجير الغزيين، يعد مؤشرا عملياً خطيراً لتلك النوايا المعلنة.
في ظل دعم أميركي غير محدود لإسرائيل، وعدم توقع مصر بوقوف أميركي إلى جانبها، في حال تصاعدت التوترات، وفي ظل تصاعد الأزمة الاقتصادية في مصر، خصوصا تلك المرتبطة بمشكلة الطاقة، حيث تستورد مصر ثلث احتياجاتها من الطاقة، بتكلفة النصف تقريباً من الغاز، إذا جاءت عبر الأنابيب من إسرائيل، تضغط إسرائيل على مصر لتمرير مخططاتها.
تتصاعد التوترات والأحداث بين البلدين بشكل ملحوظ، فرفعت مصر من حدة لهجتها ضد إسرائيل، معتبرة أي اعتداء إسرائيلي على مصر سيعتبر بمثابة إعلان حرب عليها، وباتت تصف رسمياً ما يجري من جرائم في غزة بتطهير عرقي، وجرائم ضد الإنسانية، وتصف إسرائيل بالعدو. فإلى أين تتجه الأمور، خصوصاً في ظل هذه اللحظات العصيبة، التي تواصل فيها إسرائيل مخطتها لإرغام الغزيين تحت النار والقتل والتدمير للتحرك جنوباً باتجاه الحدود المصرية الفلسطينية.