أقلام وأراء

د. حسن أبو طالب: فرصة للهدوء نعم… سلام مستدام ربما ولكن!

د. حسن أبو طالب 14-10-2025: فرصة للهدوء نعم… سلام مستدام ربما ولكن!

في إحدى الإجابات العفوية لمواطنة فلسطينية في منتصف العمر فقدت زوجَها، عائدة إلى مدينة غزة شمال القطاع، بعد تدمير أحياء كثيرة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، تجر عربة صغيرة بها بعض الأمتعة البائسة، ومعها طفلان منهكان من الجوع والسير مسافات طويلة، قالت لأحد مراسلي قناة فضائية: «عائدة إلى منزلي، أعرف أنه مُدمر، لا يهمني ذلك، سأقيم على أنقاضه، ندعو الله أن يكون هذا الهدوء مستمراً وليس مجرد هدنة لأيام معدودة نعود بعدها إلى الجحيم. لقد تعبنا كثيراً»، وكررت «تعبنا» عدة مرات. إجابة تجسد رغبة الملايين في الشرق الأوسط ككل، وفي العالم الحر غير الملوث بالسردية الإسرائيلية الكاذبة والاستعلائية.

فالأمل في هدوء يتبعه سلام، ونشاط يستعيد معنى الحياة الطبيعية في قطاع غزة وفي عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي الشرق الأوسط ككل، هو الرجاء الأكبر الذي يجتمع عليه الجميع في الإقليم، وقد يشاركه شق محدود في المجتمع الإسرائيلي، الذي يناهض هيمنة وغرور واستعلاء اليمين المتطرف المُسيطر عملياً على آليات الحكم في البلاد حتى الانتخابات المقبلة، سواء في موعدها المحدد نهاية 2026، أو احتمال انتخابات مبكرة في بداية العام المقبل، تبدو مرجحة إلى حد كبير.

هذا الرجاء أن يلي الهدوء المرهون بنجاح تبادل الأسرى من الجانبين، بوصفه مرحلة أولى من خطة ترمب ذات العشرين بنداً، تحرك جاد وموثوق نحو سلام مستدام مُعلق أساساً بحل الدولتين، يفسر الدعوة إلى قمة شرم الشيخ، بمشاركة 20 دولة، برئاسة مشتركة مصرية – أميركية. ففي اجتماع دول ذات وزن عربي وإسلامي وأوروبي ومشاركة أميركية واثقة بنفسها، وتطمح إلى فعل شيء كبير يعيد بناء التوازنات والاتجاهات الكبرى في المنطقة، انطلاقاً من غزة ثم عموم فلسطين، بدعم عربي وإسلامي غير مسبوق، يعطي قدراً من الأمل في أن يتحول هذا الطموح إلى واقع، ولكن من دون إغفال الصعوبات والتعقيدات، الواردة مواجهتها في تطبيق المراحل التالية لما بعد تبادل الأسرى.

قائمة التعقيدات المتوقعة كبيرة ومتنوعة الاتجاهات والمصادر؛ أبرزها المرحلتان: الثانية الخاصة بنزع سلاح حركة «حماس»، والثالثة بتشكيل قوة أمن دولية بمشاركة عربية، تمهيداً لتشكيل إدارة فلسطينية من كفاءات غير محسوبة على الفصائل، تحت مظلة مجلس للسلام برئاسة الرئيس ترمب. المرحلتان على هذا النحو تتطلبان مفاوضات شاقة يستعد لها الوسطاء بجدية، لتحديد التفاصيل الفنية والسياسية في آن واحد.

يُفترض أن «حماس» قبلت مبدئياً نزع سلاحها وعدم المشاركة في حكم غزة. هنا تطرح تفسيرات متناقضة، فالحركة أكدت عدم مشاركتها في حكم غزة بالمرحلة الانتقالية، ولكنها لن تسلم سلاحها، وفي تفسيرات أخرى أن السلاح المقصود هو السلاح الهجومي، وليس الشخصي، وهو ما سيتم تسليمه إلى جهة فلسطينية لاحقاً ربما تحت إشراف عربي، أو ربما لجهة عربية على سبيل الأمانة لحين تسلم السلطة الوطنية الفلسطينية حكم القطاع. المهم هنا لا توجد تفاصيل بشأن هذه التعقيدات تم تضمينها في الاتفاق المعلن. بعض تأويلات يدعي أن ثمة ملاحق تنظم هذه الأمور اتفق عليها الجميع، مع عدم إعلانها وفقاً لطلب أميركي لما قد تثيره من حساسيات للداخل الإسرائيلي بالدرجة الأولى، وبهدف تمرير الاتفاق. هو نوع من الغموض البناء المعتاد في أمور التفاوض بالقضايا المعقدة متعددة الشركاء.

التفسير الإسرائيلي المُضاد أن تسليم السلاح شرط أساسي قبل أي توجه نحو مراحل أخرى، وستكون هناك مشاركة إسرائيلية مباشرة مع القوات الأميركية المنوط بها مراقبة حالة الأمن في القطاع. وفقاً لوزير الدفاع، فقد أمر الجيش بالاستعداد لتدمير أنفاق «حماس» في غزة، ونزع سلاح الحركة، وكأنه يقول إن جيش الاحتلال بعد عامين كاملين، وسيطرة على 90 في المائة من القطاع، وتدمير 90 في المائة من بنيته التحتية، لم يستطِع أن يُدمر تلك الأنفاق التي يدور حولها كثير من الأساطير، ما يعني الإقرار بفشل جيش الاحتلال طوال عامين، فكيف له أن يقوم بعمليات في ظل وقف إطلاق نار تراقبه الولايات المتحدة من كثب؟

هنا نلاحظ إثارة سياسية مقصودة لأسباب داخلية إسرائيلية، ومع ترجيح أن يكون هناك موقف يُقصد به ذريعة للتنصل من مراحل الاتفاق الأخرى، غالباً لن يسمح به الرئيس ترمب. الأمر الذي يجعل قمة شرم الشيخ شرطاً ضرورياً؛ ليس فقط لحشد الدعم الدولي للخطة ككل، بل لمحاصرة تلك المناورات السياسية التي تتناقض كلياً مع خطة الرئيس ترمب. أما ما يتعلق بتشكيل قوة سلام دولية، فالأرجح أن يُطرح اقتراح مصري أممي لمّح إليه الرئيس السيسي؛ أن تكون تلك القوة تحت مظلة الأمم المتحدة، مع تحديد المهام والمدى الزمني والتمويل المتاح وقواعد الاشتباك، وكيفية التنسيق مع الدور العسكري الأميركي الخاص بمراقبة وقف إطلاق النار، وذلك وفق قرار من مجلس الأمن يتبنى الخطة، ويجعلها مرجعية دولية بامتياز.

هذه التعقيدات مجرد عينة، لا تمثل مفاجأة لمن يراقبون ويتابعون المراوغات الإسرائيلية المعتادة، بيد أن الثقل الأميركي يجعل منها مجرد ألاعيب صغيرة.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى