أقلام وأراء

د. إبراهيم نوار: السياسة الفلسطينية من منطق «الثورة» إلى منطق «الدولة» ماذا يعني ذلك؟

د. إبراهيم نوار 1-10-2025: السياسة الفلسطينية من منطق «الثورة» إلى منطق «الدولة» ماذا يعني ذلك؟

عندما تجتمع على الاعتراف بالدولة الفلسطينية 158 دولة من دول العالم حتى الآن، منها أربع من الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن صاحبة «حق الفيتو»، وأكثر من نصف دول حلف الأطلنطي، ومثل هذه النسبة من دول الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى ومجموعة الدول العشرين؛ فإن هذا الاعتراف يمثل رصيدا سياسيا غير مسبوق لمصلحة الحق الفلسطيني في دولة مستقلة ذات سيادة. هذا الرصيد وإن كان يعكس انتصارا سياسيا، إلا إنه في الوقت نفسه يرتب مسؤوليات دبلوماسية وسياسية على السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمات مقاومة الاحتلال الإسرائيلي كافة، سواء في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، أو قطاع غزة.

هذه المسؤوليات يجب أن تتجه جميعها في اتجاه واحد لتعظيم لحظة الانتصار، لا أن تتشتت أو تتوه وسط معارك جانبية أنانية وتافهة. المسؤولية الأساسية الآن هي استثمار التأييد الدولي غير المسبوق في تحويل الصمود العسكري إلى نصر سياسي، بتأكيد الحق الفلسطيني في العيش بأمان داخل دولة مستقلة ذات سيادة تعيش في سلام مع نفسها ومع جيرانها ومع العالم. وفي هذا السياق فإننا نحذر من أن أي اتجاه سلبي في التعامل مع نتائج ما سميته «دورة الدولة الفلسطينية» – الدورة 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، يمكن أن يؤدي الى تقزيم المكاسب التي تحققت بدلا من تعظيمها، وتضييع فرصة تاريخية صنعها نضال الشعب الفلسطيني، مقابل تفضيل البعض تسوية حسابات سياسية أو عقائدية، أو من باب المزايدة المتواطئة مع العدو الصهيوني. هذا هو الوقت الذي يجب أن تتجلى فيه وحدة الإرادة الفلسطينية على أحسن ما يكون.

أربع من الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي التي تملك كل واحدة منها حق الفيتو: هي روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا، بنسبة 80 في المئة.

أربع من مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، هي بريطانيا وفرنسا واستراليا وكندا بنسبة 57 في المئة. 15 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي (27 دولة) بنسبة 55 في المئة من الدول الأعضاء، هي بلغاريا وقبرص وجمهورية التشيك والمجر ومالطا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا والسويد واستونيا وسلوفينيا وفرنسا وإسبانيا وأيرلندا والبرتغال. كما تؤكد الدنمارك تأييدها أيضا ولكن بشكل غير رسمى حتى تحقيق عدد من الشروط المسبقة التي تدعو لها أهمها إبعاد حماس. 17 من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلنطي هي ألبانيا وبلغاريا والتشيك وإستونيا والمجر وأيسلندا ولاتفيا وليتوانيا ومالطا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وإسبانيا والبرتغال وبريطانيا وفرنسا بنسبة 53 في المئة من الدول الأعضاء في الحلف.

14 من الدول الأعضاء في مجموعة الـ20 التي تمثل مجلس الإدارة الأوسع نطاقا للعالم كله، هي الأرجنتين والبرازيل والصين والهند وإندونيسيا والمكسيك وروسيا والسعودية وجنوب افريقيا وتركيا وبريطانيا وفرنسا وكندا واستراليا، بنسبة 70 في المئة. ويترتب على انتقال الدبلوماسية الفلسطينية من «الثورة» إلى «الدولة» رفع العلم الفلسطيني رسميا في عواصم تلك الدول على سفارات الدولة الفلسطينية، التي تصبح مهمتها ممارسة الدبلوماسية الرسمية والشعبية في آن واحد، من أجل إقناع العالم بالمساعدة على توفير الشروط الأولية لإقامة الدولة، التي تبدأ من وقف الحرب، ووقف الاستيطان، ووقف التهجير، وإتاحة الحياة اليومية الطبيعية للفلسطينيين في الأرض المحتلة منذ عام 1967 وفضح كل ما يخالف ذلك يوميا في إطار تفاعل رسمي مع الحكومات، وتفاعل شعبي مع الهيئات المدنية.

ويحتاج تعظيم القيمة السياسية للحظة الراهنة إلى خطة عملية تتشابك فيها مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وتنظيمات المقاومة وشبكات المؤسسات المدنية الفلسطينية والعربية والعالمية، التي تشارك في الدفاع عن الحق الفلسطيني. هذه الخطة العملية تكون بمثابة الجسر الواصل بين نتائج اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعملية خلق حقائق جديدة على الأرض تساعد على تحويل النصر الدبلوماسي إلى مكاسب عملية على الأرض، سواء في تعميق عزلة إسرائيل العالمية سياسيا واقتصاديا، أو تقديم العون للشعب الفلسطيني من أجل تطوير شروط بقائه على الأرض الفلسطينية، وإسقاط مخططات التهجير والاستيطان. ويتطلب تعميق عزلة إسرائيل إعادة صياغة الخطاب السياسي والإعلامي الفلسطيني بطريقة سليمة، على الشكل والمضمون الذي يساعد على تنظيم ضغوط دولية مستمرة لحصار السياسة الإسرائيلية وتقليل فرص فوز ائتلاف الصهيونية الدينية المتطرفة بقيادة نتنياهو في الانتخابات العامة المقبلة في إسرائيل. إن نتنياهو عقبة في طريق السلام، وخطر يهدد الاستقرار في الشرق الاوسط والعالم.

لا تساهل مع التهجير والاستيطان

ولا يعني الانتقال من منطق «الثورة» إلى منطق «الدولة» في السياسة الفلسطينية التخلي عن الثوابت الأساسية، التي تحدد قسمات مصالح الشعب الفلسطيني. هذا يرتب ضرورة تركيز المجهود السياسي الرئيسي على هدف إنهاء الحرب كخطوة عاجلة، وهدف إقامة الدولة الفلسطينية كهدف استراتيجي. ونشير هنا إلى ثلاثة اعتبارات جوهرية تضمن تركيز المجهود السياسي الرئيسي في الاتجاه الصحيح:

الاعتبار الأول يتعلق بـ»ما يجب المحافظة عليه وتطويره»، وأهم ما فيه هو المحافظة على التناغم الدقيق مع الخطاب السياسي العالمي المؤيد للحق الفلسطيني والعمل على الاستمرار في تطويره، باعتباره رصيدا ثمينا يعزز قوة الحق الفلسطيني منذ أكتوبر 2023 حتى الآن. الاعتبار الثاني يتعلق بـ»ما لا يجوز إغفاله من واجبات مستحقة»، وفي مقدمة ذلك واجب إعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل. هذا يتطلب أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية وليس السلطة، هي المظلة التي تصطف تحتها تنظيمات وقوى الكفاح السياسي الفلسطيني كافة، في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع توفير أسس التعددية والتنوع وحرية الحوار الداخلي كافة. وفي هذا السياق فإن حركة المقاومة الإسلامية حماس تظل قوة من قوى الكفاح الوطني الفلسطيني كتنظيم سياسي، مع قبول سياسة وطنية فلسطينية بشأن الموقف من حيازة السلاح، بما يحقق مبدأ «حصر السلاح بيد الدولة» عندما تتوفر لهذه الدولة مقوماتها بنهاية الحرب والاحتلال والحصار. الاعتبار الثالث، يتعلق بـ»ما لا يجوز التساهل فيه»، ويتمثل في مواجهة سياسة التهجير والاستيطان داخليا وخارجيا، ماديا ودبلوماسيا، لأن التهجير ينتزع الشعب من الأرض، بينما الاستيطان ينتزع الأرض من الشعب. ومن ثم فإن مقاومة التهجير والاستيطان هي ما لا يجوز التساهل فيه بتقديم تنازلات مجانية مبكرة لحكومة نتنياهو، قبل موافقة إسرائيل رسميا على إعلان سياسي يقضي بوقف الحرب، والانسحاب من قطاع غزة والمنطقة (ج) في الضفة الغربية، وإعادة الحياة إلى طبيعتها في غزة تحت إدارة فلسطينية مؤقتة، والبدء في جهود إعادة بناء القطاع. ويجب أن يصدر هذا الإعلان عن الكنيست في صورة قانون، وأن يكون مضمونا بواسطة الولايات المتحدة الراعي الدولي للإرهاب الإسرائيلي.

إن تركيز المجهود السياسي الرئيسي للقيادات الفلسطينية على هدف إنهاء الحرب كهدف عاجل، وهدف إقامة الدولة كهدف استراتيجي ليس مهمة سهلة وإنما يواجه الكثير من التحديات، أخطرها التحدي الداخلي الفلسطيني، وهو ما يحتاج الى جهد كبير لإعادة صياغة الاستراتيجية الفلسطينية، على ضوء نتائج دورة «الدولة الفلسطينية» في الأمم المتحدة التي تجسد الانتصار السياسي لصمود الشعب الفلسطيني. وقد حان وقت الدعوة إلى مؤتمر وطني فلسطيني جامع يضم مكونات الشعب الفلسطيني ويعكس تعددها وتنوعها؛ لوضع الخطوط العريضة لهذه الاستراتيجية، ويعيد تقديم القضية الفلسطينية للعالم بعين فلسطينية، ترى الأمور بعين المسؤولية والواقع.

ويجب إعادة الاعتبار إلى دور منظمة التحرير الفلسطينية، في إطار المتغيرات الجديدة، وأن يكون المؤتمر الفلسطيني الجامع الذي ندعو إليه، وتفرض ضرورة انعقاده المتغيرات الجديدة، منصة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، حتى لا تكون الانقسامات هي الماء العكر الذي تصطاد فيه اسرائيل، على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولا تكون محركا رئيسيا لتشتيت المجهود السياسي الفلسطيني. ولتعلم القيادات الفلسطينية أن الطريق إلى الدولة لا يزال طويلا ومليئا بالأشواك. وتذكروا أن تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 242 استغرق حوالي 15 عاما في الحالة المصرية، ولم يطبق حتى الآن بالنسبة للأرض الفلسطينية المحتلة، واحذروا الوقوع في شرك التعديلات اللفظية في صياغة الوثائق، ومن أخطرها ما يطرحه ترامب حاليا من أن «الأرض يحكمها من يسكنها»! وهو مبدأ ينهي في الأجل المنظور فكرة إقامة دولة فلسطينية، ويضع كل نتائج دورة «الدولة الفلسطينية» الأممية – الدورة 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة على الرف.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى