د. أنور محمود زناتي: جاكوب كوهين عدو عدوي صديقي

د. أنور محمود زناتي 22-09-2025 جاكوب كوهين عدو عدوي صديقي
جاكوب كوهين هو كاتب ومفكر يهودي فرنسي من أصل مغربي معروف بانتقاده الشديد للصهيونية، وأصبح من أبرز المعارضين للصهيونية في العالم اليهودي. يُعتبر كوهين من أبرز المفكرين اليهود الذين انتقدوا الحركة الصهيونية من داخل المجتمع اليهودي نفسه، حيث يعبر عن آرائه بشكل صريح من خلال كتبه ومحاضراته.
في كتابه الشهير “الصهيونية ضد اليهود”، يعرض جاكوب كوهين فكرة أن الصهيونية ويعتبرها حركة استغلالية وليست حركة تمثل جميع اليهود، بل هي حركة سياسية تعكس مصالح مجموعة صغيرة من اليهود الذين يسعون لتحقيق أهداف سياسية واستعمارية على حساب الفلسطينيين والشعوب الأخرى. ويرى كوهين أن الصهيونية تستغل الهوية اليهودية لتحقيق مكاسب سياسية، مما يضر بمصالح اليهود أنفسهم.
كما يشير كوهين إلى أن الحركة الصهيونية استخدمت الهوية اليهودية كأداة لتبرير سياساتها الاستعمارية في فلسطين، وأنها تتناقض مع القيم الإنسانية واليهودية التي تدعو إلى العدل والسلام. بالإضافة إلى ذلك، يعبر عن قلقه من أن العديد من اليهود الذين لا يتفقون مع الصهيونية يتم تهميشهم ويتعرضوا للمضايقات من قبل مؤيدي الصهيونية.
ويرى أن الحركة الصهيونية تستغل تاريخ اليهود والمعاناة التي مروا بها في الماضي لتبرير التصرفات العدوانية تجاه الفلسطينيين
كما يلفت كوهين الانتباه إلى أن الصهيونية تروج لفكرة أن جميع اليهود يدعمون بشكل غير مشروط دولة إسرائيل، بينما في الواقع يوجد العديد من اليهود الذين يعارضون هذه السياسات ولا يتفقون مع تبني الحركة الصهيونية.
كما شكك كوهين في “أسطورة الديمقراطية الإسرائيلية“، مسلطًا الضوء على جوانب العنصرية في النظام الصهيوني والممارسات اللاإنسانية المرتكبة ضد الفلسطينيين ويعد كوهين نفسه عدو لدود للاحتلال الإسرائيلي وهو مع المناهضين للاحتلال ويعتبرهم أصدقاء لفكره وآراؤه.
يعكس عمل كوهين تحولًا في الفكر السياسي داخل المجتمع اليهودي، حيث يبرز الأصوات المعارضة للصهيونية في وقت تزايدت فيه الدعاوى المؤيدة لها في الساحة الدولية.
الصهيونية مشروع استعمار في فلسطين
يرى كوهين أن الصهيونية كانت وما تزال مشروعًا استعمارياً، يحاول السيطرة على الأراضي الفلسطينية من خلال الاحتلال، والاستفادة من الدعم الدولي في هذا السياق. ويرى أن الحركة الصهيونية تستخدم مأساة اليهود في أوروبا خلال الهولوكوست كأداة لتبرير أفعالها الاستعمارية.ومن وجهة نظره، كان لليهود تاريخ طويل في الشتات، ولم تكن الحاجة لإنشاء دولة يهودية في فلسطين مبررة إلا لأسباب سياسية، وليست لأسباب دينية أو إنسانية.
الهيمنة على السياسة الدولية باسم اليهود
يعتقد كوهين أن الصهيونية استغلت الهوية اليهودية لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية على المستوى الدولي. في هذا السياق، يرى أن العديد من الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، دعمت إسرائيل بشكل غير مشروط استنادًا إلى مصالح سياسية واقتصادية تتعلق بالصهيونية.
رفض الهيمنة السياسية الإسرائيلية
يعارض كوهين السياسات التي تتبعها إسرائيل تجاه الفلسطينيين، ويعتبرها سياسة غير عادلة وظالمة. فهو يدين الانتهاكات المتواصلة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مثل الاستيطان، الحصار، والهجمات العسكرية ضد المدنيين. ويصف التصرفات الإسرائيلية بأنها تتناقض مع القيم الإنسانية التي كان من المفترض أن يدافع عنها اليهود، حيث أنه يعتقد أن اليهود يجب أن يكونوا في صفوف السلام والعدالة.
التأكيد على أهمية الفكر اليهودي المنفتح
يدافع كوهين عن فكرة أن الفكر اليهودي التقليدي لا يدعو إلى الصراع، بل يشجع على التسامح والعدالة. فهو يرى أن اليهود الذين يؤمنون بالصهيونية قد حادوا عن المبادئ الأساسية التي يؤمن بها اليهود، مثل السعي للسلام والعدالة. كما يروج لفكرة أن اليهود في جميع أنحاء العالم يمكن أن يعارضوا بشكل علني الصهيونية دون أن يتعرضوا للمضايقة أو الاتهام بالخيانة.
انتقاده للسياسة الأمريكية تجاه إسرائيل
يرى كوهين أن الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل هو جزء من المشروع الصهيوني العالمي الذي يعزز مصالح الدول الغربية على حساب الفلسطينيين والعالم العربي. ويؤكد على أن هذه السياسة لا تعكس بالضرورة مصلحة الشعب اليهودي بل تخدم أجندات سياسية واقتصادية معينة في الغرب.
اللوبي العربي هو الحل:
يرى كوهين أن الحل الأمثل لمواجهة خطر الصهيونية هو تشكيل لوبي عربي موحد ويذكر أن اللوبي الصهيوني في فرنسا على سبيل المثال يخشى من العرب والمسلمين في حال اندماجهم أن يصبح لهم نفوذ قوي وتأثير فعال في السياسة والاقتصاد والإعلام لأن هذا لا يخدم قطعا مصالحهم ومصالح إسرائيل. إذا ظهرت نخب فرنسية من أصول عربية وإسلامية تدافع عن نفسها وعن قضاياها فهذا فيه تهديد لإسرائيل أيضا.
ويؤكد أن الصهاينة في فرنسا يصدرون شخصيات إسلامية بعيدة كل البعد عن الإسلام وبعض هذه الشخصيات التي تمثل المسلمين في فرنسا هي صناعة صهيونية من أجل خدمة مصالحها وللترويج على أن مسلمي فرنسا لا يستحقون أي احترام وتقدير. ويتم فرضهم في وسائل الإعلام الفرنسية، ليصبحوا إهانة كبيرة لكل مسلمي وعرب فرنسا، لأن أغلبهم لا يتقنون الحديث باللغة الفرنسية. ولا يمثلون إلا أنفسهم، ولكن يتم فرضه رغم استهجان المسلمين لهم ورغم وجود نخب مكونة على أعلى مستوى من المسلمين لأنه ببساطة اللوبي الصهيوني يريد أشخاصا غير محبوبين والصهاينة لا يريدون للمسلمين المعتدلين أن يتبوأوا مناصب مهمة تمكنهم من اتخاذ قرارات لصالحهم أو التأثير على سياسات الدولة الفرنسية التي تميل دائما لإسرائيل.
الدعوة لحل عادل للقضية الفلسطينية
يدعو كوهين إلى إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، يضمن حقوق الفلسطينيين في أرضهم ويعترف بحقوقهم الإنسانية. ويرى أن الصهيونية هي جزء من المشكلة وليست الحل، ويعتقد أن السلام لن يتحقق إلا إذا تم إنهاء الاحتلال والاعتراف بحقوق الفلسطينيين.
إن جاكوب كوهين من المفكرين اليهود الذين يرون أن الصهيونية ليست تمثيلًا حقيقيًا لليهود ككل، بل هي حركة سياسية تهدف لتحقيق مصالح استعمارية وتضر بمصالح اليهود والفلسطينيين على حد سواء. ومواقفه تتراوح بين انتقاد السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين وبين الدعوة إلى إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام العادل.