أقلام وأراء

حسين أبو الهيجاء: الإحلال والإبدال دور وظيفي (2)

حسين أبو الهيجاء 25-2-2025: الإحلال والإبدال دور وظيفي (2)

حسين أبو الهيجاء: الإحلال والإبدال دور وظيفي (1)

الصراع على الثروة

عندما استهدفت اتفاقية سايكس بيكو عام 16 / 1917 (خرائط مناطق النفوذ)، قبل ان يقوم مؤتمر سان ريمو 1920 برسم خرائط الحدود وفقاً لها، كانت تستهدف فقط منطقة الشرق الاوسط، وعلى وجه الخصوص (بلاد الرافدين وبلاد الشام)، ذلك لأنها تعتبر (مجمع الثروة، وديكتاتور جغرافية المضائق والممرات الملاحية)، ما يعني أنها منطقة الهيمنة الدولية..

و لأن تنمية وازدهار الدول يقوم على اساس الثروة، وعلى سلاسل الإمداد وطرق التجارة الدولية، و لأن السباق الدولي على النمو الاقتصادي وقوة النفوذ سيبقى قائماً، باعتباره صراعاً على الوجود و السيادة و الاستقلال، فإن صراع النفوذ على أرض الثروة والطرق الملاحية (منطقة الهيمنة) سيبقى قائماً، بعيداً عن أي اعتبارات اخرى، إذ لا قيمة لمصطلحات وهمية، مثل الديمقراطية، و حقوق الانسان، والإبادة والتطهير العرقي، والنقل القسري للسكان الأصليين، والاستيطان، والاستعمار، والخ..، اذ أن الثابت الوحيد في الأمر كله، هو المصلحة، والمصلحة فقط .

* وكلاء النفوذ.

منطقة الثروة والممرات (بلاد الرافضين وبلاد الشام)، تقع تحت ضغط وتصادم 3 قوى إقليمية متصارعة عليها، ونرى تلك القوى تتقاطع في مناطق، وتتصادم في اخرى، وتتحالف في غيرها..

لذلك، نرى مشاهداً تبدو اشبه بالكوميديا الساخرة أحياناً، والتي قد تبدو عصية على الإدراك في بعض الصراعات، فمثلاً، نرى مليشيا اخوانية في سوريا (هيئة تحرير الشام) تقاتل مليشيا ايرانية (تحالف محور المقاومة)، بدعم إسرائيلي غربي، على أرض سوريا، في الوقت الذي نرى فيه مليشيا إخوانية أيضاً، تقاتل الاحتلال الإسرائيلي، بدعم وإسناد من مليشيات إيرانية (محور المقاومة) على أرض فلسطين، ببنما نرى مليشيات إخوانية أيضاً، تحت قيادة غير إخوانية، تقاتل جيش إخواني تحت قيادة إخوانية في السودان!!

وهذا يعني أن تلك المليشيا، يديرها مايسترو واحد، بحيث تُنفذ تلك المليشيا في كل منطقة على حِدة، ما يريده المايسترو من تلك المنطقة..

فمثلاً:

  • مطلوب تفريغ الضفة والقطاع من الفلسطينيين، وتوطينهم في أماكن خارج وطنهم الأصلي لتوسع دولة الكيان، فتقوم تلك المليشيا بالاشتباك مع الاحتلال بمعركة محسومة النتائج مسبقاً، لمنح الاحتلال فرصة ومبرر تمرير المخطط!!
  • بينما مطلوب في سوريا إزالة النظام وتنصيب (يلتسين سوري) جديد، يساعد على تفكيك الدولة، وإعادة هندسة مناطق النفوذ فيها، تمهيداً لرسم خرائط جديدة، واستقبال وتوطين وتجنيس لاجئين جُدد (سيتم تهجيرهم من أوطانهم الأصلية)! / تهيئة الأرضية!!
  • في حين المطلوب تقسيم السودان إلى دويلات وفق خرائط برنارد لويس (تقسيم الدول إلى أمم) !، {إذن، تنفيذ المخطط في كل دولة بما يتكامل مع المخطط العام}

وهذا يعني بالمطلق، أن تلك المليشيات هي مجرد وكيل لوكلاء إقليميين أكبر، إذ تجد في كل تلك الصراعات، أصابع إسرائيلية وتركية وإيرانية حاضرة بقوة، ما يعني أن المنطقة تتعرض لضغوط 3 قوى إقليمية هي وكيل للقوى الأصيلة، تتمثل في:

– المشروع الصهيوني (إسرائيل الكبرى)

– المشروع التركي (العثمانية الأردوغانية الجديدة) ،

– و المشروع الصفوي الإيراني (إمبراطورية فارس).!

وهذه القوى الثلاث ذات المشاريع الثلاث في منطقة الثروة والهيمنة، لا تعدو عن كونها وكلاء للقوى الاصيلة المتصارعة من خلالها على منطقة الهيمنة، فإسرائيل هي وكيل أمريكي بامتياز، وتركيا وكيل أوروبي أمريكي بامتياز، وإيران وكيل روسي صيني بامتياز!

ومن هنا.. يبدأ توزيع مناطق النفوذ، والهيمنة، وتقاسم الثروة!

* خرائط النفوذ أولاً.

وكما سايكس بيكو وسان ريمو في القرن الماضي، هو أيضاً ذات المنهج التقليدي للغرب للآن، إذ تفرض أولاً خرائط النفوذ كأمر واقع، ثم تتحول تلك الخرائط إلى خرائط حدود، بعد استقرار النفوذ ورسوخ الأمر الواقع، وبذلك تنشأ دويلات جديدة، وتتغير حدود بعض الدول، وقد تختفي بعضها من الخريطة…!

وفي سياق هذا الأمر، نرى من [نتائج مخطط 7 اكتوبر]، أو ما أضفوا عليه مصطلح (طوفان الأقصى) الكارثي، وخلعوا عليه رداءً إسلامياً لتمرير الخديعة، فان الاحتلال الإسرائيلي حقق فيما حقق من نتائج لصالح المخطط العام ما يلي:

  • أزال الخريطة السكانية لقطاع غزة من الوجود، تمهيداً لتغيير الخريطة الديموغرافية (التهجير والتوطين)، وبَدَأ افتتاح وعرض الفصل الثاني من نتائج الطوفان في الضفة الغربية لذات الهدف!
  • ومن نتائج 7 اكتوبر أيضاً، إخراج إيران ومليشياتها من المزاحمة في المنطقة، وتبديل سوريا العربية، وتدمير جيشها الذي كان يقف حائط صدّ على مرتفعات الجولان، بدويلات مذهبية وقومية وعرقية!
  • أنّ الاحتلال توغّل في الجنوب اللبناني، وشرَع بإقامة قواعد عسكرية ونُظم لوجستية، تشير إلى ديمومة بقائه في الاراضي التي سيطر عليها الى ما شاء الله!
  • كما استكمل احتلال باقي الجولان السوري و جبل الشيخ ، و لا يزال يتمدد في الجنوب السوري على مشارف درعا و ريف دمشق ، و أقام 9 قواعد عسكرية ، بما يشير إلى ديمومة احتلاله للجنوب السوري ، بل و طلب رئيس وزراء الاحتلال بيبي نتنياهو من الجيش السوري الجديد ، عدم التواجد جنوب دمشق نهائياً ، و ذهب إلى أبعد من ذلك عندما أعلن أنه سيدافع عن دروز سوريا ، الذين أسسوا قوات قتالية في مواجهة الجيش السوري ، في حين طالب بعض شيوخ الدروز علناً ( بالانضمام الى دولة اسرائيل ) ، / النفوذ توطئة للحدود ، اي ( اعلان دولة الدروز ) !
  • وهو ذات الامر مع الاكراد في الشمال الشرقي ” وكلاء امريكا ” الذين يسيطرون على الثروة النفطية كنفوذ طاقة لصالح الامريكان، توطئة لدويلة كردية، وهو ذات الحال في الغرب السوري على سواحل طرطوس واللاذقية والمناطق الذات الأكثرية العلوية كمناطق نفوذ روسي، توطئة لدويلة علوية،
  • بينما الوجود والنفوذ التركي في الشمال السوري، فهو قائم منذ عام 2011 .
  • فيما يبقى المركز السوري في الوسط، هو ما تبقى من الدولة السورية السنية..

هذا ما تم تمريره تحت عنوان ( طوفان الاقصى ) في السابع من اكتوبر من عام 2023 ، و الذي قدّم الهدية الاولى لدولة الاحتلال ، و التي تمثلت بطوق نجاة من (الحرب الأهلية ) ، التي بدأت تتسع داخل الكيان ، بين تجمع اليمين الديني المتطرف و بين القوميين اليهود المتشددين ، على أرضية التعديلات القضائية التي حاول فرضها رئيس الحكومة ، حيث تحولت صِداماتهم البينية ( بفضل 7 اكتوبر ) ، و التي وصلت إلى استخدام السلاح و وقوع عشرات الإصابات ، إلى وحدة المتدينين مع القوميين ، و أحزاب الموالاة مع أحزاب المعارضة ، ضد ( الارهاب الفلسطيني ) ، و تحولت اعتصاماتهم من المطالبة بإسقاط حكومة نتنياهو و محاكمته ، إلى اعتصامات سلمية تطالب بصفقة للافراج عن الرهائن المدنيين المحتجزين في غزة..!

سرديتنا تلك حول سوريا، مجرد نموذج لباقي دول الثروة والهيمنة (بلاد الشام وبلاد الرافدين)، والدائرة تتسع حتى شمال وشرق افريقيا، وفق خرائط برنارد لويس..

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى