منوعات

بشار مرشد: المؤسسات المرآة الحقيقية للدولة

بشار مرشد 19-10-2025: المؤسسات المرآة الحقيقية للدولة

مقدمة: المؤسسة كمرآة

المؤسسات ليست مجرد مبانٍ أو موظفين، بل هي مرآة تعكس روح الدولة وعلاقتها الحقيقية بمواطنيها.

عند دخولك مكتبًا حكوميًا، أو مراجعتك لمستشفى، أو طلبك وثيقة من دائرة رسمية، ترى أمامك الصورة الحقيقية للنظام: هل هو عادل ويخدم الناس بكرامة، أم أنه بيروقراطية تثقل كاهل المواطنين وتزرع شعورًا بالذل والتبعية؟

كل إجراء يتأخر، كل ختم مطاطي يُستخدم تعسفًا، وكل واسطة تُمنح خارج القانون، يترك أثرًا مباشرًا وعميقًا على ثقة المواطن بالدولة.

الرشوة والوساطات: التشوه الخفي للعدالة

حين تنتشر الرشوة، تتحول المؤسسات إلى مرآة مشوهة. يصبح المواطن العادي ينتظر طويلاً في الصفوف، بينما يتجاوز الأقوياء والمتنفذون الجميع بسهولة.

هنا، يتحول القانون إلى مجرد حبر على ورق، وتصبح الحقوق ليست ثابتة للجميع، بل حكرًا على من يملك المال أو النفوذ.

الرشوة في هذا السياق ليست مجرد تبادل للمال، بل هي رمز للسلطة القائمة على التبعية والمحسوبية، وتُظهر للمواطن أن العدالة اختيارية وليست حقًا ثابتًا.

الفساد الداخلي: الولاء بدلاً من الكفاءة

المشكلة لا تتوقف عند علاقة المؤسسة بالمواطن فحسب، بل تمتد إلى قلبها الداخلي. لقد أصبحت الترقيات والتوظيفات تعتمد بشكل متزايد على:

المال والولاء بدلاً من الكفاءة والخبرة.

تهميش الموظف النزيه، في حين يصبح الوسيط أو صاحب النفوذ هو المعيار الفعلي للنجاح.

النتيجة هي مؤسسات عاجزة عن أداء مهامها بكفاءة، وبيئة عمل مُشوهة تغذي الفساد بدورها، لتخلق بذلك حلقة مفرغة لا نهاية لها من التدهور الإداري.

تنوع أشكال الرشوة: من النقد إلى النفوذ

الرشوة ليست دائمًا نقدًا مباشرًا. غالبًا ما تأخذ أشكالًا رمزية تبدو “لطيفة” أو مقبولة اجتماعيًا، مثل:

1. الهدايا: كالعطور، الملابس الثمينة، أو الساعات.

2. الخدمات الشخصية: كقضاء مصالح خاصة للموظف أو تسهيل إجراءات لا علاقة لها بالعمل.

3. الولاء والمحسوبية: كتوظيف الأقارب أو منح الامتيازات الإدارية غير المستحقة.

4. الدعم الرمزي والنفوذ: توفير حماية أو دعم سياسي واجتماعي.

كل هذه الأشكال، مهما بدت صغيرة أو رمزية، تؤدي إلى نتيجة واحدة: تفضيل البعض على الآخرين، وتآكل سريع للعدالة والثقة في المؤسسات.

الحلول: التكنولوجيا والشفافية الرقابية

أولاً: التكنولوجيا والتحول الرقمي

يجب حوسبة الخدمات وتحويل الإجراءات إلى منصات رقمية.

هذا يضمن أن تتعامل الآلة مع البيانات وفق القانون، بدلاً من أن يتعامل الموظف مع الجيب أو الهدايا.

هذا التحول يقلل بشكل كبير من فرص الوساطة والرشوة، ويخلق بيئة أكثر عدالة وشفافية.

ثانيًا: الممارسات الرقابية والإصلاح غير التكنولوجي

1. تعزيز الشفافية والمساءلة: نشر نتائج العمل، تقارير الأداء، ومراجعة القرارات الإدارية بشكل علني.

2. تطبيق القوانين بصرامة: فرض عقوبات واضحة ورادعة على كل مخالفة، سواء كانت رشوة نقدية، هدية، أو استغلالًا للنفوذ.

3. التثقيف الأخلاقي: تدريب الموظفين على القيم المهنية وربط الترقيات بالكفاءة الفعلية والجدارة وحدها.

4. حماية المبلغين عن الفساد: توفير آليات آمنة وسرية للإبلاغ عن الرشوة أو التلاعب دون خوف من الانتقام.

5. مكافأة الأداء النزيه: تقدير الموظف الذي يعمل بشفافية وكفاءة لبناء ثقافة عمل مضادة للفساد.

الخاتمة: استعادة الثقة والمؤسسات العادلة

في نهاية المطاف، المؤسسات ليست مجرد مبانٍ، بل هي مقياس لقيم الدولة وعلاقتها بمواطنيها.

عندما تغيب الكفاءة ويحل محلها النفوذ والمال، وتنتشر الرشوة والوساطات، تصبح هذه المرآة مشوهة، ويختل ميزان العدالة. يرى المواطن الدولة خصمًا بدلاً من خادمًا، وتنهار المؤسسة داخليًا بسبب استبدال الجدارة بالولاء، والحق بالامتياز.

إصلاح المؤسسات لا يبدأ بالقوانين وحدها، بل يبدأ بإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة.

حين تُحترم الكفاءة، ويُطبق القانون على الجميع بلا استثناء، وتُعزز الشفافية، تتحول المؤسسات من أدوات للتبعية إلى خدمة حقيقية للناس وضمان لحقوقهم.

إن استعادة هذه الثقة هي المفتاح لبناء دولة عادلة، حيث يُعامل المواطن بكرامة، وتكون القيم هي المعيار لا المال أو النفوذ.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى